ربما كان المرء عادلا مع من حوله، ولكن ماذا لو كان هذا العدل على حساب ما تحب، وما تريد وما تتمنى. هنا فقط يمكن للإنسان أن يتعرف إلى حقيقة نفسه، وحقيقة من حوله.
وفي قصة (زيد بن حارثة) مع رسول الله صلي الله عليه وسلم أكبر مثال لعدله صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك على حساب رغبات النبي. فقد كان «زيد» عبداً للسيدة «خديجة» رضي الله عنها، أهدته للنبي صلي الله عليه وسلم، ورباه النبي، وأحبه، وتعلق به. وبعد مدة، جاء أبوه وعمه للبحث عنه في مكة، وعرفا أنه عند رسول الله صلي الله عليه وسلم، وأرادا أن يأخذاه منه، فماذا فعل النبي صل الله عليه وسلم؟
لقد خيّر الرسول زيدا بين أن يذهب مع أبيه أوأن يظل معه! فاختار «زيد» رسول الله صلي الله عليه وسلم على أبيه وعمه، فأعتقه النبي وتبناه، وأشهد على ذلك القوم وسماه «زيد بن محمد».
لقد كان بإمكان النبي أن لا يتحاور مع أهله، فقد كان زيد عبدا له. وهذا هو النظام السائد آنذاك. ثم إن النبي كان يحب زيدا حبا جما، ولكن لا. فمحمد نبي العدل، حكم بالعدل وترك الاختيار بيد زيد. العجيب في هذا المشهد أن زيدا اختار العيش عبدا مع محمد على العيش حرا مع أبيه.
ترى ما الذي يدفع إنسانا لتفضيل حياة العبودية على الحرية، بل ما الذي يدفعه للعيش مع شخص غريب عليه وترك أهله وماله وما يملك؟ لابد وأنه ذلك العدل الذي شهده في بيت محمد، ولابد أنه حسن خلق النبي الذي أسره به.
العدل مع الأعداء
إذا كان الحب عند رسول الله لا يجعله يحيف أو يظلم لحساب من يحب، فإن العداوة كذلك لا يمكنها أن تؤثر على عدل رسول الله، فهو أعدل البشر حتى مع أعدائه، وهذا ما تعلمه من قرآن ربه الذي يقول للمسلمين كافة {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون} (المائدة: 8).