مر التصريح الذي أدلى به السيد الصحبي عتيق رئيس كتلة حركة النهضة الى اذاعة شمس أف م على خطورته في صمت. قال الصحبي عتيق في معرض حديثه عن حادثة الاعتداء عن الاستاذ عبد الفتاح مورو في القيروان ان السبب هو حضور يوسف الصديق.
وهذا يجعلنا نفهم انه لو لم يكن الصديق موجودا فلن يحدث العنف وبالتالي ضمنيا فان حضور الصديق مبرر للعنف إذن يجب ان لا يحضر مستقبلا ندوات مثل هذه وهذا يعني منعه ضمنيا من إبداء رأيه في شؤون الفكر والحياة في بلاده تونس بعد سنوات من التدريس في اعرق جامعات فرنسا السربون !
قد لا يكون السيد الصحبي عتيق قصد هذا بالضبط وشخصيا أنزهه عن هذا لكن ما يحيل عليه كلامه هو هذا بالضبط حتى وان لم يقصد خاصة ان بيان حركة النهضة الذي أدان الاعتداء لم يذكر يوسف الصديق في حين انه طرف أساسي في هذا الاعتداء الدموي الذي طال شخصية بارزة في قيمة ووقار وسماحة الاستاذ مورو! فحسم الاختلاف الفكري بالعنف او منع المفكرين والمبدعين من إبداء آرائهم في مسائل تتصل باختصاصاتهم ظاهرة خطيرة جداً وهي اغتيال رمزي لهؤلاء فليست المرة الاولى التي يستهدف فيها الدكتور الصديق المفكر الذي ساهم بجدية وعمق في تجديد الفكر الديني وهو كفاءة تونسية لا اعتقد ان تونس انجبت منه الكثيرين فقد استهدف في جامعة الزيتونة ولم يشفع له حضور السيد راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الذي سعى الى تهدئة الشبان الذين احتجوا على حضوره كما استهدفت ألفة يوسف في مدينة قليبية الى جانب احداث اخرى شبيهة حدثت لمبدعين ومفكرين.
هذه الحادثة التي أدانتها كل مكونات المشهد السياسي ليست الاولى ولن تكون الاخيرة ففي هذا الشهر الكريم ، شهر الرحمة والتسامح شاهدنا الكثير من احداث العنف بسبب الاختلاف في الرأي فقد منع سلفيون تنظيم مهرجان قبلاط من ولاية باجة كما منعوا لطفي العبدلي من تقديم عرض مسرحي في منزل بورقيبة ومنعوا الفرقة الإيرانية من العرض في القيروان وكانوا سيمنعون أيضاً لطفي بوشناقً لولا تدخل قوات الأمن وأفسدوا مهرجان الأقصى في بنزرت وكانت الحصيلة عدد من الجرحى وفي المساجد جدت احداث عنف وصلت الى تبادل اللكمات!!!.
ان العنف لا يمكن ان ينتج شيئا غير العنف ودائرة العنف ان اندلعت لا قدر الله لن يوقفها شئ وستأتي على الاخضر واليابس، لقد حث القران الكريم على النقاش والجدل « وجادلهم بالتي هي أحسن» وحركة النهضة باعتبارها حزب في الحكم الان وباعتبارها أكبر واعرق الحركات الاسلامية في تونس تتحمل المسؤولية الكبرى في وضع حد لهذا النزيف الذي قد يتطور ليتحول الى اعتداءات اكثر بشاعة قد تصل حتى الى التصفية الجسدية. باسم «الاعتداء على المقدسات» مثلما حدث لمفكرين عرب وأوروبيين تمت تصفيتهم جسديا بهذه التهمة فإذا كانت حركة النهضة تؤكد دائماً على نبذها للعنف ودعوتها للحوار في بياناتها وتصريحات قادتها فإنها مطالبة بنشر هذه الثقافة بين قواعدها وخاصة بين الشباب السلفي الذي يبقى دائماً قريبا منها وغير بعيد عن دائرتها.
فإلى جانب الاعلام ووزارة الثقافة يمكن لحركة النهضة ان تلعب الدور الاساسي في تنمية ثقافة الحوار والسعي الى نزع فتيل التشنج وثقافة التكفير التي تتنامى يوما بعد اخر ، فالاختلاف رحمة والإسلام فيه قراءات متعددة والاختلافات بين الملل والنحل ليست جديدة وقد أزهقت أرواح شعراء ومفكرين بسبب أفكارهم في الوقت الذي ضمن فيه القران الكريم للناس جميعا حرية المعتقد ولعل قيمة الحرية بما تعنيه من حرية اعتقاد الاكثر. حضورا في النص القراني والسنة النبوية الشريفة.
المشاكل الاجتماعية التي تعيشها تونس والأزمة الاقتصادية خلقتا حالة إحباط عام لا يمكن الخروج منها الا بالحوار والإيمان ان تونس للتونسيين جميعا وان القضاء هو الوحيد المؤهل لمحاكمة من أجرم اما المحاكمات الشعبية وتكفير الناس وإلقاء تهم الإلحاد والادعاء بامتلاك الحكمة والحقيقة فلن يقودنا الا للخراب لا قدر الله.
فحادثة الاعتداء على الاستاذ مورو عضو مجلس الشورى لحركة النهضة واحد مؤسسيها ليست حادثة معزولة عن الاحداث التي سبقتها فهناك سياق عام ينذر باننا نقترب من الغرق في دائرة العنف وهي دائرة يصعب الخروج منها ان أنزلقنا إليها لا قدر الله.