قال السيوطي: «وقد اعتنيت في كتابي: أسرار التنزيل ببيان كل قراءة أفادت معنى زائدا على القراءة المشهورة». {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا. أشهدوا خلقهم، ستكتب شهادتهم ويسألون} (الزخرف:19) فهو يراها أقوى من التفسير لأنها مروية عن كبار الصحابة. و يترتب على اعتبار القراءة الشاذة من القرآن عد اعتبارها قرآنا للعمل بمقتضاها وللاستدلال بها في الأحكام. و يبدو أن القراءة الشاذة لا يجوز بحال أن تكون قرآنا، وإنما هي من تفسير الصحابي الذي كان يرى جواز إثبات التفسير بجانب القرآن، فهي لا تتجاوز مرتبة التفسير المأثور عن الصحابي. أما القراءات التي صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند صحيح والتي تفيد بالخصوص أن ثبوت أحد اللفظين في قراءة يبين المراد من نظيره في قراءة أخرى، أو يثير معنى آخر فذلك ما ينبغي اعتباره بحق من تفسير القرآن بالقرآن. ومن هنا كان لا يجوز تفضيل قراءة على أخرى، إذ الكل من عند الله. ومن ذلك مثلا قوله تعالى: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا...} (الزخرف:19) قرى (الذين هم عباد الرحمان إناثا). إن تفسير القرآن بالقرآن الذي يعتبر عند كل المفسرين مصدرا أساسيا للتفسير، والذي كان يرجع إليه الصحابة في معرفة بعض معاني القرآن ليس عملا آليا، ولكنه عمل يقوم على كثير من التدبر والنظر، إذ ليس حمل المجمل على المبين،أو المطلق على المقيد أو العام على الخاص أو إحدى القراءتين على الأخرى بالأمر الهين. وهذا ما يؤكده محمد حسين الذهبي في كتابه (التفسير والمفسرون ج1/41 ط. القاهرة 1961)، لأن ذلك يحتاج إلى معرفة وإحاطة ودراية وعمق. قال ابن تيمية: «فإن قال قائل فما أحسن طرق النفسير؟ فالجواب: إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن . فما أجمل في مكان فإنه قد فصل في موضع آخر» (ابن تيمية: مقدمة في أصول التفسير:93 (طبعة الكويت: 1971). فإن أعياك ذلك، فعليك بالسنة،« فإنها شارحة للقرآن وموضحة له»(محمد أبو زهرة: أصول الفقه:105-106 ط. القاهرة دار الفكر العربي) وهذا ما سننظر فيه: عزيزى القارئ، في حديثنا القادم إن شاء الله. يتبع