محسن مرزوق ناشط سياسي وحقوقي عرفه الجمهور الواسع للفضائيات بعد 14 جانفي كمحلل سياسي كما كان وراء مجموعة من المبادرات التي ساهمت في الحراك السياسي. عالم اجتماع وخبير دولي وهو ما يمنح الحديث معه نكهة خاصة. «الشروق» التقته في هذا الحوار. طرح رئيس الحكومة المؤقت والرئيس المؤقت ضرورة المصالحة والوفاق هل تعتقد أن المصالحة وطي ملفات الماضي المؤلمة هي الشرط الأول لحماية الوحدة الوطنية التي باتت مهددة؟ أية دعوة للوفاق والمصالحة في تونس الآن هي دعوة إيجابية يجب تحيتها مع المطالبة بتحويلها إلى دعوة عملية أي أن تتجسد في إجراءات عملية. الواقع أن مسألة المصالحة قد تغيرت معطياتها في تونس فبعد أن كانت مصالحة واحدة صارت مصالحتان. بعد الثورة مباشرة كانت المصالحة مطروحة في علاقة بالنخب التي كانت في فلك سلطة بن علي والتي لم تتورط في جرائم بشكل مباشر. أما الأن فقد تحولت ضرورة المصالحة أيضا لتتعلق بجسم «النخب» التي استفادت من الثورة وصارت، لنقل ذلك مجازا، النخب التي تستمد شرعية من الثورة. وبالأساس شقيها، ذلك المطالب بالدولة المدنية وذلك المطالب بنوع من الدولة الطوباوية الدينية. الملفت للانتباه أن التمزق الثاني الذي تجسد بعد الثورة، وكان كامنا قبلها، يبدو وكأنه سيستوعب التمزق الأول. بحيث صار التمزق الحاصل حول طبيعة المجتمع والسلطة والدستور الذي نريد يبحث عن حلفاء له في مكونات التمزق الأول. هكذا يتوحد المطالبون بالدولة المدنية مع النخب العلمانية المستفيدة من الفترة قبل الثورية في حين يحاول انصار الدولة الدينية البحث عن حلفاء لهم بين المحافظين في نخب أخرى كانت مستفيدة قبل الثورة (سياسيون ورجال دين وإعلاميون مثل جماعة إذاعة الزيتونة مثلا). إن مصلحة الانتقال الديمقراطي في تونس تتطلب التقدم بالمصالحة في الاتجاهين سريعا. في التمزق الأول بالعدالة الانتقالية. وفي المسار الثاني بالتوصل إلى وفاق وطني جديد. وكلما توصلنا لحل معطيات مصالحة من بينهما تقدمنا على الصعيد الثاني. وفي الحالة الراهنة أرى أن التوصل لوفاق وطني جديد هو أمر حيوي للتقدم في مسار العدالة الانتقالية التي لا يمكن المضي فيها بدون وفاق وطني حول سقفها وأهدافها وموضوع عملها ومدة عملها والفترة التاريخية التي ستعالجها. تنامي التيار السلفي واستعراضاته في الشارع أليست نتيجة ترهل الدولة وشعورهؤلاء بأن وجود النهضة في الحكم هو فرصتهم للأنقضاض على الدولة ومؤسساتها بما يجعل من تونس بلدا أخر غير الذي عشنا فيه؟ ما يسمى بالسلفيين هم ظاهرة عابرة يغذيها الآن تساهل أمني معها وخاصة في التعامل مع مظاهرها العنيفة. عندهم إحساس مع وجود حركة النهضة في السلطة أنهم قريبون من إقامة حلمهم الطوباوي بتأسيس دولة لم ولن يشهد التاريخ العربي الاسلامي مثيلا لها. ولأنهم يقومون على فكرة التكفير والهجرة ثم القتال لإقامة الدولة الوهمية فإنهم يكفرون شعبهم، أي المسلمين، وبذلك يتحولون إلى ظاهرة غير سياسية. لأن السياسة تقوم بالأساس على التعبير عن مصالح الشعب الموجود لا الشعب الوهمي الذي تخترعه الأيديولوجيا. لا حظ لهم في النجاح وسيبقون اقلية هامشية. وقد كانت مظاهرة يوم 20 مارس رسالة واضحة أكدت أن أغلبية الشعب التونسي هي ضد هؤلاء وافكارهم. ولكن