كان يكفي نشر قائمة المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل في الموقع لكي تشتعل نيران الشجار الأزلي بين الإسلاميين الذين يعتبرون القيادة الجديدة استمرارا للخط القديم واليسار الذي ابتهج بما يسميه «بقاء الاتحاد يساريا كما كان عبر تاريخه الطويل». تولى ناشطون في اتحاد الشغل وزملاء حاضرون هناك نشر القائمة الاسمية لأعضاء المكتب التنفيذي الجديد برئاسة السيد حسين العباسي، وفي الحين، انطلقت التعاليق التي انقسمت إلى ثلاثة أنواع واضحة: الأول يمثل اليسار العمالي والقريبين منه وخصوم النهضة عموما الذين اعتبروا تركيبة المكتب انتصارا لهم ضد هيمنة الإسلاميين على دواليب الدولة والحكم. والثاني يمثل موقفا وسطا يتراوح بين التهنئة ودعوة أعضاء المكتب الجديد إلى العمل على إنقاذ الاقتصاد ومنع قضاء المصالح الشخصية وما إلى ذلك من تعاليق تنطلق كلها من اعتبار اتحاد الشغل منظمة وطنية عريقة لا يجوز المساس بها أو تهديد دورها في السلم الاجتماعي والدفاع عن حقوق العمال، بقطع النظر عن الأشخاص والتصرفات الشخصية. أما القسم الثالث، فهم الإسلاميون الذين حركوا صفحاتهم العديدة للحديث عن «انتصار البيروقراطية النقابية» أو «استمرار نهج جراد وجماعته المتحالفين مع اليسار». كما استعاد نهضويون كثيرون التهمة الأكثر ترديدا لمهاجمة الاتحاد وهي تزكية قيادته لترشح بن علي للحكم المطلق عامي 2004 و2009. وإذا استثنينا التعاليق التي لا ترتقي لمستوى الحوار أصلا، فإننا نقرأ نوعا من الخيبة العامة لدى الناشطين الإسلاميين في الموقع من تركيبة المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل واعتبارها معادية للمشروع النهضوي. وبالإضافة إلى صفحاتهم الكثيرة، نجح ناشطون إسلاميون في نشر تعاليق معادية للمكتب الجديد في عدة صفحات تخص اتحاد الشغل دون أن يتم محوها، كما ترك ناشطون كثيرون تعاليق تخص موضوع المناولة وتدعو إلى التجند العام لوضع حد نهائي لها، لما فيه من استغلال للعمال. ونقرأ في تعاليق اليساريين وردودهم ابتهاجا بانتصار ممثليهم في انتخابات المكتب التنفيذي، وكتب ناشط نقابي مقرب من الوطد: «لماذا تستغربون فوز اليسار ؟ العمل النقابي في أصله عمل يساري وتصور جاء به اليسار في إطار نضال العمال من أجل حقوقهم. اتحاد الشغل في تونس كان عبر التاريخ يساري التوجه والفكر». وكتب نقابي من العاصمة على صفحته تحت قائمة المكتب الجديد: «بدأ الإسلاميون في التنبير على القيادة الجديدة للاتحاد، لأنهم لا يعجبهم شيء، ألا يكفيكم الفوز بالحكومة وانفرادكم بوزارات السيادة فتريدون السيطرة على اتحاد العمال والمناضلين ؟». ويكتب خصوم النهضة حتى من غير اليسار تعاليق تعلن عن بدء الصراع بين الاتحاد والحكومة النهضوية، وأن «حكم الإسلاميين لن يكون سهلا، وأن الاتحاد سوف يكون خصما شديدا وقويا»، وهو ما جعل بعض الإسلاميين يتهمونهم بأنهم وراء التحريض على الاعتصامات والحركات الاحتجاجية بغرض دفع البلاد إلى الإفلاس وهزم الحكومة ذات الأغلبية النهضوية. وبعيدا عن الموقفين المتصارعين بشكل دائم في الموقع الاجتماعي، قرأنا تعاليق طريفة، مثل تعليق كتبته نقابية من العاصمة جاء فيه: «ولا امرأة واحدة في هذا المكتب يا نقابيين ؟ يا دعاة المساواة ؟» كلكم تعرفون أن النساء المترشحات ذهبن ضحايا التحالفات السياسية الرجالية».