مثّلت تصريحات علي العريّض ومن قبلها تصريحات حمادي الجبالي حول ردّة فعل الدولة تجاه أي تجاوز للقانون باسم الدين أو باسم المطلبية الاجتماعية رسائل إلى جماعات تُنسب إلى التيار السلفي وتُتّهم بارتكاب تجاوزات واعتداءات على مؤسسات الدولة وعلى المواطنين. تحرّك الحكومة جاء رفعا للبس وردّا على اتهامات لها بالصمت على ما ترتكبه جماعات سلفية من تجاوزات وصلت حدّ حرق مراكز أمنية وتخريب محلات لبيع الخمور. وقد كان رئيس الحكومة ووزير الداخلية واضحين أكثر من أي وقت مضى في الإشارة إلى أنّه لن يُسمح بعد الآن بالتطاول على الدولة ولن تصمت الحكومة على من يسعى إلى فرض أفكاره بالعنف أو تغيير النمط المجتمعي الذي بنته أجيال متعاقبة بنمط آخر بالإكراه.
نفس التوجه أكده وزير العدل، نور الدين البحيري حين قال تعليقا على أحداث العنف والتخريب التي طالت الأسبوع الماضي مراكز للأمن ومحلات بيع المشروبات الكحولية في مدينة سيدي بوزيد، إن السلفيين «تجاوزوا كل الخطوط الحمراء وستتم معاقبتهم بحزم، لأن وقت الاستراحة والفسحة قد انتهى» على حد تعبيره.
بوادر الصّدام
وكانت أولى بوادر الصدام بين الدولة والسلفيين «الجهاديين»، قد بدأت في مستهل فيفري الماضي عندما وقعت مواجهات مسلحة بين مجموعة مسلحة تابعة لتنظيم سلفي وقوات الجيش والشرطة في منطقة بئر علي بن خليفة التابعة لولاية صفاقس، وقد أسفرت هذه المواجهات عن مصرع عنصرين من السلفيين وإصابة بعض أفراد قوات الجيش، فيما تم ضبط كميات من الأسلحة والذخيرة واعتقال مجموعة من المتورطين في الأحداث.
وفي محاولة استعراض قوتهم نظم زعيم السلفية الجهادية سيف الله بن حسين، الملقب ب«أبو عياض» مؤخرا بمدينة القيروان تجمعا حاشدا لأنصاره قدر عددهم بعدة آلاف، قدموا من مختلف أنحاء البلاد.
ويقدر بعض الباحثين عدد السلفيين حاليا في تونس بنحو 10 آلاف أصبحوا ينشطون بشكل علني، بينما «لم يكونوا يجرؤون على الظهور في عهد النظام السابق ، الذي أدخل السجون نحو 3000 منهم».
وفي ظل تواتر أحداث العنف التي يقوم بها البعض من هذه المجموعات في مناطق عدة من البلاد ولجوئهم إلى الاعتداء على الأفراد والممتلكات ومحاولتهم «فرض نمط عيش معين على المجتمع» ،كما قال مختار الطريفي الرئيس السابق للرابطة التونسية لحقوق الإنسان، بدأت تتعالى أصوات من المعارضة ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية تطالب الحكومة بالتصدي بحزم للظاهرة السلفية وتطبيق القانون «قبل فوات الأوان».
وحذر رئيس الرابطة، عبد الستار بن موسى في لقاء نظم نهاية الأسبوع الماضي بمناسبة مرور 35 عاما على إنشائها من أعمال العنف التي تقوم بها هذه المجموعات ولجوئها إلى «نشر الرعب وتعنيف النساء والمثقفين والصحافيين والمبدعين ومناضلي حقوق الإنسان ماديا ومعنويا، مع ما يرافق ذلك من توظيف للدين وتكفير للمواطنين وتخوينهم».
من جانبه اعتبر الحقوقي والوزير السابق ،الطيب البكوش الرئيس الشرفي للمعهد العربي لحقوق الإنسان، أن «بعض السلفيين يرفضون الديمقراطية ويتوجهون نحو العنف وهم أكبر تهديد للحريات»، مطالبا بأن «تتحمل الدولة مسؤولياتها» في هذا الشأن.
مقاربة قانونية وسياسية
لكن مقابل ذلك يرى لطفي زيتون، المستشار السياسي لرئيس الحكومة أن الظاهرة السلفية هي جزء من تيار «عابر للحدود وليس خاصا بتونس»، معتبرا أن تشدد جزء من هؤلاء الشباب هو نتيجة «للكبت والقهر الذي كانت تعيشه تونس في العهد السابق».
وتوقع المستشار السياسي لرئيس الحكومة، وهو من قيادات حركة النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن «يتراجع هذا التشدد تدريجيا كلما تقدمت البلاد في الممارسة الديمقراطية ووفرت مزيدا من الحرية»، مشيرا إلى أن سياسة الحكومة في معالجة هذه الظاهرة تقوم على مقاربة سياسية قانونية، في محاولة «لجرهم إلى مربع الشرعية»، من خلال فتح الحوار معهم من قبل العلماء والمفكرين وأيضا من قبل السياسيين قصد تشجيعهم على الانخراط في العمل السياسي أو الجمعياتي وشرطنا الوحيد في ذلك هو احترام القوانين».
وأشار زيتون في هذا السياق إلى الاعتراف مؤخرا بحزب سياسي سلفي هو حزب «جبهة الإصلاح»، لا يتضمن قانونه الأساسي، كما قال ، ما يخالف قانون الأحزاب، معتبرا أن الهدف من ذلك هو «القطع مع العمل السري الذي يعتبر المدخل الرئيسي لممارسة العنف».
ومقابل ذلك ، فإن الحكومة التونسية «لن تتسامح مع مخالفة القانون سواء بالاعتداء على حرية الناس أو حرمتهم الجسدية أو التعرض للنساء أو التخطيط للعنف أو ممارسته»، حسب زيتون الذي أكّد أن الشعب التونسي كله شعب مسلم ينبذ التطرف، وأن تونس «لا تعتبر أرض جهاد»، كما يزعم هؤلاء.
وأعرب عن قناعته بأن هذه المقاربة التي تقوم على «الحوار وتطبيق القانون ستؤدي بهؤلاء الشباب إلى الاعتدال والوسطية والاقتناع بأن طريق الديمقراطية والحرية هو الطريق الصحيح».
واستبعد زيتون حصول صدام بين السلفيين وحركة النهضة، موضحا أنه «إذا تمادي البعض من هذا التيار في ممارسة العنف ، فإن الصراع آنذاك لن يكون مع النهضة كحزب سياسي أو مع الحكومة لكون الحكومات تذهب وتأتي، بل سيكون مع الدولة وأجهزتها باعتبارها الضامن لأمن البلاد واستقرارها والمسؤولة عن حماية المواطنين والمجتمع من العنف، حيث سيتم التعامل معهم بإعمال القانون ولن يشفع لهم كونهم من السلفيين أو من الإسلاميين».