الذي يعطيهم أجنحة الآن هو تعامل بعض التيارات داخل النهضة معها لا كل النهضة وهو ما ينعكس على أداء بعض مؤسسات الحكم في التعامل القانوني مع الانفلاتات العنيفة لهذه الجماعات. المعضلة يعانيها المجتمع ككل ولكن الأحزاب الموجودة في الحكم هي التي ستحاسب أكثر من وجهة النظر التاريخية. ما يقوم به الرئيس المؤقت للجمهورية يستحق الاهتمام والاشادة رغم محدودية صلاحياته ولكن سعيه لإقامة وضع تعادل بين تطرف السلفيين وما يسميه تطرف العلمانيين غير عادل. وهو يبحث عن توازنات. فالوضع دقيق. لا بد من الذكاء والحكمة في التعامل مع هذه الجماعات بالتوجه لها بالحوار وإقامة وفاق وطني حول الخطوط الحمر التي لا يمكن لهم أو لغيرهم تجاوزها وفي نفس الوقت لا بد من الضغط على الحكومة لتقوم بواجبها الأمني تجاه مظاهر العنف. ألا ترى أن الترويكا أخطأت عندما أختارت الحكم في الوقت الذي كانت تستطيع فيه أن تختار حكومة تكنوقراط لتجنيب البلاد الأحتقان السياسي ؟ نعم لا شك في ذلك. قلنا لهم هذا الكلام سابقا ولكنهم اختاروا طريقا آخر. عموما الترويكا ليست واحدة وبين مكوناتها اتفاقات واختلافات. ولأن في كل شيء سيء قد يكون هناك شيء إيجابي يمكن اعتبار دخول جماعة التكتل على الأقل عنصرا مهما لكونه قد يكون عدل عددا من الأشياء لا نعرفها الآن في الحكومة. كما أنه عنصر مهم في المستقبل. ومن جهة ثانية يجب الاهتمام بالتطورات بين أجنحة حركة النهضة والسعي لدعم جناحها المعتدل. كما أن الرئيس المرزوقي يقترب في كثير من الاحيان من قناعاته الحقوقية الانسانية التي يجب دعمها. عدد من الوزراء يحاولون أيضا القيام بأدوار إيجابية. يجب التعامل مع الممارسات واحدة بواحدة دون تعميم أو شطط ولكن مع المحافظة على المسافة النقدية. أما على المستوى العام فإنه من الممكن بل من الضروري مراجعة المسار بقيام وفاق وطني جديد قد يراجع برنامج الحكومة وتركيبتها وخاصة خلق أوسع مشروعية وضمنها. على الترويكا أن تتوقف على القول انها في الحكم لأنها تمثل أغلبية في المجلس الوطني التاسيسي وان هذا يعطيها الحق في وضع السياسات. لان هذا المنطق يعطي المشروعية للأحزاب الأخرى ان تقول لها ولماذا تطلبون مساعدتنا إذن في تحسين المناخ الاجتماعي تحملوا مسؤولياتكم لوحدكم إلخ....الوفاق مطلوب في المراحل الانتقالية.... عدم الإعلان رسميا عن موعد الأنتخابات القادمة وعدم تشكيل هيئة مستقلة للأنتخابات ما هو تأثيرهما على نفسية المواطن التونسي الذي يعيش خوفا متناميا من المستقبل؟ نعم بلا شك. هو يغلف أبواب المستقبل بالغموض. وفي غياب الوضوح في وضع خارطة طريق محددة تحدد خاصة تاريخ الانتخابات المقبلة سيبقى الشك سيد الموقف. في الواقع نحن محتاجون لتوضيح عدة مسائل وخلق وفاق حولها لتعبيد خارطة طريق المرحلة الانتقالية الثانية. هذه المسائل التي هي موضوع وفاق بين عدد واسع من الشخصيات والأطراف التونسية وعبرت عنها في نص هام أقتطف منه هي: 1 ضرورة قيام المجلس الوطني التأسيسي بالتحديد الرسمي والصريح لمدة عمله والسلطات المنبثقة عنه بسنة واحدة، بداية من تاريخ انتخابات المجلس الوطني التاسيسي، كما التزمت به الاحزاب سابقا، والشروع الفوري فيما بقي منها لإعداد الدستور وإصدار قانون انتخابي جديد لتنظيم الانتخابات المقبلة يوم الثالث والعشرين من أكتوبر سنة 2012. 