بعد اعتكافين بررهما بالنزاع حول صلاحياته قرر أخيرا السيد محمد عبو وزير الإصلاح الإداري والأمين العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الاستقالة من مهامه الحكومية، وإعلان تزكيته للرئيس منصف المرزوقي مرشحا للحزب في الانتخابات الرئاسية القادمة. عبو الذي كانت بعض المصادر الإعلامية تعتبره مرشحا مفترضا لخلافة رئيس الجمهورية في حال استقالته أو إقالته من طرف المجلس الوطني التأسيسي، فاجأ المتابعين برفع قضية عدلية ضد مدوني صفحات فايسبوكية تتهمه « بالفساد المالي» وبالحصول على منافع من البنك الإفريقي للتنمية. ثم بهذه الاستقالة التي لا يمكن تبريرها « بنزاع الصلاحيات» لأنّ عبو كان أقدم على اتخاذ وممارسة عدّة صلاحيات ومنها الهامة جدّا على غرار إقالة رئيس منشأة الموظفين أحمد زروق وهو قرار ينم عن تمتعه بصلاحيات كبرى، وبدعم من رئيس الحكومة اعتبارا لحساسية المنصب ومن يتقلده ، أيضاً رفع قضية باسم وزارة الإصلاح الإداري ضد مسؤولين سابقين في الإعلام وفي الخطوط الجوية التونسية انتهت بسجن وزير الاتصال السابق رافع دخيل بالخصوص، رغم أن الأمر من مشمولات المكلف العام بنزاعات الدولة أو وزير الحوكمة ومقاومة الفساد. ما هي الصلاحيات التي لم يحصل عليها إذن والبعض يتحدث عن تجاوزه لمشمولاته وأكثر من ذلك عن إمعانه في «تحدي» رئيس الحكومة بطريقة « الاعتكاف» المتكرر لفرض الأمر الواقع؟. محمد عبو حقوقي ومناضل محترم، رغم تشكيك بعض المنشقين عن حزبه في ذلك . ولكن دخوله للحكومة يحتاج إلى قراءة نقدية لأدائه ونظرته للدولة، ومدى قبوله للرأي المخالف .
مشكلة عبو حسب عديد المتابعين، ربما كانت تكمن في انه اختزل مشروعه الإصلاحي في الإصرار على «شيطنة» الإدارة بالمبالغة في رفع شعار الفساد دون معالجة حقيقية وتمييز بين الفاسدين و«ضحايا تصفية الحسابات الثورجية»، أو العودة للموضوع الذي تغنى به وزراء الإصلاح الإداري قبل الثورة وهو مراجعة التوقيت عبر استشارة لم تحقق المطلوب. استقالة عبو قد تكون تخفي خلفيات سياسية وربما انتخابية مرتبطة لا بمستقبله السياسي بل بمستقبل الترويكا في ظل الاختلافات والتباينات الموجودة بين مكوناتها والتي كشفتها على أوضح صورة أحداث الأسبوع المنقضي والتجاذبات العنيفة داخل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية. والأكيد أنّ تبرير الاستقالة بالصلاحيات المحدودة لن يُقنع كثيراً خاصة في هذا الظرف.