أثار التحقيق الصحفي حول تسميم الزعيم الراحل ياسر عرفات عاصفة غضب فلسطينية ففيما توحّدت الفصائل الفلسطينية خلف مطلب التحقيق الجدي في الحادثة، اتهمت بعضها «إسرائيل» باغتياله. وأعلن الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطيني نبيل أبو ردينة، امس أن الرئيس محمود عباس أصدر تعليماته ل«لجنة التحقيق في استشهاد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات» بمتابعة جميع المعلومات والتقارير التي تتعلق بهذا الموضوع، والاستعانة بالخبرات العربية والدولية العلمية للوقوف على حقيقة أسباب مرض واستشهاد الرئيس الراحل.
وقال أبو ردينة في بيان رسمي ، إن «السلطة، وكما كانت على الدوام على استعداد كامل للتعاون وتقديم جميع التسهيلات للكشف عن الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى مرض الرئيس الراحل واستشهاده»، وإنه «لا يوجد أي سبب ديني أو سياسي يمنع أو يحول دون إعادة البحث في هذا الموضوع بما في ذلك فحص رفاة الرئيس الراحل من قبل جهة علمية وطبية موثوقة وبناء على طلب وموافقة أفراد عائلته».
وبثّت قناة «الجزيرة» الفضائية ، تحقيقا كشفت نتائجه العثور على مستويات عالية من مادة البولونيوم المشع والسام في مقتنيات شخصية للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات استعملها قبل فترة وجيزة من وفاته، وذلك بعد فحوصات أجراها مختبر سويسري مرموق.
وأضاف أبو ردينة إن «القيادة الفلسطينية تعهّدت بمتابعة موضوع أسباب مرض واستشهاد الرئيس الراحل، من أجل الوقوف على الحقيقة التي تقطع الشك باليقين بهذا الشأن، واتخاذ كافة الإجراءات لمتابعته، حيث ما زال استشهاد الرئيس الراحل يشغل الرأي العام الفلسطيني والعربي والعالمي، لما له من أهمية قصوى، نابعة من أهمية باعث اسم فلسطين ورمزها وقائد نضال شعبها على امتداد أربعة عقود على طريق الحرية والاستقلال».
كشف الملابسات
من جهتها، دعت حركة حماس الى تشكيل «جبهة قضائية عربية لرفع دعوى ضد الاحتلال الإسرائيلي لكشف ملابسات اغتيال الرئيس الفلسطيني السابق وقال القيادي في الحركة صلاح البردويل في بيان صحفي إن «حماس أكدت مرارا وتكررا على ضرورة التحقيق الجدي في حادثة استشهاد الرئيس عرفات، والتي بدا واضحا أنها كانت حادثة مدبرة ولم يكن موتا عرضيا».
وأضاف «أكدنا أن المستفيد الأول من هذه الجريمة هو العدو الصهيوني الذي سعى لمعاقبة الرئيس عرفات على مواقفه التي اعتبرها متشددة تجاه عملية التسوية في آخر أيام حياته، وقلنا دائماً إن البحث عن حقيقة استشهاد الرئيس عرفات واجب وطني بل واجب قومي عربي لابد أن تتظافر فيه كل الجهود من أجل الوصول للحقيقة لفضح الاحتلال ومنع تكرار مثل هذه الجريمة البشعة التي تتناقض مع كل المواثيق والقوانين الإنسانية والدولية».
وتابع «ها هي اليوم تتكشف الحقائق وتثبت التحليلات المخبرية أن الرئيس عرفات قتل اغتيالا بمادة البولونيوم المشعة القاتلة». وثمّن البردويل كل الجهود التي وصلت إلى هذه النتيجة، داعيا كل الأطراف المعنية فلسطينية وعربية ودولية إلى التعاون من أجل الوصول إلى هذه الحقيقة. وشدد على أنه «كل من يتخاذل أو يتواطأ من أجل تأجيل هذا البحث يجب أن يشار إليه بأصابع الاتهام»، وقال «ندعو إلى تشكيل جبهة قضائية عربية لرفع قضية ضد الاحتلال لاسيّما وأن الاحتلال هو الذي يملك هذه المادة المشعّة وهو الذي كان يهدد باستهداف الرئيس عرفات وكان يحاصره ويتحكم في دخول الدواء والطعام إليه». وأكد البردويل على ضرورة أن «يطال هذا التحقيق أي يد آثمة تواطأت أو تعاونت أو سهّلت مهمة الاحتلال في إدخال هذه المواد السامة إلى جسد الرئيس عرفات». من جانبه، أكد عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي نافذ عزام، أن شكوكا كثيرة كانت تحوم حول تورّط إسرائيل بشكل مباشر في عملية اغتيال عرفات. وبين عزام أن التحقيق التلفزيوني، أثبت هذه الشكوك وأن التهمة تذهب إلى إسرائيل بشكل مباشر، مطالباً جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي بضرورة التحرك على كافة المستويات لكشف المجرم الحقيقي الذي كان سبباً في اغتيال الرئيس عرفات.
