انطلق أمس «المؤتمر الوطني حول التشغيل» والذي يتواصل أيام 28 و29 و30 جوان.. وحسب الاحصائيات تصل نسبة البطالة حاليا 18.1٪ عموما و34.2٪ لدى أصحاب الشهائد العليا. «الشروق» حضرت مؤتمر الأمس وحاولت نقل أبرز ردود الأفعال والمواقف حول حلّ مشاكل التشغيل، لا سيما مع تباين الآراء بين متفاعلين بهذا المؤتمر ومشككين في أهدافه التي اعتبرها البعض تسويقا سياسيا واستعمالا لأدوات النظام السابق.
نظمت وزارة التكوين المهني والتشغيل بالتعاون مع منظمة العمل الدولية وبمساعدة الوكالة الاسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية AECID وبرنامج الأممالمتحدة للتنمية PNUD المؤتمر الوطني حول التشغيل.
وحضرت خلال لقاء الأمس أغلب الأطراف الاجتماعية من الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والأحزاب السياسية وأعضاء المجلس الوطني التأسيسي ومنظمات المجتمع المدني إضافة إلى جمعيات المعطلين عن العمل وخبراء وجامعيين، ويهدف المؤتمر إلى وضع اجراءات عاجلة تهدف إلى دفع نسق التشغيل على المدى القصير وإيجاد تصور للخطوط العريضة لاستراتيجية وطنية لمكافحة البطالة.
مؤتمر وأهداف
بين السيد عبد الوهاب معطر وزير التشغيل والتكوين المهني خلال افتتاح المؤتمر، أن هذا المؤتمر قد وضع ثلاثة أهداف رئيسية أولها التشخيص الدقيق لاشكاليات التشغيل، وذلك من خلال الخروج بفهم مشترك لإشكاليات التشغيل في تونس عبر تشخيص دقيق لسوق الشغل على ضوء التحولات الديمغرافية والاقتصادية وتحديد مواطن الخلل وأسبابه.
أما الهدف الثاني، فيتمثل في وضع برنامج عاجل لدفع التشغيل، وتنكب أربعة فرق عمل على مناقشة السبل الكفيلة للحد من نسبة البطالة والخروج باقتراحات تتميز بقابلية كبيرة للتطبيق على المدى القصير فيما يتمثل الهدف الثالث للمؤتمر في وضع استراتيجية وطنية للتشغيل.
وأكد السيد وزير التشغيل من جهة ثانية أنه من المنتظر أن تنبثق لجنة عن المؤتمر تجمع كافة الأطراف قصد وضع خطة عملية لاعداد استراتيجية وطنية للتشغيل والتي سيقع الاعلان عنها يوم 17 ديسمبر 2012.
من جهته اعتبر السيد يوسف القريوين مدير مكتب منظمة العمل الدولية لدول شمال افريقيا ان التشغيل يتطلب جهدا وطنيا متواصلا ويتم في مجالات مختلفة تتلاءم فيها المناهج التربوية والتكوينية مع سوق الشغل ومع السياسات الاستثمارية.
واتفق كل من ممثل الاتحاد العام التونسي للشغل محمد مسلمي وممثل الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية خليل الغرياني على ضرورة التكاتف من أجل الحدّ من البطالة قصد ايجاد حلول جذرية لاشكاليات التشغيل.
أما السيد وزير الفلاحة فتناول موضوع ضرورة إعادة جدولة ديون الفلاحين ودعم قطاع الفلاحة الذي اعتبره قطاعا مشغلا، لكنه يعاني من اشكاليات عديدة.
تشغيل وسياسة
مؤتمر الأمس طرح اشكالا بين المشاركين فيه وتباينت الآراء بين داعم للمؤتمر الذي اعتبروه يختلف عن غيره من الندوات والمؤتمرات وبين من اعتبره مؤتمرا لا يختلف عن غيره من حيث المنهجية والأهداف غير العملية.
وخلال حديث ل«الشروق» مع السيد الطيب الزراعي (مدير عام بوزارة التكوين المهني والتشغيل) بين لنا أن المؤتمر يتم تنظيمه بأهداف هامة في لحظة فارقة من عمر البلاد. وهو يعكس ما يمكن أن يلعبه دور الدولة في دفع الاستثمار والمحافظة على مواطن الشغل.
وحول الجدل الذي أثاره البعض باعتبار المؤتمر جزءا من التجاذب السياسي قال محدثنا: «أرجو أن يكون لهذا المؤتمر خصوصية وأن يبتعد عن التجاذبات السياسية». وأكد جدية العمل في هذا المؤتمر وأنه يطرح لأول مرة علاقة التشغيل بمنوال التنمية المعتمد وأنه يحاول من خلال المتدخلين طرح اشكالية البطالة بعمق في مرحلة ما بعد الثورة. واعتبر أن من أهم أسباب قيام الثورة هو ارتفاع نسبة البطالة التي تفوق نسبتها 18.1٪ في 2012 وتصل الى 30٪ في بعض الجهات.
ويتميز عمل المؤتمر بمحاولة المشاركين طرح الاشكال بعمق وبدراسة معوّقات الاستثمار قانونيا وطرح بدائل قانونية تسهل تسريع الاستثمار. كما أشار السيد المدير العام بوزارة التكوين المهني والتشغيل الى أنه سيتم التطرق الى موضوع الفساد وايجاد آليات شفافة يتم اعتمادها للتشغيل والادماج في سوق الشغل.
تعليم وتشغيل
نقطة أخرى هامة هيكلية سيثيرها المؤتمر في قراءته الاستراتيجية وهي ملاءمة المنظومة التربوية ومنظومة التعليم العالي مع حاجيات سوق الشغل وهو ما أكده السيد الطيب الزراعي في حديثه ل«الشروق».
