اطلع وزير الثقافة اثناء زيارته الى القيروان على الواقع الصعب الذي يمر به تراث القيروان الإسلامي وعاين الانتهاكات الصارخة وتوعد المعتدين واتهم السلط الجهوية بالتقاعس بل وطالب الجمعيات بالاعتصام ضد المعتدين. السيد وزير الثقافة المهدي المبروك أطل أخيرا على القيروان ليلا في سهرة رمضانية قضاها في زيارات ميدانية الى المعالم الأثرية بالقيروان والتي تواجه مشاكل وصعوبات وانتهاكات. وهي معالم سجلتها «اليونسكو» تراثا. وقد حضر الوزير بالقيروان ليلا مرفوقا بوفد صحفي. وأولى محطاته كانت مقر الولاية وهناك لم يكن في استقباله اي مسؤول محلي او جهوي ولا دورية أمنية. ثم تحول الى باب تونس وعاين أشغال فتح باب ميضأة البرادعية من اجل تحويلها الى مطعم سياحي. وعقد السيد الوزير ندوة صحفية تناولت الشأن الثقافي والتراثي بالجهة. كما مثلت الزيارات الميدانية صدمة للوزير ومرافقيه لتتبين لهم حقيقة نداءات الاستغاثة التي اطلقها أبناء القيروان ومررناها عبر «الشروق» وقد وعد الوزير بالتدخل الفوري وحمل السلط الجهوية والمجتمع المدني مسؤولية ما يحصل من انتهاكات تهدد تراث القيروان بالتآكل والزوال.الطرابلسية الجدد...من هم؟
وشدد الوزير على تطبيق القانون ضد «الطرابلسية الجدد» وقال «لن نستسلم» (كررها 3مرات). وقال ان وزارته تمتلك الارادة وقوة القانون للتصدي للاعتداءت ضد التراث في مختلف الجهات مشيدا بدور المواقع الاجتماعية في التعريف بهذه القضايا. وأضاف «سنلتزم بالدفاع عن معالمنا لان وزارة الثقافة هي المؤهلة والمسؤولة عن حماية تراثنا ومعالمنا و«بيننا وبينهم القانون ولن نغض الطرف». وقال ان حالة عدم احترام القانون واستضعاف الدولة هو ما جعل المواطنين يتجرؤون على انتهاك حرمة المعالم الأثرية مشيرا الى المنزل المرتفع المطل على صحن جامع عقبة وقال «سنعمل على حماية تراث القيروان ومعالمها». كما أشار الى ان عديد القضايا لا تزال مرفوعة ضد عصابات تهريب الآثار.
كما اكد الوزير المبروك على ضرورة تدخل المجتمع المدني وبذل جهودا للتعاون مع وزارة الثقافة. واكد الوزير ان توظيف المعالم الأثرية في مشاريع سياحية يستوجب توفر الشروط اللازمة. وحمل المعهد الوطني للتراث (الإدارة الجديدة) مسؤوليته في العمل بصرامة وتطبيق القانون وإعادة التصرف في التراث من خلال هياكل مراقبة. وشدد على ان للقيروان نمطا معماريا اغلبيا خاصا بها ولا يجب المزايدة عليه. وقال ان الاعتداء على التراث جريمة ترتكب في حق التراث أمام ناظري الوالي والبلدية.حرس التراث...والسلط الجهوية
حصلت الاعتداءات على المعالم الاثرية على امتداد سنوات. على مرأى ومسمع من المسؤولين. ووزارة الثقافة نفسها تلقت نداءات وشكاوى ولكنها لم تتدخل من ذلك مطلب انتزاع ارض صبرة وتسييجها. وفي هذا الاتجاه قال السيد المهدي المبروك «لو ان لدينا حرس تراث مثل حرس الغابات لكنا تدخلنا على الفور ضد كل انتهاك، ولكن التراث ليس مسؤولية وزارة التراث وحدها وانما هو مسؤولية مجتمع (منها السلط الجهوية). ونحن من هنا نطلق صيحة فزع إزاء انتهاك القانون الذي نريده ان ينصف التراث والمعالم. ورغم علم الوزير بما يحدث في حق التراث وزياراته الى ولايات أخرى، «دهش» السيد الوزير وهو يطالع البناء المخالف للنمط المعماري بالقيروان وسط المدينة العتيقة وقرب جامع عقبة، وقال ان البناءات المحدثة تحجب السور وهي مخالفة للنمط المعماري التراثي. كما عاين أشغال بناء بالآجر الأحمر حذو جامع عقبة حيث واصل العمال أشغال البناء كأن شيئا لم يكن رغم مراسلات معهد التراث وقد شرع في بناء طابق علوي. وقد اكد صاحب الأشغال ان المنزل اشتراه وهو متداع للسقوط بسبب شبكة التطهير والماء كما اكد انه سعى الى استخدام مواد البناء المطابقة للمواصفات المعمارية التراثية لكنه لم يجدها. واكد ان المعهد الوطني للتراث بالقيروان مطلع على الأشغال ولم يطلب منه ايقافها.
