لماذا التقى رئيس الجمهورية محمد المنصف المرزوقي عددا من ممثلي الأحزاب السياسية من داخل الترويكا الحاكمة وخارجها، ولماذا في هذا التوقيت بالذات بعد «أزمة الصلاحيات» التي عرفها أقطاب الحكم في الأيام الماضية؟ اللقاء الذي اعتبر كثيرون أنه جاء متأخرا شمل رؤساء وأمناء عامين وقيادات أحزاب ممثلة في المجلس الوطني التأسيسي وتناول ملفات الساعة، لكنه مثل في نظر البعض محاولة من الرئيس استعادة زمام المبادرة وإظهار أنه «رئيس لكل التونسيين» كما وعد بذلك حين تم انتخابه في ديسمبر الماضي. وواصل المرزوقي أمس لقاءاته بالقصر الرئاسي بعدد من الوزراء ورؤساء الأحزاب.
وقد أبدت أطراف معارضة مرارا تحفّظها على «سلبية» الرئيس وعدم مبادرته بصنع الوفاق وفتح الحوار بين مختلف مكونات المشهد السياسي، فهل اختار المرزوقي زمن إطلاق الحوار بدقّة في مسعى للخروج لما اعتبره البعض أزمة داخل الترويكا الحاكمة، أم هي محاولة لإثبات أن للرئيس صلاحيات ومبادرات يمكن أن يقوم بها من أجل تأمين مسار الانتقال الديمقراطي وإزالة كل مظاهر التوتر والتشنج بين فرقاء السياسة وخلق حالة من التوافق ضرورية لإدارة المرحلة.
التشاور والتوافق
وقال رئيس كتلة التكتل في المجلس الوطني التأسيسي المولدي الرياحي بعد اجتماعه بالرئيس المنصف المرزوقي «نحن على مستوى الائتلاف الحكومي نتشاور دائما وهذا التشاور أمر محمود خاصة في الظروف الدقيقة».
وأضاف الرياحي «اليوم نشعر أكثر من أي وقت مضى بأنه لا خيار لنا إلّا الحفاظ على الروح التوافقية وأن نعمل على رعاية هذا المسار الانتقالي وأن نجتنب كلّ ما يمثل عرقلة واضطرابا لهذا المسار، ونحن هنا ليبقى التشاور سيد الموقف والتوافق هو الآلية الأساسية».
وأشار الرياحي إلى أنه اتفق مع الرئيس وبقية أطراف التحالف الحاكم على الحفاظ على هيبة الدولة التونسية بعد التطورات الخطيرة التي عرفتها البلاد. وأضاف المولدي الرياحي «الترويكا واعية اليوم بأن هيبة الدولة غير محترمة وبأن هنالك غياب للتناسق والتشاور بين الرئاسات الثلاث».
من جانبه أكّد رئيس كتلة حركة النهضة في المجلس التأسيسي الصحبي عتيق تمسّك الحركة بهذا الائتلاف الحاكم وحفظها لمقام رئيس الجمهورية قائلا «نحن شركاء في الحكم، وقد تحاورنا حول جملة من المسائل المُثارة أخيرا ومنها قضية تسليم البغدادي المحمودي ومسألة إقالة محافظ البنك المركزي، وهذه كلها مسائل تُرفع إلى الترويكا». وأضاف عتيق الذي كان مرفوقا بنائب رئيس حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي «سنواصل التشاور والرجوع إلى مؤسساتنا، وهذا الائتلاف سيتواصل في كنف الهدوء دفعا ورعاية لمصلحة تونس».
وحسب أمين عام حركة الشعب محمد براهمي فقد «تناول اللقاء قضايا الساعة والأزمة الحاصلة بخصوص صلاحيات رئيس الدولة ورئيس الحكومة، وتناولنا المخاطر التي تهدد تونس واتفقنا على تأمين المسار الديمقراطي وتأمين البلد من العنف وضرورة ضمان مستقبل لا مكان فيه للتفرّد وللحزب الواحد وللهيمنة» مضيفا «هذه خطوة أولى مهمة لتصحيح الخلل الذي حصل».
قال رئيس الكتلة الديمقراطية وعضو التيار الاصلاحي محمد الحامدي أن مقابلته برئيس الجمهورية محمد منصف المرزوقي تأتي في اطار حوار وتشاور يقوده رئيس الجمهورية مع الأحزاب السياسية من أجل توصيف الواقع السياسي والبحث عن حلول عملية للخروج من الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد. وأضاف الحامدي أن التيار الاصلاحي قدم للرئيس المرزوقي مقترحاته لتجاوز «الرجة السياسية التي تعيشها البلاد».
خطوة متأخّرة
ورأت الأمينة العامة للحزب الجمهوري مية الجريبي أنّ اللقاء جاء متأخرا ويأتي في وضع أزمة يشعر بها المواطن على مستوى الحكم تُضاف إلى الأزمة الاجتماعية مشيرة إلى أنها كانت قد طلبت لقاء مع الرئيس لبحث ملف تسليم البغدادي المحمودي ولبحث العقبة التي تمر بها البلاد.
وقال الأمين التنفيذي للحزب الجمهوري ياسين إبراهيم «إنّ المرحلة الحالية تتطلب توافقات على الدستور وموعد الانتخابات وقانون الانتخابات وهيئة الانتخابات وهيئة الإعلام وغير ذلك، وهذه المبادرة طرحت نقاشا نأمل أن يتوسع ليشمل كل الفاعلين السياسيين لأن بلادنا لا تسير في الطريق الذي نتمناه».
وقال أمين عام حزب العمال الشيوعي التونسي حمة الهمامي عقب لقائه الرئيس إنّه «لا بد من الإقرار بأن هناك أزمة سياسية في البلاد وأن هناك أزمة مؤسسات» موضحا أنّ «السبب الأساسي للأزمة أنه ليس هناك احترام للقواعد الديمقراطية فالمجلس التأسيسي مهمش والسلطة التنفيذية بيد الحكومة، وبالتالي لا بدّ من تصحيح هذه الأوضاع بالرجوع إلى السلطة الأصلية (المجلس التأسيسي) وفرض مراقبة جديّة على السلطة التنفيذية حتى لا نقع في الاستبداد بغطاء جديد.»
وقد أكّدت أطراف في المعارضة مرارا ضرورة أن يتم فتح حوار وطني شامل بين مختلف مكونات الساحة السياسية متهمة السلطة القائمة بأنها تعمل على الانفراد بالرأي ولا تلجأ إلى جلسات الحوار إلّا في حال الأزمات وبعد ان تكون قرارات قد اتّخذت وبدأت تداعياتها تظهر على الساحة، وإذا ما اتبعنا هذا المنطق يمكن إدراج الخطوة التي أقدم عليها المرزوقي باستقبال ممثلي الاحزاب في هذا السياق خاصة إذا ما لم يتم متابعة ما تمخّض عن هذه اللقاءات ولم يتم ترسيخ الحوار قاعدة للتعامل السياسي وسنة يتم تنظيمها بصفة دورية، وهذا ما تشكّك فيه أطراف كثيرة في المعارضة.