بحضور عدد كبير من أصدقائه ومن رموز اليسار التونسي الذي دفع ثمن الدفاع عن الحرية في زمن الاستبداد غاليا وعائلته وعشاق الفن المنحاز للبسطاء والعشاق والمتصوفة أحتضن فضاء مدار أربعينية الفنان الهادي قلة ظهر أول أمس الجمعة . كل شئ كان يذكرني بالهادي قلة، صوته المليء بالشجن، عوده الشجي وولعه بالقصائد والكلمات. الحوار الذي أجراه الاذاعي الحبيب بلعيد سنة 2009 على موجات اذاعة تونس الدولية كان وثيقة نادرة تحدث فيها الهادي قلة عن كل شئ، عن تربيته الموسيقية وشغفه بالأغاني والشعر في طفولته التي رعاها والده عم حسن الذي كان من شيوخ السلامية وشبابه في الأوساط اليسارية والنقابية والحركة الديمقراطية التي كان الهادي أحد أعمدتها الصلبة . على خطى الشيخ امام ومارسيل خليفة وسعيد المغربي وناس الغيوان وجيل جلالة وفي سنوات الرصاص السبعيني بدأ الهادي يغني «بابور زمر» لعم خميس زليلة ذلك المنشق صديق سارتر والمناضل الشيوعي الكبير ورافق الهادي بصوته مظاهرات الطلبة واحتجاجات العمال وجاب المدن الأوروبية سنوات السبعينات والثمانينات مدافعا عن قضية الديمقراطية. في سنوات التسعينات صمت الهادي مع من صمتوا لكنه لم يغب عن مناصرة قضايا الحرية الا أن عوده لم يعد يجد الحماس الكافي للغناء فالزمن لم يكن يتسع للهادي ولا لغيره . التهم المرض جسد الهادي لكن روحه بقيت مضيئة الى اللحظات الأخيرة قبل أن يسلم روحه ليبقى في ذاكرة مناصري الحرية . الهادي في الذاكرة قرأ الطيب بوعلاق قصائد مهداة لروح الهادي قلة رائد الأغنية البديلة وغنى الثنائي خميس البحري وأمال الحمروني من كلمات بوعلاق وغنيا أيضا «كل عين تعشق حليوة» وغنى جمال قلة من ألحان الهادي «برقية من السجن»من شعر محمود درويش كما غنى من ألحانه وكلمات الهاشمي غشام «الطير البرني» وغنت دنيا بن عمار «الى روح الهادي قلة». غنى الهادي قلة من شعر بلند الحيدري «خطى في الغربة»ومن شعر علي سعيدان «جديرة»ومن شعر خميس زليلة «بابور زمر»ومن شعر نجيب سرور...كان الهادي حاضرا بقوة في عيون أصدقائه وفي ذاكرتهم فمن كانوا مثله لا يرحلون وان غابوا . هل هي الصدفة التي جعلت الهادي قلة ومحمد بن جنات وعمار منصور من فرسان اليسار التونسي ونزلاء سجون الاستقلال يرحلون في نفس الوقت عندما تغير الشارع التونسي ولم نعد نعرفه، عندما غابت العصافير وصمت الحمام وأصبح البحر غير البحر والموسيقى حرام والسماء منذرة بغيوم لا أحد يتوقع الى ماذا ستفضي . صديقي الهادي وداعا.. سنذكرك في القصائد والموسيقى وأهازيج البسطاء الذين انتصرت لهم في زمن صعب وغنيت لأجلهم .