وناشد كافة والجهات الدوائر المعنية عربيا وإسلاميا بضرورة نقل الموضوع إلى محكمة الجنايات الدولية ليتم التحقيق في قضيته كما حصل في عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
وطالب عزام منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية باتخاذ «كافة الإجراءات التي تتناسب مع حجم الجريمة»، ودعاهما الى وجوب أن تراجعا مواقفهما السياسية، مطالبا بوقف المفاوضات والتنسيق الأمني مع إسرائيل.
مطالبة بالتحقيق
بدوره، طالب نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عبد الرحيم ملوح، باستكمال التحقيق الذي قامت به قناة «الجزيرة» والاستفادة منه وأيضا الاستفادة مما هو متوفر لدى مؤسسة «الشهيد ياسر عرفات» وعائلته.
وقال ملوح في بيان صحفي إننا «نعتبر أن نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شاؤول موفاز (وزير الجيش الإسرائيلي إبان وفاة عرفات) شريك في عملية الاغتيال، وأن «فلسطينيين من أجل الكرامة» والذين هبوا ضد زيارة موفاز الى رام الله يدركون ذلك بأحاسيسهم ومشاعرهم الصادقة، والتي تعرف حجم الجرائم التي ارتكبها موفاز وإسرائيل بحق شعبنا وقياداته في أكثر من مكان في العالم وفي فلسطين».
من جهتها، ثمّنت وزارة الخارجية والتخطيط في غزة جهود قناة «الجزيرة» في «الكشف عن ملابسات تسمم الشهيد ياسر عرفات بالبولونيوم المشع، بما يعكس دور السلطة الرابعة في إماطة اللثام عن حقائق مهمة في هذه القضية الكبيرة».
وأشارت إلى أن «استخدام البولونيوم المشع والمتوفر لدى المفاعلات النووية الإسرائيلية يسفر مرة أخرى عن الوجه البشع للاحتلال وممارساته اللاأخلاقية وغير القانونية بحق الفلسطينيين قيادة وشعبا».
وأكدت أن «الأيادي الإسرائيلية وأدواتها الخبيثة التي امتدت لشخص الشهيد عرفات تؤكد بوضوح أن إسرائيل ليست العنوان الصحيح لصناعة أيّة عملية سلمية، وإنما هي مشروع موت وفناء وعدوان على الإنسان والأرض.
لجنة تحقيق دولية واستعداد لاخراج رفات عرفات من القبر
رام الله (وكالات): دعت السلطة الفلسطينية امس الى تشكيل لجنة تحقيق دولية في وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، مؤكدة انها لا تمانع من فحص رفات الزعيم الراحل، وذلك على ضوء ما كشفته قناة الجزيرة انه قد يكون قضى مسموما بمادة مشعة.
واعلن كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات امس لوكالة الصحافة الفرنسية «ندعو الى تشكيل لجنة تحقيق دولية على غرار لجنة التحقيق الدولية التي شكلت حول اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري» مضيفا «ندعو العالم للتعامل مع هذا الملف بالجدية المطلوبة خاصة ما كشفته قناة الجزيرة الفضائية والذي نثمنه عاليا».
واظهرت استنتاجات تحاليل اجريت في مختبر في سويسرا ونقلتها قناة الجزيرة القطرية الفضائية أول أمس الثلاثاء في برنامج وثائقي ان ياسر عرفات قد يكون قضى مسموما بمادة البولونيوم المشعة.
وتعقيبا على ذلك اكدت السلطة الفلسطينية أنها لا تمانع في فحص رفات الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي توفي بمرض غامض حتى الآن. وشدد عريقات من جهته على ان المسألة «تتطلب التحقيق على نحو جدي وتوفير كل الامكانات المطلوبة للجنة التحقيق الدولية للوصول الى نتائج واعلان نتائج التحقيق بشكل علني ومعرفة من اغتال رئيس الشعب الفلسطيني ياسر عرفات».
وفي هذا السياق اعلن اللواء توفيق الطيراوي رئيس لجنة التحقيق الفلسطينية في وفاة عرفات ان الرئيس عباس وافق على فحص جثمان عرفات واعتبر ان تقرير الجزيرة يثبت تورط اسرائيل باغتيال عرفات.