لم تتوقف تداعيات زيارة الداعية الديني المصري وجدي غنيم حد ردود الافعال الشخصية من المواطنين ومن مختلف مكونات المجتمع المدني بل بلغ الامر أمس حد «تحرّك» اعتبره الملاحظون رسميا بما انه صدر عن الدولة ممثلة في وزارة الصحة العمومية. وكانت زيارة غنيم إلى تونس قد أحدثت ما يشبه البلبلة لدى أغلب التونسيين على خلفية ما عُرف عنه من دعوة لختان البنات في فتاوى دينية سبق أن أصدرها بعدد من بلدان المشرق العربي. وقبل وصول غنيم إلى تونس الاسبوع، حذر كثيرون من أفكاره وخاصة تلك الداعية إلى ختان البنات، ثم توسعت دائرة ردود الافعال أثناء جولاته بتونس لتشمل الاغلبية الساحقة من التونسيين في الشارع وفي مواقع العمل وعبر الأنترنات ووسائل الاعلام اقتناعا منهم أن ظاهرة ختان البنات لا تمت لتونس المعاصرة بصلة. وفي بيان مفاجئ، حذرت وزارة الصحة العمومية بعد ظهر أمس من مخاطر عمليات ختان البنات على صحة الانثى ومن تأثيراتها السلبية على نفسيتها وعلى حقوق المرأة بشكل عام، كما قللت من فوائدها الصحية عكس عمليات ختان الذكور التي لها فوائد صحية ثابتة. ودعت المواطنين ومهنيي الصحة إلى الامتناع عن القيام بها وإلى رفضها وإدانتها. وتأتي ردة الفعل هذه من وزارة الصحة العمومية بالتوازي مع قضية عدلية رفعها محامون أمس ضد الجمعيات التي نظمت زيارة الداعية وجدي غنيم إلى تونس . ويمكن القول بالتالي أن زيارة غنيم لم تهز كيان التونسيين فحسب بل كيان الدولة أيضا بما انها أحدثت ما يشبه الرجة صلب الحكومة ممثلة في وزارة الصحة العمومية ودفعت بها إلى إصدار بلاغ رسمي يحذر من ختان البنات. واعتبرت وزارة الصحة في بيانها أن ختان البنات «ممارسات مدانة ومشينة وغريبة عن المقومات الثقافية لتونس وتقاليدها وليست لها أي فوائد على صحة المرأة. كما أن بتر أنسجة الأعضاء التناسلية العادية والسليمة للأنثى عملية مؤلمة جسديا ونفسيا يعوق الوظائف الطبيعية للجسم علاوة على تسببه في مضاعفات فورية أو دائمة و خطيرة على صحة النساء. ويتسبب ختان البنات في إحداث نزيف خطير ومشاكل في المسالك البولية وفي حدوث ما يُعرف بالكيس والتعفنات علاوة على انه يمكن ان يتسبب في الإصابة بالعقم وبمضاعفات خطيرة خلال عمليات التوليد وفي زيادة نسب وفيات المواليد». وأضافت الوزارة أن تونس انضمت منذ سنوات إلى موقف دولي تم اتخاذه في 2008 يدين هذه الممارسات واشتركت فيه 10 منظمات دولية منها منظمة الصحة العالمية واليونسكو واليونيسيف وبرنامج الاممالمتحدة الانمائي ومفوضية شؤون اللاجئين. ويدين هذا الموقف عمليات البتر الجزئي أو الكلي للاعضاء التناسلية الخارجية للمرأة أو غيرها ممن الاعضاء التناسلية الانثوية لغايات غير علاجية ويعتبرها انتهاكا لحقوق الفتيات والمرأة لها آثارا سلبية على الصحة وتسبب صدمات نفسية غير قابلة للعلاج. أكيد أن ما يحصل هذه الايام بتونس على خلفية زيارة غنيم إلى تونس يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن تونس ليست في حاجة إلى مثل هذه «التقلبات» التي لا تخدم في شيء المجتمع والاقتصاد والمصلحة العليا للبلاد وأهداف الثورة بشكل عام . فتونس، شعبا وحكومة ينتظرها اليوم عمل كبير على مختلف الأصعدة وليس من مصلحة أي كان إضاعة الوقت في التنديد والادانة واصدار البيانات تجاه مسائل أقل ما يقال عنها انها تافهة لو عمل الجميع على تفاديها منذ البداية.