إن أسمى ما يطمح إليه من رام تفسير القرآن الكريم أن يوفق إلى إبراز هدفه، والكشف عن مقاصده، وإنارة مسالك فهمه، باعتباره قبل كل شيء كتاب هداية كما أخبر بذلك منزله سبحانه وتعالى:{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا}(الإسراء:9) فتجلية معانيه وتبيين مراد الله فيه من إصلاح العقيدة، وتهذيب النفس، وتشريع الأحكام، وسياسة الأمة هوعمل المفسر الذي يتفاوت قيمة ومنهجية وتأثيرا بحسب ما له من استعداد وما له من بعد نظر، ودقة فهم، إن ما له من ملكات تعينه على الفهم، وتوضيح المعنى على نحويفتح القلوب، ويهدي العقول،علاوة على معرفته لفقه اللغة، والبيان، وأصول الفقه، والقراءات، وأسباب النزول، ونحوذلك مما لا غنى عنه في تفسير القرآن الكريم.
ولكن مما يجب التنبيه إليه أن تأثير المفسر لمنهجه ومعرفته مرتبط أيضا بمدى تأثره هوبالقرآن، والاندماج في جوه، والحياة في نصه، وللتجاوب مع إشاراته وحكمه وتعاليمه، وترجمتها إلى سلوك، شأن من يتناول قصة أومسرحية أوقصيدا أونصا علميا بالتحليل العميق والشرح الدقيق، فإنه يعيش مع الكاتب أوالشاعر أوالمؤلف ظروفه وأحاسيسه وينير سبيل الدارسين والقراء بما يسلطه على النص من أضواء تغوص في أعماقه وتكشف عن أبعاده. وإذا تفحصنا في الطرائق التي توخاها المفسرون وجدناها ثلاثة في جملتها. أما الاقتصار على الظاهر من المعنى الأصلي للتركيب مع بيانه وإيضاحه وهذا هوالأصل.
وإما استنباط معان من وراء الظاهر تقتضيها دلالة اللفظ أوالمقام ولا يجافيها الاستعمال، ولا مقاصد القرآن وذلك من خصائص اللغة العربية ككون التأكيد يدل على إنكار المخاطب أوتردده وكدلالة الإشارة، واحتمال المجاز والحقيقة. وقد مكنت هذه الطريقة المفسرين من التوسع في تفاصيل الأحكام وغيرها مما يخدم المقاصد القرآنية.
وإما بجلب المسائل وبسطها لمناسبة قوية بينها وبين المعنى المراد، إذا كان فهمه متوقفا عليها، أوكانت مما يؤيد القرآن في إشاراته إلى القضايا الصحيحة من العلوم.ولا يقال هذا النوع من التفسير إلا أن يكون موضوعيا ويسلك فيه مسلك الإيجاز، «ولا يصير الاستطراد كالغرض المقصود»(محمد الطاهر بن عاشور: التحرير والتنوير ج 1/36 37. ط. القاهرة 1964)