حاز موضوع التعويض للمساجين السياسيين وضحايا التعذيب الكثير من اللغط والجدل السياسي والحقوقي وبلغت درجة التجاذب القول بأحقية المعنيين بمثل هذه التعويضات من عدمها، على الرغم من أنّه وعلى حدّ عبارة السيّد محمّد عبّو الأمين العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة فإنّ الأفضل أن نسأل: كيف سيكون التعويض؟ أمّا سؤال: « مع أو ضدّ التّعويض؟ «فهذا يعتبر وقاحة». نعم، لقد تعرّض ملف التعويض لضحايا القمع والتعذيب والسجون والمطاردة والاضطهاد إلى متاجرة رخيصة من بعض القوى السياسيّة في مسعى ركيك لربح بعض النقاط في مشهد سياسي متعثّر أو رغبة في التضييق على خصم سياسي ودعم أنفاس التآمر من حواليه.
وإن كانت الحكومة مسؤولة في جانب كبير عمّا جرى نتيجة عدم إعلام الرأي العام بحقيقة ملف التعويضات من حيث الفئة المشمولة وحجم مبالغ التعويض وآجالها ومصادر تمويل تلك العمليّة، برغم ذلك فإنّ ما أقدمت عليه بعض قوى المعارضة من تزيّد حول هذا الملف الإنساني والحقوقي بامتياز كشف عن رهط من البشر لا يرى إلاّ بعين الحقد والكراهيّة ولا يتحرّك إلاّ بغاية تعفين الأوضاع وتوتيرها وبثّ الفرقة والأحقاد هذه القوى عملت على قاعدة القياس الفاسد، واعتبرت أنّ التعويضات هي نوع من الارتزاق شاجبة المتمسكين بها منددة بحكومة النهضة الّتي هي على أبواب «سرقة أموال الشعب» ومؤكّدة أنّ النضال لا يستوجب المكافأة أو التعويض أو جبر الضرر.
هؤلاء لا يعلمون أو هم يتجاهلون آثار عقود الجمر والعذاب والاضطهاد التي عانت منها عائلات وأسر بكاملها على امتداد تراب البلاد، عقود توقّفت فيها حياة خيرة من شباب ورجال ونساء تونس، تلقوا أشدّ وأنكل أنواع التعذيب وحرموا من الدراسة والتعليم وحوصروا في أرزاقهم وضربوا في علاقاتهم الاجتماعيّة والأسريّة ولحقت أبدانهم أمراض وعاهات بل منهم من انتقل إلى الرفيق الأعلى تحت التعذيب أو إعداما أو رميا بالرصاص في الشوارع والمظاهرات الاحتجاجيّة على امتداد أكثر من 50 سنة. ربمّا من الفضيحة أن يأتي اليوم من يدّعون النضال للتشكيك في حق من انتهكت الدولة أعراضهم وحقوقهم وداست كرامتهم وإنسانيتهم، حقّهم في جبر للأضرار المادية والنفسيّة والمعنويّة الّتي لحقتهم، وأيّ ثمن يُمكن أن يعوّض عذابات وآلام بذلك الحجم ؟.
هناك من تعوّد على «النضال البورجوازي» حيث يكون المرء بقدرة قادر متصدرا صفوف المناضلين دون أن يلحقه – ويا للعجب- أيّ أذى من النظام القمعي والدكتاتوري من اعتقال أو تعذيب وسجون أو عذابات المنافي والأكثر من ذلك أنّ أمثال هؤلاء يعيشون في رغد من العيش ويلقون أكثر من «تعويض» من أكثر من جهة لقاء خدماتهم النضاليّة والتي ليس بها أيّ أضرار..إنّه القياس الفاسد.
هناك أناس، جرّاء الاضطهاد والقمع والمحاصرة، توقّفت حياتهم وضاعت عنهم - وربّما إلى الأبد- «لذة المال والصحة والبنون» ولو دفعنا لهم مال قارون لن نسحب من قلبوهم جزءا من شحنات الإهانات والآلام وهواجس الخوف والترقب في أمل قد ضاع وخبا مع سنوات العمر الّتي ضيّعتها آلة القمع والاضطهاد.