يتساءل البعض عن موقع التيارات القوميّة بجميع فصائلها وتنظيماتها وأحزابها من التداعيات الأخيرة في الحراك السياسي وما يعرفه من مشاورات أدت إلى اندماج وانصهار عدة أحزاب ومن تجاذب سياسي واستقطاب إيديولوجي بيّن اليسار والإسلاميين على وجه الخصوص؟ تتحرك مختلف القوى السياسية سواء كانت يسارية أو وسطية أو دستورية لتوحيد صفوفها وتكوين تكتلات وائتلافات قوية قادرة على الدفاع بقوة عن مبادئها ومرجعياتها واستقطاب الناخبين في قادم المواعيد الانتخابية غير ان هذا المشهد بقي منقوصا من الحركات والأحزاب ذات التوجه القومي. فما هي أسباب هذا الغياب وأي مصير ينتظر هذه الأحزاب ضمن المشهد السياسي الجديد ؟ بعيدا عن الاعلام اتفق كل من السيدين محمد ابراهمي عن حركة الشعب والسيد خالد الكريشي عن حركة الشعب الوحدوية التقدمية ان المشاورات والمفاوضات تتم منذ مدة بعيدا عن الاعلام اذ ارتات اغلب الاطراف عدم تكثيف الظهور الاعلامي ضمانا لأوفر سبل النجاح ويرى محمد ابراهمي أنّ الحوار جدي والنتيجة قريبة ، وفي اجابة عن سؤال حول تحركات الأحزاب القومية من اجل توحيد صفوفها يقول السيد محمد ابراهمي « الأحزاب القومية ما انفكت منذ مدة تتحرك حول مستقبل العمل القومي في تونس وهي تحركات مكثفة يتخللها حوار جدي ان شاء الله سيتوج ويكون في مستوى انتظارات القوميين في تونس « كما يضيف ان المشاورات شملت كل الأحزاب ذات التوجه القومي والأحزاب اليسارية التي حسمت مبدأ الهوية العربية الإسلامية فكان تواجد الناصريين والبعثيين واليساريين وهي أحزاب تؤمن بالوحدة العربية . ظروف موضوعية يؤكد السيد محمد ابراهمي ان ما يشهده الوطن العربي في أكثر من قطر فرض على الأحزاب التي كانت تنادي بالأمة التونسية تعديل مسارها كما يمثل هذا الحراك دعما قويا للأحزاب الناصرية رغم محاولات البعض الالتفاف عليه وعن مستقبل العمل القومي يضيف محدثنا ان الشعب يريد الآن ازالة الحدود المصطنعة وتحقيق الوحدة العربية لينادي الجميع «الشعب يريد تحرير فلسطين» وهو ما يفرض على القوى التقدمية القومية استثمار الظروف الموضوعية لصالحها نظرا لقربها من ارادة الشعوب. في نفس الاطار يقول السيد خالد الكريشي «هناك حوارات ونقاشات من اجل الإعداد للمؤتمر التوحيدي لحركة الشعب وحركة الشعب الوحدوية التقدمية وهي خطوة من بين الخطوات التي نرمي من خلالها الى توحيد كل التيارات التي تؤمن بالمبادئ القومية الكبرى وتقبل بالعمل الحزبي القانوني وخوض الانتخابات والتداول على السلطة خاصة ان البعض كان يرى عدم جدوى العمل السياسي في ظل الدولة القطرية وهناك سعي لتعديل هذه الأفكار خدمة للمسار القومي». الناخب صوت للفكر القومي في إشارة إلى تغلغل الفكر القومي في المجتمع التونسي يؤكد السيد خالد الكريشي ان الناخب التونسي صوت خلال الانتخابات الأخيرة للأفكار القومية التي تنادي بالوحدة لحل المشاكل القطرية وتلبية المطالب الشعبية التي يبقى كل قطر عاجزا عن تجاوزها بشكل منفرد رغم انه لم يصوت لأحزاب قومية ولذلك سيعمل الحزب الجديد الذي من المؤمل ان يجمع حوله اغلب القوى القومية على الاستجابة لأهداف الثورة ولتطلعات المواطن اينما كان. اما السيد عثمان بالحاج عمر الامين العام لحركة البعث فيرى ان الغاية الأساسية لأي تحرك يجب ان تكون العمل الذي يترك آثارا ونتيجة في الواقع وليس التكتل في حد ذاته ويضيف « نحن نحترم الأحزاب القومية الموجودة ونطالبها باحترام بعضها وان تتفق على العمل المشترك في إطار جبهة مرنة لها قيادة مركزية وامتداد على مستوى الجهات للتعود على العمل المشترك الذي يقربنا من بعضنا أكثر ويوصلنا إلى أكثر من الجبهة». الوقت لم يحن بعد كما اكد بلحاج عمر انه بحكم الوضعية الحالية وواقع الأحزاب والتزاماتها فان الانتقال من التفرقة الى الوحدة الشاملة قد ينعكس سلبا على الاهداف المنتظرة لذلك لا بد من تكثيف العمل الميداني المشترك في الوقت الحاضر وكل خطوة تقام في هذا الاتجاه تقرب الجميع من جبهة قومية تقدمية قوية. الساحة التونسية قومية كما هو الشأن بالنسبة للسيدين خالد الكريشي ومحمد ابراهمي يتفق السيد عثمان بلحاج عمر معهما في اعتبار الساحة التونسية ساحة قومية والدليل حسب رايه ان شعارات القومية في الوحدة والهوية والتعريب والقضية الفلسطينية والعراق شعارات يرفعها الجميع الآن من ماركسيين وإسلاميين وغيرهم بعد ان كانت القومية في نظر العديد شوفينية وعنصرية. وعن المستقبل يقول محدثنا « بوجود الصيغة والمشروع الذي يعبر عن جوهر اطروحاتهم الوطنية والديمقراطية والاجتماعية وبوقوف مناضلين صادقين بعيدا عن التجاذبات سيصبح للقوميين تواجد قوي و مهم على الساحة فالفكر القومي منتشر في كل ارجاء الوطن العربي كما ان الفشل الذي رافق الأحزاب القومية في الفترة الأخيرة مرده الصعوبات التي تواجهها هذه الأحزاب سواء كانت صعوبات مادية او خارجية بحكم خطورة المشروع القومي على المشروع الاستعماري الذي قد يساند قوى اخرى لمواجهة المد القومي ولكن يبقى المستقبل للأحزاب القومية الأقرب لواقع وطموحات الشعب العربي.