أثار تعيين أحمد القديدي سفيرا لتونس في دولة قطر عام 2010 جدلا واسعا في صفوف معارضي بن علي ومن تجمعهم علاقة ثقة بالقديدي فالرجل عُرِف بمعارضته للرئيس السابق وتراه يصبح بشكل مفاجئ سفيرا ممثلا لنظامه في قطر. ولإقناع منتقديه بقرار قبول المنصب قال القديدي في اكثر من مناسبة اعلاميّة إنّه «لا يمكن أن يدرك المهتمون بالشأن الوطني هذا التعيين إلا إذا وضعناه في إطاره التاريخي و في سياقه السياسي وأنا أتفهم وأقدر كثيرا من الإعتراضات الأخوية على قبولي لمسؤولية سفير لتونس لدى دولة قطر بعد أن كنت معارضا للنظام على مدى 23 سنة...» وقدّم القديدي أربعة أسباب دفعته للقبول بالمنصب وهو الذي ظلّ الى حدود تعيينه منفيّا مسلوبا من حقوقه المدنيّة بعد أن حُوكم عام 1990 وتمّ طلب استرداده عن طريق الشرطة الدوليّة (الانتربول).
الجزيرة والمنفيون والثأر الشخصي
تلك الاسباب مزجت بين الشخصي والسياسي. ولعلّ أبرز ما في الشخصي منها هو انتقام القديدي من بن علي إذ أن تعيينه سفيرا للنظام هو «تكذيب بن علي لنفسه بنفسه وإلغاء طبيعيا للحكم الكيدي الصادر ضدي بخمس سنوات سجنا وهو ما يعني دستوريا استعادة حقوقي المدنية بصفة تلقائية» كما يقول القديدي.
ويردّ القديدي على منتقديه بأنّ تعيينه سفيرا سيشكّل فرصة لمنح اللاجئين السياسيين حقهم في جوازات السفر «وهو ما تمّ فعلا إذ مكّنت عددا كبيرا من المثقفين والمواطنين المطاردين من جوازاتهم دون أن أجد أيّ اعتراض من وزير الخارجيّة آنذاك كمال مرجان بل كان هناك تأييد ذكي منه».
ويعتبر القديدي مرجان «رجلا مثقفا وطنيا يدرك جيدا بأن تونس تتطور ولا بد من تغيير كثير من التوجهات واكتشفت فيه خلال لقاءاتنا العديدة رجل مبادئ وإصلاح». سبب آخر قاد الدكتور أحمد القديدي ابن مدينة القيروان الذي وُلِد منتصف الأربعينات من القرن الماضي وخرّيج معهد الصحافة وعلوم الإخبار وصاحب شهادة دكتورا بحث حول «الصحوة السياسيّة الاسلاميّة» كما تراها الصحافة الغربيّة خلال الفترة من 1980 الى 1990 بجامعة السوربون هو قناة الجزيرة في حدّ ذاتها إذ يعرف الرجل حجم العداء الذي يكنّه بن علي لهذه المؤسسة الإعلاميّة التي مثّلت مصدر صداع متواصل للنظام.
كما أن القديدي على قناعة بأنّ «القناة ساهمت في تحرير العالم العربي و أعرف أن لها دورا حاسما في المراحل التي تهيأت لها تونس وأنضجتها النخبة خلال العقدين الماضيين».
ويعترف القديدي بأنه كان مهندس علاقات رجالات المنفى بالقناة إذ ذكر في وقت سابق أنه كان وهو أستاذ بجامعة قطر يساعد المعارضين «على أخذ نصيبهم على شاشة الجزيرة بل وأستقبلهم في مطار الدوحة مؤمنا بأن أصواتهم تساهم في تغيير حال تونس و تدفع نحو التحرر والانعتاق كما كنت دائما أنظم لهم لقاءاتهم بأصحاب القرار و قادة الرأي في قطر التي تجمع نخب العرب و أدعوهم للمؤتمرات الدولية التي تقام هنا. و من هنا أعتقد أني لو رفضت المنصب لما كان يمكن لغيري أن يؤدي هذا العمل لأني بكل بساطة لست أفضل من غيري و لكني عشت هناك 15 سنة تأكدت خلالها من مروءة و سمو أخلاق النخبة القطرية».
