كان الإمام أحمد بن حنبل يتحلى بالورع حتى قيل «لولا أحمد بن حنبل لمات الورع» وكان دأبه النصح بالتقوى ومخافة الله، طلبت منه نصيحة فقال: «الزم التقوى قلبك وانصب الآخرة أمامك». ومن أوصافه انه كان عالما زاهدا وعاملا عابدا، وكان ساعة يصلي عشاء الآخرة ينام نومة خفيفة ثم يقوم الى الصباح يصلي ويدعو وفي محنته مع المعتزلة وقد هزل وضعف من الضرب والاعتقال كان يصلّي في كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة وكان عمره إذا يناهز الثمانين (حلية الأولياء ج9 ص181).
وورد في مناقبه انه كان لا يدع قيام الليل قط وفي روايةأنه كان يختم القرآن كل يوم وليلة، وكان يحيى الليل كله منذ كان غلاما وكان من أصبر الناس على الوحدة لا يراه احد الا في المسجد او جنازة او عيادة، وكان ورده كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة.
وحج خمس حجات ثلاثا منها ماشيا، وكان يواصل الصوم فيفطر كل ثلاثة أيام على تمر وسويق.
وفي رواية عن ابنه صالح في مناقبه التي رواها ابنه انه كانت له ختمة في كل سبع ليال سوى صلاة النهار.
وسئل: بم تلين القلوب، فأجاب: بأكل الحلال، وهو قول صائب، أعجب معاصريه من العلماء ومن أقواله: الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء، فمن لم يعمل هنا ندم هناك ومن شعره: إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت، ولكن قل: عليّ رقيب ولا تحسبن الله يغفل ما مضى ولا أن ما تخفيه عنه يغيب وقد عدّه الإمام الشافعي اماما في الورع والزهد والفقر الى جانب إمامته في الحديث والفقه واللغة والقرآن، ونوّه به في شعره من ذلك: قالوا يزورك أحمد وتزوره قلت: الفضائل لا تفارق منزله. وقد كان ابن حنبل ملازما له يأخذ عنه ولكن لم يتأثر به من ناحية القياس واستعمال الرأي واعتماد العقل للاجتهاد. نادرة عن أحمد بن حنبل ابن حنبل والكلب سار مرة من بغداد الى الشام ليسمع من محدّث مشهور هناك، فلما بلغه وجده يطعم كلبا، وجلس ابن حنبل واستمر المحدّث في إطعام الكلب زمنا أغضب ابن حنبل وضايقه، فلما انتهى المحدث من إطعام الكلب التفت الى ابن حنبل وقال له:لعلك وجدت علي في نفسك؟ فأجابه : نعم. فقال المحدث: إنه ليس بأرضنا كلاب، وقد صدني هذا الكلب ورجاني أن أطعمه وأسقيه، فعلمت انه جائع وضمآن فأطعمته وسقيته واجبت رجاءه لأني سمعت من أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: من قطع رجاء من ارتجاه قطع الله رجاءه يوم القيام. فابتسم ابن حنبل وقال: يكفيني هذا الحديث ورجع الى بغداد. ويعلّق الدكتور احمد الشرباصي في كتابه: «الائمة الاربعة» على هذه النادرة بعد ان رواها بقوله: «لا عجب ان يهتم ابن حنبل كل هذا الاهتمام لرواية الحديث من طرقه المختلفة، فالحديث هو الاساس والعماد، ولا تجني ثمرته كاملة الا اذا أحاط الانسان به وعرف طرقه ولذلك قال: «من لم يجمع علم الأحاديث وكثرة طرقها واختلافها لا يحل له الحكم على الحديث ولا الفتيا به» (ص161).