بدأت ملامح أزمة جديدة بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية والسبب «التعيينات» والضبابية في الصلاحيات، بعد الخلافات التي طفت على خلفية من يمثل تونس في اللجنة الفرعية لمناهضة التعذيب. طلبت الأممالمتحدة من رئاسة الجمهورية تعيين ممثل لتونس في اللجنة الفرعية لمناهضة التعذيب وذلك بصفة عرضية لا في إطار خطة وظيفية دائمة، وقد كان من المفروض أن يتم هذا الترشيح قبل 10 سبتمبر 2012 بعد ان كان مبرمجا لأواسط شهر أوت الجاري، باعتبار أن المدة المخصصة للجنة الفرعية الحالية تنتهي في 31 ديسمبر القادم.
واشترطت الأممالمتحدة أن تكون الشخصية الوطنية المقترحة من المهتمين بملف التعذيب ومن المعروفين بالاشتغال فيه فكرا وممارسة و نضالا، «حتى يكون الأمر تكريما صادقا للثورة التونسية واعترافا لها بالريادة و التبجيل».
وقد اختار رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي الناشطة الحقوقية المعروفة راضية النصراوي إلا انّ رئيس الحكومة اعترض وارتأى أن يرشح سعيدة العكرمي المحامية والناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المساجين السياسيين وزوجة وزير العدل نور الدين البحيري.
ورغم انقضاء المدة المخصصة للترشيح لم يحسم الأمر بعد، خاصة أن الرئيس المنصف المرزوقي اعترض بدوره على اقتراح رئيس الحكومة معتبرا إياه تأكيدا لما سبق وأن صرح به في خطابه الذي ألقاه في افتتاح مؤتمر «حزب المؤتمر» من حرص لحركة النهضة على التغول والسيطرة على مفاصل الدولة وهياكلها الإدارية.
الرئيس الشرفي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان مختار الطريفي، المتابع عن كثب لهذا الملف والعارف بالشخصيتين، قال إنّ هذا الترشيح يهم أصلا رئيس الجمهورية لأن من مشمولاته التعيينات المتعلقة بالسياسة الخارجية والعلاقات الدولية.
وأضاف الطريفي «إن الشخصيتين كفاءتان في الميدان لا مجال للشك في قدرة كل منهما، ولكني كنت أود أن لا يؤول الأمر إلى مثل هذا الخلاف، فلراضية النصراوي تجربة طويلة في هذا المجال على المستوى الوطني والمغاربي والدولي، وهي رئيسة جمعية تعتني مباشرة بهذا الملف ولها خبرة دولية فيه، ولا أرى مبررا لرفض رئيس الحكومة ترشيح السيدة النصراوي رغم قناعتي بكفاءة السيدة سعيدة العكرمي»...
وقد أكّدت الناشطة الحقوقية راضية النصراوي في تصريح لها لإذاعة «موزاييك أف أم» أمس أنّ الرئيس المنصف المرزوقي رشّحها لتمثيل تونس في اللجنة الفرعيّة لمناهضة التعذيب التابعة للأمم المتّحدة، إلّا أنّ حمادي الجبالي رئيس الحكومة استعمل حق الفيتو لترشيح سعيدة العكرمي زوجة نور الدين البحيري وزير العدل معتبرة أنّ هذا الرفض من قبل رئاسة الحكومة فيه تغليب لمبدإ الموالاة لحركة النهضة.
ومن جهتها أبدت سعيدة العكرمي رئيسة الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين احترامها للتاريخ النّضالي لراضية النصراوي مضيفة أنّها ترفض أن يقع الزج بهما في التجاذبات السياسية والمسّ من علاقتهما.
وفي السياق ذاته اعتبر الكاتب العام للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب منذر الشارني أن تونس خسرت موقعا في اللجنة الفرعية لمناهضة التعذيب بسبب الخلاف الحاصل بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية حول مسألة التعيين. وقال الشارني إن الأستاذة راضية النصراوي كانت لها حظوظ كبيرة في أن تقبل في هذه اللجنة نظرا لصيتها العالمي في مجال مقاومة التعذيب ولاشتغالها على هذا الملف سنوات طويلة وذكر أنه كان يجب وضع معيار الكفاءة فوق كل اعتبار.
ويذكر أن هذه اللجنة الفرعية لمناهضة التعذيب تابعة للأمم المتحدة وهي مؤسسة تعود بالنظر للبروتوكول الإضافي لمناهضة التعذيب وهي تتكون من 25 خبيرا دوليا في حقوق الانسان ترشحهم دولهم المصادقة على البروتوكول الإضافي والاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب.
ولم يسلم ترشيح ممثل تونس لعضوية هذه اللجنة الأممية من «حمّى» التجاذبات السياسية التي تطبع الحراك في البلاد خصوصا منذ تولي حكومة الترويكا عملها قبل نحو 9 أشهر.