لقد رويت هذه المراحل من زاوية نظر السواد الأعظم الذي أحبه واعتز به واكتب به وله واعتز باني انسحبت للعيش معه منذ زمان واني انتصر لهذا السواد الأعظم في كل شيئ.. في غضبه وفرحه وفي حياته وملابسه.. .ولذلك لم أهمل عفوية هذا السواد الشعب الكريم في مواقف عديدة.. حبه لبورقيبة أو طموحاته القومية واماله في النصر الى غير ذلك.. هذه الرواية متعاطفة مع سيدي بوزيد وعاشقة لها وراغبة في تخليدها.. فالتاريخ يتم تزييفه شيئا فشيئا والأخبار والمراسلات الاخبارية سرعان ما تنسى ولكن الأدب لا يموت.. ولقد كنت مدركا ذلك التوجه نحو اعادة الكرة وتناسي سيدي بوزيد من جديد وهو ما يتكرس يوميا في الواقع باشكال مختلفة.. لقد زيفوا تاريخ البداية ومضوا.. كلهم تجاوزوا تاريخية 17ديسمبر فكان الاحتفاء بسيدي بوزيد وبطولتها في مختلف ارجاء الرواية وحرصت على ابراز هذه الرسالة في عتبات الرواية وفي غلافها تحديدا متعمدا اضافة سيدي بوزيد في العنوان الفرعي ورسم لوحة 17 ديسمبر في الغلاف.. كان ومازال يراودني الانتصار ل17 ديسمبر تاريخا رهيبا واستثنائيا زحزح الحجر الجاثم على قلوبنا لان الرد المناسب على التجاهل هو تدعيم خطاب اعلامي وثقافي يزرع هذه الرسالة التي يفرضها علينا الانتماء المحلي بشدة.. 3 سجن المبدع
ولكن رسالتي أهملت وخذلت.. صحيح أن الرواية خصصت لها حوارات اذاعية عديدة وبعض الكتابات لكن الطرف الذي كان عليه المؤازرة قد خذلني.. فلا كتاب سيدي بوزيد الذين كتبت عنهم كثيرا ولا اعلاميوها قد كتبوا عنها حرفا واحدا.. تجاهل لم يخرج عنه حتى منظمو احتفالات ذكريات الثورة في الجهة الذين رصفوا الاسماء حسب الشهوات ولم يخطر لهم ان عملا يتبنى رسالتهم قد صدر وكان يستحق المؤازرة. .. قد أكون كتبت بحرية ما لكنها حرية منقوصة كنت احلم بقول اشياء اخرى والحديث عن شخصيات أخرى لكن عدلت عن ذلك وهذا مر.. فحرية الابداع ليست على ما يرام بعد ومازال يلزمنا الكثير لتوفير مناخ للموضوعية فالحقيقة تظل دوما مثلما كانت قبل رحيل الطاغية في مرمى حجر.. أن اكون كتبت عن سيدي بوزيد وتونس بشكل مباشر فاكشف عن رمزية اخرى لم يعلن احد التفطن اليها تتعلق بقراءة ما.. الناصر وعائلة الشرقي هم في نهاية رمز للشرق وما يشدنا اليه من عروبة واسلام.. فسجن الناصر هو سجن الهوية في البلد والتلاعب بابنتيه هو نفسه التلاعب بهويتنا.. أن تنشر في المدن الصغيرة. وأن تكون بلا مخالب شرسة يلف عملك النسيان والتجاهل.. وأن تكون بلا سند دعائي. وربما ان لا تمارس كتابتك الدعاية لهذا وذاك يظل صوتك خافتا..
قدمت هذه الشهادة في ندوة أدب السجون بالمركب الثقافي بسيدي بوزيد في16 أفريل2012