تشن الصفحات القريبة من النهضة وثلاثي الحكم حملة جديدة ضارية ضد الإعلام الوطني وخصوصا القناة الوطنية وتدعو إلى حرمانها من الدعم المالي بالإضافة إلى «مسيرة مليونية» يوم الجمعة احتجاجا على أداء الإعلام العمومي. الخلاف في الموقع الاجتماعي بين النهضة وثلاثي الحكم من جهة والإعلام التونسي من جهة أخرى قديم ويعود إلى بدايات الثورة، يرفع ناشطو النهضة في صفحاتهم منذ أشهر عديدة شعارات مناوئة مثل «إعلام العار»، وينشرون قوائم في خصومهم من الإعلاميين والمسؤولين عن الإعلام كما ينشرون وثائق تكشف عن تورط أسماء عديدة في الاستفادة من نظام بن علي واستمرار هذه الأسماء في العمل والنشاط. غير أن الأيام الأخيرة حملت علامات حرب حقيقية يشنها أنصار النهضة على الإعلام العمومي تكشف عن عمق الشرخ الذي حدث بين الحركة الحاكمة والمؤسسات الإعلامية. والمشكل في الموقع الاجتماعي، أن التلفزة العمومية لا يدافع عنها أحد خصوصا حين تتورط في أخطاء مهنية فادحة، كما أن نقد الإعلام العمومي أصبح رياضة وطنية يمارسها الجميع في تونس، حيث تتردد عبارة «القناة البنفسجية»، وحيث لا أحد يرضى عن طريقة عملها. ويستفيد أنصار النهضة من تدني صورة الإعلام بصفة عامة على مدى العقود الأخيرة لتأليب الرأي العام في الموقع الاجتماعي ضده، كما تساهم عدة مؤسسات إعلامية عمومية وخاصة بأخطائها المهنية الفادحة في توفير الحجج لخصومها من كل التيارات السياسية. ومن هذه الأخطاء، بث أغنية «شمس الأوطان» يوم السبت الفارط والتي جعلت أغلب الناشطين في الصفحات التونسية يهاجمون القناة الوطنية ويطالبون بمحاسبة المسؤولين عن ذلك، فيما يكتب ناشطو النهضة أن أغلب رموز نظام بن علي ما يزالون يحافظون على صلاحياتهم الواسعة في المؤسسات الإعلامية. ونلاحظ في صفحات زعماء النهضة في الموقع الاجتماعي تفاديا مدروسا للعداء الواضح مع الإعلام، باستثناء بعض الملاحظات على أداء بعض المؤسسات، وخصوصا ما يعتبرونه تعتيما على نشاط الحكومة في مقابل التركيز المفرط على نشاط المعارضة. أما في المدة الأخيرة، فقد تم تداول مقاطع فيديو لقادة الحكومة والحركة تكشف عن استفحال فقدان الثقة، وعن مواجهة علنية بصدد التطور، ومن ذلك تصريح للسيد حمادي الجبالي رئيس الحكومة في مقطع فيديو تم تداوله بكثافة في الصفحات النهضوية وجاء فيه أن «الإعلام لم يلحق بركب الثورة»، وينشر ناشطون نهضويون هذا الفيديو مع تعليق يفيد أن مصور القناة الوطنية غادر الندوة الصحفية للوزير الأول في الرياض احتجاجا على انتقاده لأداء الإعلام العمومي، بالإضافة إلى تصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة السيد سمير ديلو وكذلك السيد الحبيب خذر من مجلس النواب، وهي تصريحات تذهب كلها في اتجاه تحذير الإعلام العمومي وحتى الخاص من الاستمرار في هذا الوضع. وإذا كان زعماء الحركة والحكومة يقفون عند الحدود الضرورية للتصريح الرسمي، فإن أنصار الحركة في الموقع الاجتماعي يحولون ذلك إلى حملات ضارية تحولت في بعض الصفحات إلى «إعلان حرب» يبدأ بالدعوة إلى قطع التمويل في فاتورة الكهرباء عن الإعلام العمومي وإلى تنظيم مسيرة مليونية حاشدة بعد صلاة الجمعة احتجاجية، كما يدعو العديد من الناشطين علنا في صفحاتهم إلى منع صحفي وتقنيي القناة الوطنية من العمل، وهو ما حدث مرارا خصوصا في الجهات وتجاوز المنع إلى الاعتداء الجسدي. يكتب ناشطون محايدون من المجتمع المدني في صفحاتهم عن خطر الشرخ بين الحكومة والإعلام، وعن وجوب توفير أرضية للتفاهم، يكتب ناشط حقوقي معروف بالحياد: «صحيح أن التلفزة الوطنية تحمل إرثا تجمعيا ونظاميا فاسدا، لكن على الحكومة أن لا تتبنى الهجوم عليها ولا أن تعمل على السيطرة عليها، من مصلحة الجميع أن يفتح ملف الإعلام كاملا وبموضوعية، وأن نغير القوانين المنظمة له حتى يكون بمنأى عن تدخل أي طرف». أم إذا عدنا إلى تفاصيل الحملة على القناة الوطنية في الموقع الاجتماعي، فإننا ندرك أن إصلاح علاقتها بالحكومة لن يكون قريبا، وأن الشرخ بين الطرفين بصدد الاتساع.