خصّت مجلّة «نزوى» العُمانية الشاعر اللبناني السوري يوسف الخال بملفّ قيّم في عددها الأخير يندرج ضمن ملفات سابقة عن الشاعر شوقي أبي شقرا وفؤاد رفقة. كل المشاركين في الملف كما هو شأن الملفين السابقين من اللبنانيين، ويبدو أن الملفات أعدّت في لبنان باقتراح من رئيس تحرير المجلة الشاعر والمبدع سيف الرجبي الذي يحتفظ بعلاقات صداقة واسعة مع أدباء العربية وهو الأمر الذي انعكس ثراء على مجلته «نزوى» التي هي بحق المجلة الأولى اليوم عربيا وربما لهذا حديث آخر.
وهنا أقترح عليه إعداد ملف عن الروائي الراحل يوسف حبشي الأشقر أحد أكبر الروائيين العرب، وآخر عن أحد أباء الرواية العربية توفيق يوسف عواد صاحب رواية «الرغيف» تمّ رواية «طواجين بيروت» ومجموعة قميص الصوف لا سيما وأن الأدباء اللبنانيين مهما تعدّدت خلافاتهم السياسية هم متفقون علي الاحتفاء بإبداعهم لأنه الجامع لهم.
ترى هل أطلت في مدخل موضوعي هذا؟
كتب مقدمة الملف رئيس تحرير المجلة سيف الرجبي وقد فجعت مما ذكره نقلا عن زوجته الشاعرة والرسامة مها بيرقدار الخال بأن قبره اختفى (أين دفنوه ليحصل هذا؟) وأن بيته العريق في غابات «غزير» مهدّد بالهدم!
لقد فجعت من هذا فأنا بين أصدقاء يوسف الخال وزوجته وكنت حريصا على زيارته إذ لا يغادر منزله الريفي غالبا ولا يفعل ذلك إلا عندما يسافر بحرا من ميناء جونيه الى قبرص لمتابعة مشروعه الذي اعتبره مشروع عمره بترجمة الكتاب المقدس، ويبدو أنه توفي ولم يستكمله. كنا نتوجّه نحو غزير مرة في الأسبوع على الأقل بسيارتي التي أترك قيادتها لسائق أمهر مني في المسالك الجبلية وهو الصديق الشاعر هنري زغيب وغالبا ما يرافقنا أصدقاء آخرون.
كان يوسف الخال كريما رغم ضيق ذات يده الواضح بعد أن أحبطت أحلامه الأولى التي سأتحدث عنها. وكان يضع عباءته الصوفية على كتفيه فيبدو بتعنونه وكأنه بدوي ترجّل من ناقة. وكان يحب الجلوس قريبا من الموقد المشتعل وبيده كأس شرابه المفضل. أما زوجته مها فكانت تجلس في بهو آخر من المنزل لتستقبل أصدقاءها، ولكل واحد منهما عالمه الخاص به. كان الرجل ودودا الى أبعد حدّ، وكان الأدب موضوع حديثنا ثم لا نلبث أن نتحول للحديث عن الوضع في لبنان والعراق المنشغل في حربه الطويلة مع إيران، وكان يوسف متعاطفا مع العراق لأنه يرى في هزيمته هزيمة أخرى للعرب.
لقد توثّقت علاقتي به في الثمانينات عندما أقمت للعمل في بيروت، وقبل هذا كان قد نشر لي هو وأدونيس نصوصا من قصيدة النثر في مجلته، ولم يعد يتذكرها فالأسماء التي مرّت به في سنوات مجلته «شعر» الأولى كثيرة.
عاد يوسف الخال من أمريكا شابا مليئا بالحماس وكان لديه مشروع ثقافي متكامل يتمثل في غاليري للعرض، وهكذا أنشأ «غاليري وان» رفقة زوجته الرسامة الأمريكية هيلين الخال، التي ظلّت تحتفظ بلقبها نسبة لمطلقها يوسف الخال وقد اقترن يوسف بشابة سورية جميلة كانت مذيعة معروفة في التليفزيون السوري، وقد عاشا تجربة حبّ جعلتها تتخلّى عن كل ارتباطاتها لتلحق به وتزوجته ورزقا ببنت وولد كلاهما احترف التمثيل وولده هو الآن من نجوم الدراما اللبنانية وبين أوسم الممثلين اللبنانيين ويحمل اسم أبيه يوسف الخال، أما شقيقته الكبرى فهي التي مثلت دور والدة اسمهان في المسلسل المعروف الذي أخرجه الفنان شوقي الماجري.
ومع «غاليري وان» الذي استقبل عدة معارض جماعية وفردية لفنانين من أغلب البلدان العربية أصدر مجلة «شعر» الفصلية التي اقترنت بلقاء أسبوعي اسمه «خميس شعر» لكونه يعقد مساء كل يوم خميس وتنشر وقائعه في المجلة. وقد جذبت المجلة عديد الشعراء العرب الذين نشروا فيها، ثم أصدر فصلية أخرى لاستكمال دور شعر عنوانها «أدب». ولكن الوضع العالمي والعربي كان يأخذ مسارا مناقضا، وفي الوطن العربي حيث المدّ القومي في عهد الزعيم جمال عبد الناصر، والانحياز الذي كان واضحا لدى الأغلبية من أدباء العربية نحو اليسار هو الذي جعل مؤسسات يوسف الخال أو فلنقل مشروعه الثقافي الذي جاء به من أمريكا محل اتهام، وقد أطلقت مجلة «الآداب» الملتزمة بالخط العروبي الناصري نيرانها على هذا المشروع الأمر الذي جعل عددا كبيرا من الشعراء ينسحبون منها وينقطعون عن النشر فيها وهكذا توقف «غاليري وان» ثم مجلة «شعر» ومجلة «أدب» التي لم تأخذ مداها، ثم أعيد إصدار «شعر» ثانية بعد سنوات ولكنها فقدت بريقها الأول والظروف لم تعد ملائمة لها. لكن بعد سنوات طويلة ها نحن نجد الأجيال التالية من الشعراء العرب تعيد قراءة تلك التجربة بل وتبحث عن شعرائها وأصبح أحد كبار شعراء المجلة أنسي الحاج رمزا من رموز الحداثة الشعرية وسلطت الأضواء على شعرائها وأعيد نشر أعمالهم، فصدرت أعمال أنسي الحاج الكاملة في القاهرة مع أعمال شعراء آخرين كانوا أقرب الى تجربة مجلة «شعر» منهم الى أي مجلات أخرى. (ولنا عودة ثانية)