لم تفلح دعوات الحوار الوطني التي أطلقتها عدة منظمات وطنية وأحزاب ومكوناتالمجتمع المدني ، في خفض مستوى ظاهرة العنف المادي واللفظي التي طغت على المشهد الاجتماعي والسياسي..بل الأخطر من ذلك أنّه تصاعدت -في الآونة الأخيرة- موجة العنف السياسي وخاصة منه الصادر عن تيارات سلفية دينية متشدّدة ضد تظاهرات ثقافية، أو رموز سياسية، او شخصيات وطنية..تحت عدة «مبررات» ومنها التخوين والتكفير.. و لم تسلم حتى المساجد من الظاهرة وباتت مسارح لتبادل العنف لمجرد الاختلاف على تنصيب امام، أو محاولة فرض رؤية معينة لهذا الفريق أو ذاك لمسائل دينية فقهية.. و ازدادت حدة الظاهرة خاصة مع تراخي الحكومة في تطبيق القانون، وهو أمر استنكرته عدة أحزاب ودعت إلى تطبيق القانون على الجميع ومكافحة ظاهرة التكفيريينوالعنف الدّين.. و تصاعدت الدعوات من جديد وفي كل مرة تنكشف فيها خطورة الظاهرة ونتائجها الكارثية إلى الإسراع بسن قانون يجرّم التكفير كحل للخروج من عنق الزجاجة وهو مقترح كان قد تقدّم به سابقا رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي نفسه. فهل بات مشروع القانون هذا حاجة أكيدة اليوم أم أن حلولا أخرى تبقى كفيلة لتجاوز بعض حالات الانفلات الأمني الناجم عن ظاهرة التكفير وغياب الحوار بسبب الشحن المسبق والتعبئة التي تسبق كل عملية عنف..أم أن الأمر لا يدعو إلى الجزع والخوف ولا فائدة في تهويله او التحذير منه.؟ في تقييمه للوضع الراهن وإجابة عن هذا السؤال يرى محسن مرزوق عن نداء تونس أن الحاجة أكيدة اليوم الى مثل هذا القانون مشيرا الى انه وجّه دعوة للغرض تتمثل في ميثاق ضدّ العنف السياسي فضلا عن إقرار هيئة وطنية لمعالجة العنف السياسي وذلك عبر اعتبارالتكفير جريمة يعاقب عليها القانون لا سيما انه مصطلح يتضمن دعوة صريحة للقتل ويمثل تحريضا واضحا على القتل دون مبرر. مراجعة لبعض التراخيص و دعا مرزوق إلى ضرورة تجريم التكفير عبر نصوص واضحة وصريحة الى جانب مراجعة التراخيص التي أسندت الى بعض الأحزاب اعتبارا الى أنها لا تنسجم مع قانون الأحزاب . وهو طرح يتبناه عضو المجلس التأسيسي عن كتلة الحرية والديمقراطية طارق بوعزيز الذي يرى ان موجة العنف السلفي التي اندلعت عقب الثورة كان يخالها البعض مظهرا من مظاهر الفوضى والانفلات الامني ستخف وتيرتها بمرور الوقت ليتضح لاحقا أن المسألة باتت أعمق من ذلك وأصبحت تمس من هيبة الدولة. صراع قطري سعودي ويؤكد بوعزي أن لغة الحواروالحلول الودية لم تعد تجدي نفعا مع امتداد العنف السلفي لا سيما أن الفتنة باتت تبث اليوم حتى داخل المساجد، داعيا إلى الدفاع عن مقترح تجريم التكفير وتطبيق القانون في ظل وجود مقترح لتجريم المقدسات حتى يتسنى للدولة ممارسة العنف الشرعي وتحمل مسؤولياتها خاصة انه لا مجال اليوم لتكرار ذات الأخطاء. و خلص بوعزيز الى القول بأن الاجندا التي تحاك اليوم هي أجندا وهابية وأنّ هناك صراعا قطريا سعوديا يراد نقله الى تونس. ومن أبرز أحداث العنف السياسي ما تعرض له مؤخرا عبد الفتاح مورو القيادي في حركة النهضة خلال مسامرة رمضانية فكرية في مدينة القيروان من قبل شاب محسوب على التيار السلفي الأمرالذي استوجب نقله الى المستشفى... كما اقتحمت مجموعة من السلفيين مؤخرا مهرجان الأقصى ببنزرت (بمناسبة اليوم العالمي للقدس) واعتدت بالعنف الشديد على بعض نشطاء المهرجان بواسطة سيوف وهراوات مما أسفر عن إصابة عدد منهم بجروح بتعلة أن المهرجان وراءه مخطط لنشر الفكر الشيعي.. كما منع الممثل لطفي العبدلّي من تقديم عرضه في مدينة منزل بورقيبة من قبل مجموعة محسوبة أيضا على التيار السلفي بتعلة أن المسرحية تمس من المقدسات...ومنع أيضا حفل فرقة موسيقية إيرانية وكانت التعلة هذه المرة أن الفرقة شيعية... ضرورة ملحّة و لأنّ العنف السلفي ازداد بنسق تصاعدي في الآونة الأخيرة، فقد اعتبر العضوالمستقلّ بالمجلس التأسيسي عبد العزيز القطي أن الحاجة الى مشروع قانون لتجريم التكفير باتت ضرورة ملحة ومسألة عاجلة. و فسّر في هذا السياق أن الإسلام بات اليوم يحتكر من فئة معينة وكأنه «ماركة «مسجلة وبالتالي فانه من السهل تكفير الأشخاص وإقامة الحدّ عليهم وبالتالي التشريع لقتلهم. لم لا ؟ فكرة تجريم التكفير يعتبرها طارق العبيدي عضو المجلس التأسيسي عن المؤتمر من اجل الجمهورية طيبة لا سيما أن عديد الأطراف صلب المجلس التأسيسي كانت قد تقدمت بمشروع قانون لتجريم التكفير. و هو مقترح مفيد جدا لردع هذه الممارسات خاصة أن تجاهل المحاسبة يمثل أمرا خطيرا على المفكرين وأصحاب الرأي. من جهة أخرى يعتبر جمال الطوير عن التكتل من اجل العمل والحريات أن السلفيين التكفيريين هم فئة من السلفيين الذين يمثلون ظاهرة تعدّ غريبة عن المجتمع التونسي. ونفى في هذا الإطار ما يروّج من أن وزارة الداخلية تهادن المجموعات السلفية غير أن الوضع في تونس لا يحتاج الى معالجة العنف بالعنف حسب قوله. و قال :» يحتاج الأمر إلى تفعيل لغة الحوار وحتى إن اقتضى الأمر تشريكهم في حوار وطني قصد فهم مقاصدهم وغاياتهم مشيرا في نفس الوقت الى انه من المجدي اليوم تبني مقترح تجريم التكفير للحد من ممارسات العنف.» ويقترح نائب المجلس التأسيسي عن حزب النضال التقدمي هشام حسني أن تفكر المعارضة في مشروع قانون يجرم التكفير لكن دون التنصيص عليه صلب الدستور المرتقب لأنه من الممكن أن يسهم في تعطيل سير عمل اللجان. كما اقترح الاكتفاء بمشروع قانون يجرم التكفير حتى يتم القطع نهائيا مع أحداث العنف.. تقنين تجريم التكفير و تطالب من جهتها الحقوقية ثريا أحمد التيجاني بتقنين تجريم التكفير فمن غير المعقول على حد قولها أن «يرزح المجتمع التونسي بين الأسلمة والتكفير»، مشيرة الى أن الانتهاكات باتت تتزايد وهو ما يعد مؤشرا خطيرا في ظل عدم تتبع القائمين على أعمال العنف وتطبيق القانون. و دعت التيجاني في هذا السياق الى تجريم مثل هذه الممارسات الذي لن يتم إلا عبر إرادة سياسية والتي تعد غائبة اليوم. ولئن عبر عدد لا باس به من الساسة أنهم يتبنون خيار تجريم التكفير استنادا الى انه يمثل أولوية اليوم في ظل تصاعد وتيرة العنف السلفي فإن شقا آخر يرى أن المسالة تحتاج آليات أخرى تتجاوز مسالة التجريم. الموضوع يحتاج إلى نقاش و قال في هذا الصدد عضو المجلس التأسيسي عن حركة النهضة الصحبي عتيق أن الموضوع يحتاج الى نقاش جدي عبر بلورة حوار وطني يطرح كل القضايا ولكن في إطار تطبيق القانون لا سيما أن الحرية لا تعني الفوضى وبالتالي لا بد من تطبيق القانون على الجميع ودون استثناء. و اشار إلى ان ما حدث مؤخرا من عنف سلفي لا علاقة له بالتكفير. السلفيون براء من العنف أما محمد خوجة أمين عام حزب الإصلاح أول حزب سلفي يتحصل على التأشيرة القانونية فقد اعتبر انه من الضروري التثبت أولا ممّن يقف وراء هذه الأحداث، هل هم حقا من السلفيين؟؟ وعبر خوجة عن رفضه لعقلية العنف ومنطق القوة. وأوضح في نفس السياق أن ما يحدث في تونس من مظاهر عنف له خلفية أخرى وتحركه أطراف لها تريد أن تخلق الفتنة في المجتمع. وخلص إلى القول بانّ الأطراف التي تقف وراء هذه التحركات لا تريد الخير والسلم لتونس ولكنها ليست أطرافا سلفية والحل حسب اعتقاده يكمن في تطبيق القانون. المسألة اذا اعقد مما يتصوره البعض، وتحتاج إلى معالجة جدية سواء بالحوار او بتطبيق القانون على الجميع.. علما ان مكونات المجتمع المدني ما فتئت تحذر من تنامي ظاهرة العنف السياسي أو الديني وتصاعد موجة التكفير وانحسار الأمل في الحوار.. وكانت وزارة الثقافة قد نددت في آخر بيان لها باعتداءات السلفيين على التظاهرات الثقافية مشيرة الى ان ذلك ينذر باحتقان مذهبي غريب عن المجتمع التونسي فضلا عن المرصد الاورومتوسطي لحقوق الانسان الذي أدان في بيان له مؤخرا احداث العنف في مدينة بنزرت، وقال إن تزايد وتيرة العنف السياسي يعود الى غياب قوة الردع القانونية للعناصر المحسوبة على التيار السلفي..