وسط تجاذبات عديدة بين المحامين والمحكمة حول تأخير النظر في القضية لجلسة ثامنة او المرور إلى طور المرافعات ، تواصلت أمس الجلسة السابعة لقضية شهداء تالةوالقصرين وتاجروين والكاف والقيروان بالمحكمة العسكرية الدائمة بالكاف . أجلت أمس المحكمة العسكرية الابتدائية الدائمة بالكاف النظر في قضية شهداء تالةوالقصرين إلى جلسة 16 أفريل الجاري للمرافعات وقررت الافراج عن المتهمة ربح السماري ورفض مطالب الافراج عن المتهمين جلال بودريقة وعادل التويري وعلي السرياطي بعد أن تقدم محاموهم بمطالب في الغرض ورفضتها النيابة العمومية .
وكما في الجلسات السابقة ، انطلقت الجلسة السابعة في هذه القضية بمناداة رئيس هيئة المحكمة على المتهمين البالغ عددهم 22 منهم 12 بحالة سراح و9 بحالة ايقاف وواحد بحالة فرار وهو الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي . وقد حضر كل المتهمين في حالة سراح وإيقاف باستثناء متهم في حالة سراح وهو الإطار الامني الاسبق الذهبي العابدي وذلك لأسباب صحية .
وكان في حسبان هيئة المحكمة مثلما صرح بذلك رئيسها أن يقع الاستماع في البداية إلى شهادات 3 شهود ثم يقع المرور مباشرة للمرافعات في الاصل عن طريق المحامين القائمين بالحق الشخصي محاميي المتضررين ومحاميي الدفاع محاميي المتهمين بعد أن قدموا طيلة الجلسات الماضية مطالبهم الشكلية. غير أن محاميي الطرفين تمسكوا جميعا بطلب تأخير القضية إلى جلسة أخرى تسبق جلسات المرافعات حتى يتسنى لهم مزيد الاستعداد للترافع وربما لتقديم طلبات شكلية أخرى.
اكتبوا يا صحفيون !!
في الأثناء ، بدت بعض علامات التشنج على رئيس هيئة المحكمة الذي استغرب من ذلك واعتبر أن المحامين «أخلوا باتفاق شفوي بينه وبينهم في الجلسة الماضية عبروا فيه عن استعدادهم للمرور لطور المرافعات في جلسة امس» ، وبلغ الأمر به حد القول إن «المحكمة جاهزة للحكم ابتدائيا في القضية مباشرة بعد جلسات المرافعات واعطاء كل ذي حق حقه وان محاميي المتضررين هم من يعطلون البت فيها» وطلب من الصحفيين الحاضرين تدوين ذلك في تقاريرهم ...
استياء ..وطلب التأخير
تواصلت التجاذبات بين المحامين من جهة والمحكمة من جهة اخرى حول مزيد تأخير القضية الى جلسة أخرى تسبق جلسات الترافع في الأصل . وقال محامو عائلات الشهداء والجرحى إنهم ما زالوا بالفعل غير جاهزين للترافع في الاصل باعتبار ان القضية ما زالت منقوصة من حقائق أخرى لا بد من اتمامها عبر مزيد البحث والتحقيق والاستماع الى شهود آخرين ، فضلا عن ضرورة اطلاعهم على كل مستندات القضية لا سيما التقارير الطبية والأحكام التحضيرية . وطلبوا ايضا انتظار استكمال البحث في القضايا التحقيقية الأخرى المفتوحة امام قاضي التحقيق العسكري حول أحداث القصرينالمدينة (التي ما زال يلفها الغموض خاصة حادثة الصيدلية والقناصة عكس قضية تالة التي اتضحت فيها الرؤية حسب أحد المحامين ) ، وذلك حتى يتسنى لهم الترافع على أسس صحيحة و يقدروا بالتالي على الدفاع عن حقوق منوبيهم كأحسن ما يكون . وقالوا بالخصوص إن القضية تاريخية وحساسة وخطيرة وانه في الدول المتقدمة يتم البت في مثل هذه القضايا بعد أشهر عديدة وليس بعد 4 أو 5 أشهر فقط وانه لا مانع من أن تمتد القضية إلى جلسات أخرى وتأخذ وقتها بالكامل حتى ينال كل ذي حق حقه دون ظلم او أكباش فداء . و ذكر رئيس هيئة المحكمة بأن المحكمة مقيدة في هذه القضية بقرار دائرة الاتهام الذي لا يشير الى أحداث القصرينالمدينة والقيروان وتاجروين لذلك وقع فتح قضايا تحقيقية أخرى في ذلك وهي قضايا مستقلة عن هذه القضية . وقد طلب أحد المحامين ضم هذه القضايا الى بعضها .
ولم ينس محامو المتضررين التعبير عن استيائهم من اتهام رئيس هيئة المحكمة لهم بانهم وراء تعطيل البت في القضية بعد أن تقدموا بطلبات التأخير ، وخاصة استياءهم من طلبه المتشنج من الصحفيين تدوين ذلك في تقاريرهم ..
