الكل يعرف ان تونس تمر منذ 14 جانفي 2011 بأزمة مالية خانقة وبوضع اقتصادي هش، والكل يدعو الى التقشف وربط الحزام لكن تلفزتنا لم تعترف بهذا التقشف. تلفزتنا التي كشفت لنا عن جيوب الفقر ومعاناة الشعب التونسي في الجهات، وانجزت ريبورتاجات وتحقيقات عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي لأهالينا في كل جهات الجمهورية، لا تعترف بالتقشف ولا يهمها الوضع الاقتصادي الاستثنائي، والدليل ما أنفقته عن الانتخابات الأخيرة. وثائق الوثائق التي بين أيدينا تشير الى أن تلفزتنا أنفقت ما لا يقل عن نصف مليار «كاشيات» على المساهمين في انجاز البرمجة الخاصة بالانتخابات، والغريب ان نجد ضمن المنتفعين بهذه «الكاشيات» (Cachet) من لهم صبغة ادارية كرئيس مصلحة ادارية او مكلف بالأشرطة وغيرها من الوظائف التي لا علاقة لها بالعمل الميداني... والأغرب من هذا كله ان تلفزتنا انتدبت لسهرة الانتخابات المخرج محمد علي العقبي لاخراج السهرة، في حين أننا نجد ضمن المنتفعين أكثر من مخرج، المخرج محمد علي العقبي تحصل على مبلغ يفوق العشرين ألف دينار، أما المخرج شهاب الغربي وهو من أبناء التلفزة ويتمتع براتب شهري، فكان نصيبه عشرة آلاف دينار... والسؤال هنا لماذا اللجوء الى مخرج من خارج المؤسسة في الوقت الذي تزخر فيه التلفزة بالكفاءات؟ وجوه بعض الوجوه الأخرى التي قامت بمجهود وكانت حاضرة مثل إلياس الغربي فقد تحصل على ما لا يقل عن 12 ألف دينار (ربي يزيدو) ولكن أليست هذه منحا مشطة بالمقارنة مع ما تعيشه البلاد، أليس هذا تبذيرا للمال العام؟! أسماء أخرى موجودة تحصلت على مبالغ مرتفعة على غرار السيد توفيق الباهي الذي تحصل على أكثر من عشرة آلاف دينار، ولكننا لا نعرف بالضبط الدور الذي لعبه في الانتخابات حتى يحصل على مثل هذا المبلغ، والسؤال ينسحب أيضا على الكثير من الأسماء الاخرى التي يطول سردها والتي لم نشعر ولم نسجل حضورها في الحملة الانتخابية على غرار الزميل خميس الخياطي الذي تحصل على أكثر من أربعة آلاف دينار. اضافة الى هذه الأموال التي صرفت في شكل منح او «كاشيات»، فإن الأخبار تؤكد أن تلفزتنا أنفقت ما لا يقل عن 450 ألف دينار لتهيئة أستوديو سهرة الانتخابات، صحيح ان الديكور كان ممتازا وأيضا الاضاءة وغيرها من المتممات، لكن هل نحن في وضع يسمح بصرف هذا المبلغ على سهرة حتى وان كانت سهرة انتخابات ديمقراطية شفافة كما يحلو للجميع وصفها؟! وبعيدا عن الانتخابات ، بحوزتنا وثائق تدل على أن مديري القنوات يتحصلون على منح (cachet) على الانتاج وهي مسألة غير مفهومة، فما نعرفه ان المدير يتحصل على راتب وبعض الامتيازات الاخرى مثل منحة التسيير وغيرها، أما منحة على الانتاج فهذا لم نفهمه خصوصا أن المبالغ ليست هينة، وهي ضعف الأجر الادنى تقريبا (في الشهر)، من ذلك أن أحد المديرين تحصل خلال عام 2011 أي بعد الثورة على ما يفوق 10 آلاف دينار كمنح على الانتاج (cachet de production)، إذن مليار من المليمات تم انفاقها على الانتخابات، في حين كان من الاجدر ان تنفق في مساعدة المحتاجين، خصوصا ان كل المنتفعين بهذه المنح هم من أصحاب الرواتب القارة، ونحن نعرف ان الرواتب في مؤسسة التلفزة التونسية من أفضل ما يوجد في المؤسسات الاعلامية ببلادنا.