وأضاف أنه من المواضيع الهامة التي سيعالجها المؤتمر مسألة الباكالوريا واحتساب نسبة ال25٪ للنجاح ودراسة مشكل المتحصل على شهادة الباكالوريا وتوجيهه إلى شعبة لا يريدها ومن الاشكاليات الأخرى المطروحة في قطاع التكوين المهني نجد نقائص بقطاع التكوين المهني ويعاني حوالي 13 اختصاصا من غياب اليد العاملة المختصة والكفأة ومنها اختصاصات البناء والفلاحة والنسيج.
بدوره تحدث حسن بن جدو (من الوكالة التونسية للتكوين المهني وعضو لجنة تنظيم بالمؤتمر) عن المؤتمر الذي وصفه بالجديد والمغاير لكل ما سبق خاصة وانه يقوم بتشريك أعضاء أحزاب وهياكل وطنية وأصحاب مؤسسات وممثلين من الهياكل الوطنية وممثلين عن اتحاد الصناعة والتجارة وعن منظمة للعمل وأكد أن المؤتمر بعيد عن التسويق السياسي.
تسييس وانتخابات؟!
بين السيد عامر العريض من حزب النهضة وعضو المجلس التأسيسي ان اشكالية التشغيل هي اشكالية اساسية وأن من أهداف الثورة الحد من أزمة التشغيل وهي نقطة أساسية في برنامج عمل الحكومة.
وتفاءل بأن يقوم المؤتمر بايجاد حلول ملموسة اضافة الى ايجاد حلول للوضعيات التشغيلية الهشة. وحول مدى «صبر» المواطن في هذه المرحلة قال انه من المهم التفريق بين القضايا العاجلة المطالب التي تتطلب حلولا جذرية وعميقة ووقتا. واعتبر أنه قد تم الانطلاق في العمل من خلال تشغيل عشرات الآلاف من المعطلين عن العمل، وأنه لابد من التعاون بين كل المكونات لحل هذه الأزمة. من جهة أخرى لم ينف السيد عامر العريض وجود بعض المزايدات السياسية في موضوع التشغيل من طرف بعض الاحزاب وأكد على ضرورة الارتقاء بالحوار حتى تتم معالجة مشاكل بطالة «ضحايا النظام السابق».
وأكد على جدية المؤتمر في بحثه عن حلول عميقة. ولاحظ حول ما يروجه البعض من أن المؤتمر هو عبارة عن بداية حملة انتخابية ان وزير التكوين المهني والتشغيل ليس من حزب النهضة بل من المؤتمر وأنه لا يقوم بحملة انتخابية فالوقت مازال مبكرا على حد تعبيره، وأنه يقوم بمهمة وطنية لحل مشكل التشغيل.
الرافضون للمؤتمر
خلال حديث مع السيد عبد العزيز الجعايدي الأمين العام المساعد لإتحاد عمال تونس والممثل له في المؤتمر قال ان المؤتمر لا يبشر من خلال افتتاحه بوجود نقاط اصغاء للمعطلين عن العمل وأكد أنه قد تم اقصاء الاتحاد من الكلمة وأفاد أن للإتحاد مشروعا وفكرة حول التشغيل تم ذكرها في عدة ندوات واعتبر أن الخطابات المقدمة والأرقام «جوفاء» ولن تكون ناجحة وأرجع أزمة التشغيل إلى بداية التسعينات على مستوى حاملي الشهائد العليا.
متحدث آخر من الاتحاد قال إنه يجب معالجة مشكل البطالة بالقطاع السياحي وإعادة هيكلته خاصة مع وجود دراسات تنذر بانجراف رملي مع حلول سنة 2050 اضافة إلى ضرورة إيجاد حلول في الصناعة من خلال جعلها غير تقليدية وتعتمد التكنولوجيا الحديثة وإعادة إصلاح قطاع التكوين المهني واعتبر ممثلو اتحاد عمال تونس أن المؤتمر بداية دعائية للإنتخابات القادمة وأنها لا تخدم التشغيل.
وقفة احتجاجية
وبيّن ممثلو الرابطة التونسية للدفاع عن أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل أنهم كانوا ينوون مقاطعة المؤتمر وقاموا خلال المؤتمر بوقفة احتجاجية حملوا فيها شعارات مثل «لا لإجترار السياسات القديمة» ونرفض منطق المحاصصة في الانتدابات الخاصة بسنتي 2012 2013.
وقدمت الرابطة بيانا بينت فيه أن الثورة قامت لإستئصال الفساد والحد من البطالة لاسيما لدى أصحاب الشهائد العليا مطالبين بحلول عاجلة ذاكرين «وماراعنا إلا إعادة نفس الطريقة بثوب جديد».
وأشار البيان إلى أنه وفي عهد المخلوع كانت تقام مؤتمرات من أجل التشغيل وتحدثت السلطات عن إيجاد حلول لمعضلة البطالة يشارك فيها المجتمع المدني وأضاف البيان أن «اليوم التاريخ يعيد نفسه مع هذه الحكومة...وهي في الأصل مسرحية من أجل التشغيل لكنها في الأصل لا تشغل إلا الموالين لها وهذا واضح في التعيينات التي قامت بها وفي القانون الخاص بالوظيفة العمومية».
وبين البيان رفضه للمؤتمرات الشكلية وللصبغة الحالية لقانون الانتدابات بالوظيفة العمومية ولعدم تشريك أصحاب الشهائد العليا في بلورة التصورات... وطالبوا بالتصدي لسياسة «التسويف والمماطلة».
عموما يبقى المؤتمر مطالبا بجدية العمل ووضع الخطط والإستراتيجيات قصد استئصال مشاكل البطالة والتأكيد على ضرورة الابتعاد بهذا الملف عن المزايدات السياسية.