مبادرة سياسيّة
يدافع القديدي، في تصريحاته الصحفيّة، عن الخط التحريري للقناة معتبرا أنّها ليست ناطقا رسميّا باسم الاسلاميين فمن تحدثوا عبر شاشتها، بحسب قوله، ليسوا من التيّار الاسلامي فقط ويردّ الاتهام بالاتهام قائلا «تعوّدنا نحن في تونس مع الأسف أن نحاصر الإسلاميين و نمنعهم من التعبير ولهذا السبب كلما رأينا أحدهم يعبر عن رأيه اتهمنا الجزيرة بتمييزه وهو خطأ». كما يدافع عن حركة النهضة قائلا «بحكم معرفتي لكوادر النهضة خلال سنوات المنفى أعتبر أن النهضة أقرب للتيار التركي المعتدل الذي شهدت تركيا على يديه تقدما سريعا وقويا وأصبحت بفضله في طليعة الدول الصاعدة».
كما يعتبر الدكتور القديدي الذي يعتبر أنّ الرجل السياسي، كما يقول شارل ديغول، لا يموت إلا موتا طبيعيا وهو كلما ظل حيا يمكن أن يبعث سياسيا بعثا جديدا ولعلّه من هذا الصنف بحسب قوله أنّ رسالته المفتوحة لبن علي عام 2007 أسهمت في إطلاق سراح 70 سجينا إسلاميّا في تونس قائلا «حمدت الله سبحانه أني كنت وراء هذا الإنجاز».
بعد الثورة تمّت إقالة القديدي من منصبه كسفير لتونس في قطر ورغم ذلك لم تختف صورة الرجل من المشهد السياسي فظلّ يتبعه السؤال حول طبيعة الدور الذي باستطاعته أن يلعبه وسط مشهد سياسي تونسي متحوّل ما بعد مغادرة بن علي لقصر الرئاسة. فالرجل يحتفظ بصداقة جيّدة مع الأمير القطري خاصة وأنّ لا أحد ينكر بروز قطر كلاعب سياسي خارجي في الثورات العربيّة كما أنّ الرجل يحتفظ بصداقة مع الاسلاميين فهو على قناعة كبيرة بأنّ الاسلاميّين في تونس معتدلون وسينجحون كما نجح إسلاميو تركيا وهو أيضا من يعتبر نفسه بورقيبيّا يختلف مع بورقيبة في مسألة الهويّة قائلا «نحن، شق محمد مزالي، بورقيبيون لكن نختلف معه في قضية الهوية و في ملف الديمقراطية لا غير وهي اختلافات أصبحت جوهرية وأعتقد أننا ذهبنا ضحيتها فمحمد مزالي كان «متمسكا بالهوية العربية الإسلامية لتونس وهو ما جعل سعيدة ساسي تقول لي يوم 6 أوت 1983 بإيعاز من بن علي أنتم تمهدون الحكم للإسلاميين».
وفي بداية العام الجاري برز اسم أحمد القديدي كنائب لرئيس حزب الاتحاد الوطني الحر الذي يترأّسه سليم الرياحي، وناطق رسمي باسمه مكلّف بالعلاقات العربيّة والدوليّة. وتروج معلومة حول اطلاقه مبادرة سياسيّة أواخر الشهر الجاري من المنتظر أن ينضمّ إليها عدد من الوجوه السياسيّة المعروفة. مبادرة سياسيّة أخرى قد تتلاقى مع مبادرة الوزير الاول السابق الباجي قايد السبسي وقد تكون منافسة لها.
ويشير مقربون منه إلى أنّ الدكتور أحمد القديدي يفكّر في الترشّح للرئاسة خاصة وأنّه يحتفظ بصداقات جيدة مع كل التيّارات السياسيّة في تونس وقد يتكوّن حوله إجماع قد ينضاف إليه الدعم القطري معتبرين أن حظوظه وافرة في هذا الاتجاه.