على أرض الشام المباركة، اختلطت الدماء بالحبر وامتزجت أشلاء الشهداء الأبرار بأوراق النشرة الصباحية التي لم تكتب بعد أن صار صحفيو قناة «الإخبارية» السورية الخاصة والمستقلة في آن واحد خبرا رئيسيا في نشرة الإخبار . لم تكمل أنامل صحفيي «الإخبارية» الشهداء تحبير الخبر ولم تنه أصابع شهداء القلم كتابة التقرير الإخباري، ذلك أنها تركت للدم الزكي مهمة الإتمام والإكمال وفسحت المجال أمام الدم النقي ليمضي بتوقيعه عن «جدارية» التحام وتزاوج النصّ بالأشلاء .
في ذات صباح دمشقي، دخلت مجموعات إرهابية مسلحة إلى مبنى القناة الخاصة والمستقلة ففخخت جدرانه ودمرت ستيديواته وأحرقت أوراق النشرات وأجهزت على المصورات والكاميروات وقيدت الإعلاميين وأطلقت عليهم النار عن قرب وبدم بارد..
كانوا 3 صحفيين و4 حراس.. فصاروا 7 شهداء ومع كل شهيد منهم قصة وعبرة وذكرى.. في قلب سوريا والسوريين.. كانوا 3 صحفيين فصاروا 3 محاسبين سيحاسبون عاجلا أم آجلا الذي ضلّل وحرّض الذي كذب وكذّب، الذي فبرك وجيّش إلى درجة تحول فيه الإعلام السوري الوطني والإعلاميون السوريون هدفا مقبولا ومسوّغا.. للتصفية والاغتيال..
كانوا 3 صحفيين فصاروا 3 شهداء.. شهداء عمّن سلّح المجموعات المسلحة أصلا ووقف في وجه كل بارقة أمل تنهي الأزمة السورية تحقن الدم المراق منذ أكثر من عام و3 أشهر وعمّن خطّط لإسقاط سوريا الدولة والدور بعد أن استحال عليه أن يصبح دولة ناهيك عن أن يجتبي لنفسه دورا مستقلا في المنطقة العربية.. كانوا 3 صحفيين فصاروا 3 شهادات.. شهادات على أن الجامعة العربية في زمن الردة العربية باعت ضميرها المهني فدخلت في منظومة الحرب على دولة عربية مؤسسة لهذا الهيكل العربي وانخرطت في سياق محاربة القنوات السورية ووسائل الإعلام الناطقة بغير «لغة البترو دولار» والمتكلمة بغير خطاب التحريض الطائفي المقيت.. والأكثر من هذا أنها لم تحرك ساكنا ولم تصدر بيان إدانة عن حادثة «استهداف الإخبارية وضرب الإخبار وتصفية الخبر».
كانوا 3 صحفيين فأصبحوا 3 أدلة دامغة على امتهان الشرف الإعلامي من قبل إعلاميين وبعض وسائل الإعلام من أدعياء المهنية والحرفية.. سقط القناع عن قناع «عذريتهم» الأخلاقية والحرفية فتلعثموا وتأتأوا وفي الأخير رفضوا مجرّد إعلان نعي عن زملاء نحافظ على احترامنا المطلق لخياراتهم وتوجهاتهم التحريرية في المهنة وفي شقاء التعب عن الخبر .
كانوا 3 صحفيين فاستحالوا 3 براهين موثقة بالحبر والدم بأن سوريا تعيش الإرهاب بأبشع صوره وأحلك صفاته، والتي تتجسد في مصادرة لفظ شهيد عن ضحية من ضحايا المجموعات المسلحة وإلصاقها قصرا بضحايا الأمن والشرطة والتي تتجسم أيضا في إبراز التشفي أو التناسي أو التجاهل عن ضحية سقطت ب«غير نيران الجيش أو الشرطة تحت عناوين مضللة من قبيل «الشبيح أو الأسدي» .
لكل من لا يزال ينكر المؤامرة في سوريا وهم كثيرون لكل من لم يقتنع بعد بصحة مقولة ان المطلوب هو رأس سوريا الممانعة والمقاومة عبر إدخالها في دوامة من القتل والاقتتال وهم كثر ايضا لكل من لا يزال يتحفظ على حقيقة أن تجار الدم يريدون إعلاما وظيفيا على مقاسهم.. هذا دم شهداء الإعلام السوري.. فدمهم أبلغ من ألف مقال وريبورتاج وتحقيق واستجواب وصورة.. وجثامينهم الطاهرة أصدق نبإ من النشرات الإخبارية والتقارير الإعلامية.. وقبورهم أحسن ناقل للخبر والمعلومة الحقيقية والمجردة.. وعلى رسم قبورهم فلتكتب بماء الذهب : «إن في هذا لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد».. وما أقل من يملك القلوب ومن يسمعون في أزماننا وأوطاننا..