رئيس المحكمة : من حقي الدفاع عن نفسي
لتوضيح هذه النقطة قال رئيس هيئة المحكمة انه مستاء من التصريحات الصحفية الصادرة في المدة الاخيرة عن عدة اطراف (بمن فيهم المحامون واهالي الشهداء والجرحى أو ممثلون عنهم) والتي يقولون فيها إن المحكمة العسكرية بالكاف تماطل في البت في هذه القضية وإنها تخضع لضغوطات من اطراف ما وإنها لم تُسرع بما فيه الكفاية لإجراء الأبحاث اللازمة في القضية وهو ما أدى لحصول اعتصامات واحتجاجات . واعتبر أن مثل هذه التصريحات مسّته شخصيا ومست القضاء العسكري بشكل عام رغم ما بذلته محكمته من جهود جبارة لدفع مسار القضية إلى الأمام في أسرع وقت ممكن و رغم العمل ليلا نهارا طوال الاشهر الاربعة الماضية لاتمام كل الابحاث والتحقيقات واجراء المكافحات والاستماع للمتهمين وللشهود ولأهالي الشهداء والجرحى أو من يمثلهم و القبول بأغلب طلبات المحامين واصدار الاحكام التحضيرية .. وأضاف بالخصوص أن كلامه هذا في قاعة الجلسة جاء باعتباره ممنوعا قانونيا من التصريحات الصحفية ولم يتمكن بالتالي من الرد عبر وسائل الاعلام على الاتهامات الموجهة عبر وسائل الاعلام فرد عليها اليوم داخل قاعة الجلسة التي يترأسها ، وهو المجال الوحيد المفتوح له .
ما حكاية التعويضات المادية ؟
أثار المحامون القائمون بالحق الشخصي اشكالا على غاية من الخطورة ، حيث ذكر احدهم أن القضاء العسكري ( او من يمثله ) اتصل في اليومين الأخيرين بعائلات الشهداء والجرحى ودعاهم إلى الاسراع بتقديم طلباتهم في التعويض المادي للمحكمة دون المرور بمحامييهم وذلك لإسراع النظر فيها وتمكينهم من التعويضات المالية التي يطلبونها . واعتبر المحامون ان في ذلك تعديا صارخا من القضاء العسكري على حرمة المحاماة لأنه لا يُعقل – في نظرهم – أن تتعامل المحكمة مباشرة مع المتضررين دون المرور بمحامييهم خاصة في مسألة حساسة كهذه (التعويض المادي ) .
وفي السياق ذاته اعتبر بعض المحامين والممثلين عن عائلات الشهداء والجرحى استمعت إليهم «الشروق» ان ما حصل ( ان ثبت ) يُعد امرا خطيرا لانه قد تكون الغاية منه « إسكات « هذه العائلات بمبالغ مالية متفاوتة ومحترمة وهو ما قد يُغنيهم عن المطالبة بتتبع من أطلق الرصاص على أبنائهم أو أصدر تعليمات بذلك فجرحهم او قتلهم . وقال المتحدثون ل«الشروق» إن ذلك (حتى ان حصل) لن يُثنيهم عن تتبع المتهمين لينالوا العقاب اللازم .
غير ان رئيس هيئة المحكمة نفى بصفة قطعية أن تكون المحكمة قد طلبت من أي من أهالي الشهداء والجرحى أن يقدموا لها مباشرة طلباتهم المادية ، و ان المحكمة تحترم حرمة المحاماة ودورها وانها ستواصل النظر في القضية باحترام القانون .
مكافحات ساخنة
خصصت الجلسة المسائية للاستماع الى شهادات ثلاثة شهود منهم شهادة عون الامن من فوج قفصة الذي اشتغل خلال الثورة بمدينة تالة شريف الزيدي وهو متهم محل بحث في قضية تحقيقية اخرى . وقد سبق أن وجه إليه متهمون آخرون في جلسات فارطة تهمة اطلاق النار على المتظاهرين بتالة وقتل بعضهم وإصابة البعض الآخر باستعمال سلاح شطاير. لكن الزيدي نفى ذلك نفيا قطعيا وأجريت بينه وبين المتهم عياشي بن سوسية مكافحة ساخنة تمسك فيها كل منهما ببراءته . و خلال المكافحة تدخل أيضا المتهمان خالد مرزوق وبشير بالطيبي وعبر كل منهما عن وجهة نظره .
الافراج عن ربح السماري
ربح السماري هي المرأة الوحيدة من بين ال22 متهما في هذه القضية . وقد كانت تشتغل خلال أحداث الثورة مساعد رئيس مركز الامن الوطني بتالة مكلفة بالضابطة العدلية واودعت السجن المدني ببلاريجيا (جندوبة) منذ حوالي عام بتهمة الاعتداء بالعنف. وإلى حد جلسة أمس ظل محاميها يطالب بالافراج عنها باعتبار ان التهمة الموجهة إليها بسيطة مقارنة بحجم القضية وباعتبار ان متهمين بالقتل العمد في القضية موجودون بحالة سراح .وقد استمع القاضي امس إلى اقوالها وكان موقفا مؤثرا داخل المحكمة باعتبار ان المتهمة لم تكف عن البكاء اثناء محاولتها اثبات براءتها وقالت انها قامت بعملها بالمركز على احسن وجه و ان علاقتها باهالي تالة كانت جيدة للغاية غير أن علاقتها كانت سيئة برئيس المركز وهو ما شهد به رئيس منطقة الامن بالقصرين حسين زيتون أمام المحكمة. وقالت ايضا إن التهمة الموجهة إليها مكيدة من البعض . وبعد رفض المطالب السابقة قررت المحكمة أمس الافراج عنها وهو ما ادخلها في هستيريا من الفرحة داخل القاعة بمجرد الاعلان عن الحكم .