2- ضرورة تمكين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من استئناف نشاطها بشكل فوري، لمواصلة ترسيم الناخبين والإعداد للانتخابات المقبلة ذلك أن انتخاب مؤسسات دستورية دائمة يتطلب إعدادا يفوق الإعداد لمجلس تأسيسي. 3- ضرورة وضع برنامج إنقاذ اقتصادي واجتماعي يحصل حوله وفاق وطني لمعالجة الوضع المتدهور في البلاد. كما يتوجب أن تتعاون مؤسسات المجتمع المدني وكافة القوى السياسية والقطاع الخاص على وضع وتنفيذ برامج تضامن اجتماعي وطني يتقاسم من خلالها التونسيون آثار الفترة الحرجة التي يمر بها اقتصادنا الوطني في انتظار الاقلاع المنشود. 4 وبنفس روح التوافق الوطني لا بد من إطلاق مسار عدالة انتقالية بأهداف محددة ومن خلال آلية مستقلة تعالج انتهاكات الماضي وتحدد المسؤوليات عنها والتعويض لضحاياها والتأسيس لمستقبل لا تتكرر فيه مآسي الماضي. 5 إن التزايد المقلق لانتهاكات الحريات والحقوق الانسانية الأساسية الجماعية والفردية في البلاد من طرف مجموعات متطرفة وفي ظل لا مبالاة الحكومة القائمة، يجعل من الدفاع عن الحرية أولوية حيوية سواء كانت متعلقة بحرية الاعلام أم التعبير أم التنظم أم الحقوق والمكاسب الانسانية وخاصة منها حقوق المرأة والمكاسب الاجتماعية العصرية للمجتمع التونسي. 6 من نتائج الحرب الأخيرة في ليبيا الشقيقة تداول كميات هامة غير محددة من السلاح تقع المتاجرة بها من دون أية رقابة عبر حدود الدول المغاربية بشكل أعطى للخلايا الارهابية إمكانيات إضافية لإعادة تنظيم نفسها وتهديد السلم الأهلية، وهو ما يحتم تنظيم الصف الوطني للتصدي لها ودعم جهود مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية لحماية الأمن الوطني. 7 كما يتطلب الوضع الاقليمي المعقد، تحصين موقع تونس دوليا بالابتعاد عن الاصطفاف في أية محاور خارجية والتزام الحياد الايجابي وقاعدة «مصالح تونس أولا». 8 إن تزايد الدعوات المتطرفة التي تعتمد تأويلات باطلة لديننا الحنيف فتنشر الفتنة وتبث التفرقة بين التونسيين، وتحاول الاساءة لكتاب الله ولتاريخ الاسلام ومنجزاته ومؤسساته في تونس، تدعونا إلى تشديد اليقظة المدنية وتفعيل الحوار مع شبابنا المغرر بهم في نفس الوقت الذي يجب فيه تفعيل القوة القانونية الرادعة للدولة وتحييد المساجد عن أي توظيف سياسي وحزبي. مبادرة السيد الباجي قائد السبسي كيف ترى مستقبلها وهل يمكن أن تنجح في بناء جبهة عريضة للدفاع عن الجمهورية والديمقراطية؟ السيد الباجي قائد السبسي يقوم بدوره هو يدعو لتوحد الجميع حول المصلحة الوطنية. ومن المؤسف أن البعض من الجاحدين وغير المسؤولين يعملون على مهاجمته لقيامه بهذا الدور. وهم يخدمونه من حيث لا يعلمون فالناس ليسوا أغبياء. إن هذا الرجل يعمل بدون طموحات شخصية. وقد قال ان سنه لا يسمح له بالتفكير في الطموحات. فلماذا تنزل أخلاق البعض لهذا المستوى فقط خوفا من مبادرته؟ عموما توحيد القوى الديمقراطية التقدمية في قطب يحقق التداول على السلطة ليس مسؤولية الباجي بل مسؤولية هذه الأحزاب التي قد تكون بعض مكونات الترويكا من بينها. المهم الآن هو منهجية التوحيد. حاليا تعيش مجموعة من الاحزاب الديمقراطية التقدمية ديناميكية توحيدية تواجهها عوائق وتعطيلات تتعلق بالاساس بكيفية تحقيق معادلة النجاح في عبور مسار ينطلق أولا من الوضع الهش للاحزاب المنفردة الحالية فالتوحيد على أساس اتفاق محاصصة في الهيئات والهياكل ثانيا إلى بناء الحزب الموحد ثالثا. الواضح أن أسباب العوائق والتعطيلات ليست في الوعي بضرورة التوحد أو في أهدافه ولا حتى في برامج الحزب الجديد، فهذه كلها محل وعي واتفاق عام. بل إنها تتمثل أساسا في منهجية المرور من وضع أحزاب منفردة إلى الانصهار في حزب جديد لن يشكل فقط مجموع الأحزاب السابقة بل تنظيما جديدا نوعيا يختلف عن أسلافه ليلبي متطلبات المرحلة وتحدياتها في تونس.
حاليا يوجد اتفاق بين مختلف الأحزاب المعنية بالتوحيد مفاده أنه في مرحلة أولى سيقع الاعتماد على مبدإ المحاصصة. بحيث يقع تنظيم مؤتمر موحد (أو انضمام بعض الاحزاب لمؤتمر بصدد توحيد أحزاب أخرى) على أن تنتج عن هذا المؤتمر قيادة مشتركة على أساس مبدإ المحاصصة وفق نسب يقع تحديدها مثل مبدإ التوزيع وفق نسب النتائج المتحصل عليها في الانتخابات الاخيرة مع تخصيص نسبة للمستقلين. يبدو المرور بهذه المرحلة ضروريا لأسباب عملية. غير أن المحاصصة لا يمكن أن تكون حلا وقتيا كونها لا تعالج التوترات الناتجة عنها ولا تعطي مشروعية دائمة ولا تسمح بانفتاح الحزب الموحد على كل الطاقات الموجودة داخل الأحزاب المتوحدة وخارجها، وهي الاغلبية، والتي يجب أن يفسح لها ولكفاءاتها المجال بشكل ديمقراطي. لهذا السبب، أقترح أن يقع اعتبار الهيئات التوحيدية القائمة على المحاصصة، هيئات تأسيسية وقتية هدفها الأساسي الاعداد للمرحلة الثانية، مرحلة بناء هياكل الحزب الموحد بشكل كامل عن طريق الانتخابات الداخلية الحرة والمفتوحة. يكون هدف الهيئات القيادية الانتقالية إذن وضع خطة عملية لتنظيم الانتخابات بتوزيع الانخراطات بشكل واسع ووضع رزنامة انتخابية يسبقها طبعا وضع هيكلية جديدة للحزب تقوم على أساسها الانتخابات. بحيث لا تتجاوز المدة المؤدية للانتخابات ثلاثة أشهر مثلا. إن مزايا هذا الخيار كثيرة: أولا كونها تؤسس للديمقراطية الداخلية التي يجب أن يقوم عليها الحزب الديمقراطي الجديد. ثانيا كونها ستوفر الفرصة لانضمام أعداد هائلة من غير المنتظمين حاليا الذين سيجذبهم التنافس الديمقراطي المفتوح بين التيارات المكونة لهيئات المحاصصة والذي سيغذيه البحث عن جلب أكثر ما يمكن من الأنصار لرحى العملية الانتخابية. القيادات التي سيفرزها الصندوق ستكون ذات شرعية وتكون أقرب للكفاءة من عوامل أخرى. عدد من المنضمين للمسار التوحيدي والذين لم ترضهم المحاصصة وعملياتها الجراحية سيرضيهم أن المحاصصة وقتية ويقبلون بالاحتكام لصندوق الاقتراع لاحقا. عدد من المجموعات السياسية التي لم تنضم لأسباب عديدة للتوحد في مرحلة المحاصصة قد تجد سبيلا من خلال الانخراط والدخول في معمعة الانتخابات للانضمام بشكل ديمقراطي لمسار التوحيد وبناء الحزب الجديد...إلخ بهذه الطريقة، يمكن بناء حزب جماهيري واسع وديمقراطي، قوي وقادر على التصدي للتحديات الوطنية الجسيمة. فنجاح الحزب الحديث يقاس بالأساس بقدرته الاستيعابية وقدرة أدائه وتكيفه. فهو كائن حي منفتح على محيطه.