أثارت التهديدات بالقتل للناشطين السياسيين أحمد نجيب الشابي وشكري بلعيد على شبكة الانترنات جدلا سياسيا واسعا وكان اللوم موجها الى النيابة العمومية، لعدم إثارتها الدعوى وتتبّع المهددين فهل ان النيابة مطالبة وملزمة في هذه الحالة بإثارة الدعوى؟ بالرجوع الى مجلة الاجراءات الجزائية، فإن الفصل 20 ينصّ على أن «النيابة العمومية تثير الدعوى العمومية وتمارسها، كما تطلب تطبيق القانون وتتولى تنفيذ الأحكام». بمعنى أن النيابة العمومية هي المكلفة بإثارة التتبع وهي التي تمارس الدعوى وهي مطالبة بالسهر على تطبيق القوانين لذلك توصف «بحارس المعبد» اي حارس منظومة القوانين في البلاد.
تاريخ النيابة
حسب الشراح، فإن فكرة النيابة العمومية تعود الى القانون الروماني، وهي المهمة التي يقوم بها أحد الأفراد للدفاع عن مصلحة النظام العام والقانون. الا ان فقهاء القانون يجمعون على أن النيابة العمومية بمفهومها الحديث هي مؤسسة فرنسية وجدت في القرن 14 اذ كان أحد المحامين ينوب الملك ويدافع عما يسمى المصلحة العامة.
ويربط الباحثون وجود مؤسسة النيابة العمومية في تونس بدستور عهد الأمان (1861) وكانت التسمية وكيل الحقوق العمومية وتتالت التسميات في تونس الى أن تم تعويض كلمة وكيل الدولة بوكيل الجمهورية في قانون 1967 الذي جاء فيه أن السلك القضائي يتكون من «القضاة الجالسين ومن أعضاء النيابة العمومية» ويسمون ايضا بالقضاة الواقفين.
ورغم ان المشرّع لم يعط تعريفا للنيابة العمومية، الا ان أغلب الشراح يعطونها تعريفا وظيفيا بأنها تمثل الهيئة الاجتماعية وتسهر على تطبيق القانون داخل المحكمة وخارجها.
تطبيق القانون
ما دامت النيابة العمومية مطالبة بتطبيق القانون خارج المحاكم ولها سلطة إثارة الدعوى فلماذا إذن لم تقم بإثارة الدعوى في قضية تهديد الناشطين شكري بلعيد الناطق الرسمي باسم حركة الوطنيين الديمقراطيين وأحمد نجيب الشابي رئيس الهيئة السياسية بالحزب الجمهوري ومؤسس الحزب الديمقراطي التقدمي سابقا؟ الوقائع والقانون
الوقائع تفيد أن أحد الأشخاص اطلق دعوة بقتل الناشطين على خلفية أحداث قصر العبدلية الذي عرضت فيه رسوم اعتبرها البعض مسيئة. الدعوة للقتل والتهديد بذلك، منصوص عليها بالفصل 222 من المجلة الجزائية وهو فصل تم تنقيحه سنة 1977 وينصّ على أنه «يعاقب بالسجن من ستة أشهر الى خمسة أعوام وبخطية من مائتين الى ألفي دينار كل من يهدّد غيره باعتداء يوجب عقابا جنائيا وذلك مهما كانت الطريقة المستعملة في هذا التهديد، ويكون العقاب مضاعفا اذا كان التهديد مصحوبا بأمر أو متوقفا على شرط حتى وإن كان هذا التهديد بالقول فقط».
من جهة أخرى، ينص الفصل 51 من المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر على أنه «يعاقب بالسجن من عام الى ثلاثة أعوام وبخطية من ألف الى خمسة آلاف دينار كل من يحرّض مباشرة بواسطة وسيلة من الوسائل المبيّنة بالفصل 50 (من نفس المرسوم) على ارتكاب جرائم القتل او الاعتداء على الحرمة الجسدية للانسان او الاغتصاب او النهب وذلك إذا لم يكن متبوعا بمفعول..».
وهذا الفصل أحيل بمقتضاه محمد الحبيب بوصرصار الواعظ الديني والموظف بوزارة الشؤون الدينية اثر شكاية تقدّم بها الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي. إذن لماذا لم تقم النيابة العمومية بإثارة الدعوى؟ فالواقعة موجودة والنص القانوني سابق الوضع موجود وسلطة الاثارة متوفّرة؟
التهديد إعداد للجريمة
الأستاذ عماد الرياحي، وهو مختص في القانون الجزائي يقول إن التهديد يصل العقاب فيه الى السجن لمدّة خمسة أعوام، شرط أن يكون تهديدا بما يوجب عقابا جنائيا. وقال إن التهديد اعتبره المشرّع جزءا من المحاولة ويدخل في اطار الاعداد للجريمة. وقال إن الكلام في حدّ ذاته ليس جريمة ولكن إذا كان متوجّها للعموم ومتضمنا مثلا الدعوى للقتل فإنه يوجب العقاب وللنيابة العمومية حق تحريك الدعوى ولكن يمكنها حفظها ولكن حسب رأيه ليس لها الحق المطلق في ذلك اذ يمكن للمتضرّر، في صورة الحفظ أو عدم الاثارة من النيابة العمومية أن يقوم بشكاية على نفقته الخاصة.
أما في الحالة الراهنة المتعلقة بالشابي وبلعيد فإن الاستاذ الرياحي يرى أنه لا وجود لدليل بأن النيابة العمومية على علم. ورغم نشر الموضوع على أعمدة الصحف والاذاعات والتلفزات، هل يمكن ألا يوفّر ذلك علما للنيابة العمومية؟ الاستاذ الرياحي، يقول انه يمكن للنيابة العمومية ألا تعتبر ذلك جريمة أو لا تعتبر الأمر جديا.
سلطان دون سلاح
وهنا يقول إن النيابة العمومية سلطان دون سلاح، فلها سلطان مطلق لكن يمكن لهذا السلطان أن نتجاوزه وذلك باثارة الدعوى الخاصة. وللنيابة العمومية الحق في الاحالة من عدمها ولها الحق في النظر في مدى جدوى الملاحقة، ففي الانظمة الانجلوسكسونية النيابة تثير الدعوى آليا ولا يمكننا تجاوزها، إلا أنه في الأنظمة الفرنكفونية فإنها تتمتع بحق التتبع، ولكن يمكن تجاوزها بالدعوى على المسؤولية الخاصة، وحتى في صورة حفظ النيابة للتهمة فإنه يمكن لمن يزعم الضرر ان يشتكي على نفقته الخاصة.
القيام على النفقة الخاصة
إذن حسب رأي الاستاذ الرياحي، فإن النيابة العمومية، في صورة عدم إثارتها لأي دعوى في إشكال ما، فهذا يعني أمرين، إمّا أنها لم تكن على علم أو أنها لا تعتبر وجود جريمة، إذن بالنسبة اليه فإنه لا يمكن لوم النيابة العمومية ولا اتهامها بل يمكن تجاوزها وذلك بأن يقدّم المتضرّر شكوى على نفقته الخاصة. يشار الى أن الفصل 23 من مجلّة الاجراءات الجزائية يبقي سلطة النيابة العمومية مرتبطة بوزير العدل، وبذلك فإنه يمكن اعتبار وزير العدل هو رئيس النيابة العمومية وله سلطة الاذن باجراء التتبعات سواء بنفسه او بواسطة من يكلفه.