الوزير القى بالمسؤولية على الوالي المرافق له بسبب عدم تنفيذ قرارات هدم في شان هذه البناءات المخالفة رغم تدخل معهد التراث ومشيرا الى تقاعس النيابات الخصوصية. وقد برر الوالي عدم التدخل بغياب نيابة خصوصية لبلدية القيروان (نصب النيابة الخصوصية يوم زيارة الوزير). ولقد كان موقف المسؤولين الجهويين محرجا وهم يعاينون تحت عدسات الكاميرات الصحفية مظاهر مخجلة وحية للانتهاكات رغم انها قائمة منذ مدة.
وتحدث الوزير في تصريح ل«الشروق» ان ما تم رصده من اخلالات لا يليق بمدينة القيروان ولا ببلادنا ولا بثورتنا وقال «لن نستسلم ولن نسمح بالاعتداء على تراثنا. واكد انه ان ثبت تحمل مسؤولية السلط الجهوية او مسؤولين على الآثار فسيتم الالتجاء الى القضاء وقال ان الوزارة لن تتكتم على اي ملف. وبين ان التراث يتعرض الى اعتداء في كل الجهات بشكل تصاعدي مبينا انه حان الوقت للتدخل وإعادة الأمور الى نصابها. وأكد بخصوص الثقافة في القيروان ان الوزارة أصبحت تهتم اكثر بالشأن الثقافي داعيا الى الالتفاف حول مهرجان الموسيقى الروحية ليواصل دوراته.مشاريع جديدة
من جهة ثانية اعتبر المدير العام للمعهد الوطني للتراث في رده على سؤال «الشروق» ان المشاريع التراثية التي تمت برمجتها تمت مراجعتها لانها كانت مسقطة وسيتم وضع برامج مشاريع جديدة لتهيئة الفسقية والمدينة العتيقة. كما أشار الى ان المعهد وضع خارطة لأبرز المناطق الأثرية في القيروان التي تتوفر على معالم أثرية رومانية وقال إنه سيتم تثمينها وتحدث عن وجود قطع اثرية مهملة في الحدائق العامة في عديد المناطق بالجهة.وتحدث المدير الجديد للمعهد الوطني للتراث بالقيروان عن نفس جديد للعمل وعن تعاون من قبل وزارة الثقافة وتفاعل ايجابي غير مسبوق. مبينا ان ذلك يشجع على العمل. كما قدم الهادي الأحمر المهندس بالمعهد الوطني للتراث بالقيروان بعض التفاصيل الفنية والتاريخية عن باب تونس الذي تعرض الى الاعتداء حسب قول الوزير رغم تدخل صاحب المشروع لينفي ذلك.
بقي ان ننتظر خطة عمل من قبل وزارة الثقافة ومن المعهد الوطني للتراث بعد ان تم تشخيص الداء. فكيف سيكون تدخل الوزارة لحماية التراث العالمي للقيروان واقناع المواطنين بعدم المساس به مع استثماره وتثمينه في السياحة الثقافية.