... في السنوات القليلة الفارطة كانت استضافة أديب أو مفكر عربي واحد في احدى التظاهرات الثقافية في تونس تشكل حدثا يتهافت عليه الناس... كان هؤلاء الضيوف يشغلون الناس ويصل صداهم إلى المواطن العادي ولعل الذاكرة القصيرة تذكر زيارات نزار قباني ومحمود درويش وسميح القاسم والبياتي واحلام مستغانمي وغيرهم لكن اليوم صار الأشقاء العرب يحلون في أوقات مختلفة وصار يصلنا منهم العشرات من الاسماء وتنفق عليهم الأموال والاقامات ويفاخر مضيفوهم بهذه الاستضافات دون جدوى أو إضافة... أسماء قليلة تأتي من المشرق والمغرب تحمل معها الرؤية والإضافة والتميز مقابل اسماء كثيرة قد تروج لها أطراف معينة وتضخمها فإذا بها جوفاء وإذا بها تغرق في الأخطاء والنصوص البسيطة التي لا تليق بتجارب مبتدئة جدا فكيف بها أن تحضر محافل فكرية وأدبية خارج أقطارها؟ لكن هذه الأصوات صارت ترتع في المحافل الفكرية والأدبية في تونس وصارت ملتقيات كثيرة تصنع وهجها من التوجه نحو الاستضافات وبالتالي فقد تدحرجت التظاهرات التي تهتم بالادب المحلي وصارت من درجة ثانية...لقد فر الكثيرون نحو التدويل ...هل هي عقدة الاجنبي تلاحق المشهد الثقافي التونسي وهل نحن في حاجة الى تظاهرات دولية تستضيف هؤلاء الاشباح والاشباه؟ ...ان الكثير من الوجوه التي تدعى اليوم تبدو هزيلة جدا وما «اكثر ما تسمع ما أقل ما ترى» كما يقول مثل شعبي تونسي...
2
على نحو هذا المنوال من الاستضافات يفاجئنا الكثير من كتاب القطر بزيارات كثيرة هنا وهناك لتمثيل البلاد في محافل ادبية وقد صار البعض متخصصا في هذا الامر منذ اعوام مع ضعفه الأدبي المشهود به...فكيف لأسماء نكرة أن تحقق هذا التواجد السريع وماذا لها أن تفعل هناك غير الحصول على منح أو التسوق والتبضع والمرح؟(...واشياء اخرى). الحقيقة أننا أمام مشهد عجيب ومثير للتعليق...هو نوع من الانفلات الثقافي...
3
السر واضح هو استسهال البعض للأدب والتظاهرات الثقافية استسهالا وتلك العلاقات الافتراضية التي نشأت على الفيسبوك وغيره...لقد فتحت هذه العلاقات الباب للكثير من الانتهازيين والعصابات الثقافية لتوسيع نشاطها عربيا ودوليا فمثلما يستبدون بالمشهد المحلي ينسجون خيوطا من العلاقات النفعية التي لا تراعي قيما ادبية من اجل تبادل الدعوات والادعاءات...
4
لسنا مع الانغلاق على أصواتنا المحلية... ولكننا ضد اهتمام وأموال تذهب إلى أصوات ضعيفة وتجارب بسيطة على حساب الكاتب التونسي المهمش... نريد ضيوفا عربا ولكننا نريدهم أصواتا حقيقية قادرة على الاضافة... نريد ان يكون الادب التونسي في كل مكان من العالم ولكن لا نريد ان يستأثر بهذا الامر بعضهم فقط ولا نريد أن تمثل بلادنا في الخارج بأصوات ضعيفة... إنها لعبة مسكوت عنها في المشهد الثقافي التونسي والمطلوب ان تبادر الهيئات المشرفة الى حسم الامر والتحري في هذه الموجات من الاسماء القادمة والاخرى المسافرة...