تمثّل مؤتمرات الأحزاب السياسية محطة مهمة في عمل الأحزاب وترتيب البيت من الداخل استعدادا للاستحقاقات الانتخابية أو ترسيخا للممارسة الديمقراطية ودعما لسنة التداول على مستوى القيادة أو لقياس حجمها وامتدادها الشعبي. المشهد الحزبي في تونس لا يزال ضبابيا ويتسم بالكثرة وتعدّد المسارات نحو الانصهار في أحزاب أو جبهات حزبية وأيضا نحو مزيد من الانقسام والتشرذم، بمعنى أنه لا يزال في مرحلة إعادة التشكل التي تقتضي مراجعة وبالتالي تفرض على كل حزب عقد مؤتمره ليتبين مواقفه ووجهته ووزنه على الساحة، لكن يبدو أن عدة أحزاب، بما فيها «الكبيرة» او تلك التي تمسك بالسلطة، تتعامل بشيء من التحفظ وربما الخوف حيال عقد مؤتمراتها.
مبررات التأخير
فحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، أحد أطراف «الترويكا» الحاكمة لم يعقد مؤتمره بعد 14 جانفي 2011 وبدا أنّه يعمل على إيجاد الظرف المناسب لعقد مؤتمره.
وحدّد المجلس الوطني للتكتل المنعقد قبل ثلاثة أسابيع موعدا لمؤتمر الحزب يومي 25 و 26 جانفي 2013 سيسبقه مجلس وطني يستعرض نتائج تجديد الهياكل التي ستنطلق اشغالها في أواخر أكتوبر.
وقال الناطق الرسمي لحزب التكتل محمد بنور إنّ نشاط الأحزاب كان قبل 14 جانفي محدودا وكانت مؤتمراتها لا تستقطب عددا كبيرا من الناس لاعتبارات سياسية وإنّ الأحزاب اليوم تحتاج فترة كبيرة للتأقلم مع خياراتها وتقاليدها وأساليب عملها أي أن كل حزب يحتاج وقتا ليضبط كيف يتصرف في العمل اليومي ويتخذ مواقفه وكيف يتصرف مع هياكله وكيف يتعامل مع التجاذبات داخله». وأضاف بنور أن «الانتخابات القادمة تفرض على كل الأحزاب ترتيب البيت من الداخل لذلك فإن التأخير ليس في مصلحة أي طرف».وكان مؤتمر التكتل مبرمجا في أواخر أكتوبر الجاري أو نوفمبر وعلى أقصى تقدير ديسمبر المقبل، وبرر بنور تأجيل المؤتمر مرارا بأنّ الأحزاب التي لها حضور كبير في المجلس التأسيسي تعمل قياداتها على واجهتين، واجهة العمل الحزبي إضافة إلى القيام بأداء مهامها داخل المجلس ومتطلبات دورها هناك. ورأى بنور «أنه لا خوف من المؤتمرات لأنه لا مشكلة إن سقط واحد أو اثنان من القيادة بل إن ذلك من صميم الممارسة الديمقراطية ورجل السياسة معرّض لكل الاحتمالات ويجب أن يقبل بها».
تكتيك انتخابي؟
أمّا حركة النهضة التي حصلت على تأشيرة العمل القانوني في مارس 2011 وتقود اليوم الائتلاف الحاكم فقد عقدت مؤتمرها منذ 3 أشهر بعد تأجيله مرارا. وكان مؤتمر الحركة مبرمجا في البداية في صيف 2011 لكن تأجيل انتخابات المجلس التأسيسي من 24 جويلية إلى 23 أكتوبر 2011 جعل الحركة ربما تفكّر في التفرغ لحملتها الانتخابية وتأجيل المؤتمر إلى ديسمبر 2011، لكن نتائج الانتخابات التي أفرزت فوز الحركة بنسبة هامة من المقاعد وتوليها قيادة الحكومة أخّر المؤتمر ثانية.
وانشغلت الحركة آنذاك بمشاورات تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية مع شركائها في الحكم (التكتل والمؤتمر من أجل الجمهورية) فضلا عن أن المكلف بإعداد المؤتمر عبد اللطيف المكي تولى حينئذ وزارة الصحة وتم تكليف رياض الشعيبي بالمهمة إلى حين عقد المؤتمر في منتصف جويلية الماضي، والذي لم يشهد تغييرا كبيرا على مستوى القيادة لكنه نجح إلى حدّ ما في احتواء ما اصطلح عليه ب «صراع الأجنحة» داخل الحركة، حسب مراقبين.
أمّا المؤتمر من أجل الجمهورية فيبدو من أكثر الاحزاب إقبالا على عقد مؤتمراته وتجديد قياداته حيث عقد مؤتمره الأول في جوان 2011 وبعد عام وشهرين خاض فيهما الحزب الانتخابات التأسيسية وانخرط في حكومة الائتلاف وشهد خلافات وانقسامات وانسحابات عقد مؤتمره الثاني في موفى أوت 2012 وأقرّ تجديد مكتبه السياسي كلّ سنة وهو ما يعني أنّ الحزب مقبل على مؤتمر جديد بعد عام.
ولم تفلح بعض الأحزاب التي ظهرت في الأشهر الأولى بعد 14 جانفي 2011 ولم تنل حظا في الانتخابات التأسيسية في إيجاد طريق للتنظم والهيكلة عبر عقد مؤتمراتها، فمنها ما انصهر ضمن أحزاب أخرى وسبب لها ذلك انقسامات ومنها ما غاب عن الساحة ولا يُعلم إن كانت لا تزال ناشطة أم تمّ حلها.
وسيكون حزب نداء تونس هو الآخر أمام محكّ المؤتمر الوطني الّذي تتنازعهُ حاليا رؤيتان اليوم بين مستعجل لتنظيمه ( وهم أساسا ما بات يُعرف بالكتلة الدستوريّة داخل الحزب والتي لها تمثيل واسع في الهيئة التنفيذية الموسّعة) وبين راغب في تأجيله إلى ما بعد الانتخابات القادمة ويتزعم هذه الرؤية اليساريّون وبعض القوى الحداثيّة الّتي تتواجد ضمن التركيبة القياديّة للحزب والذين يرغبون في تأجيل «الحسم الانتخابي الحزبي» إلى ما بعد الانتخابات القادمة وذلك في علاقة بالرغبة في التواجد ضمن القائمات الإنتخابيّة والتأثير في تشكيل الهياكل المحليّة والجهويّة المؤقتة.
وتقول مصادر من داخل نداء تونس أنّ التباين بين الشقين الدستوري واليساري قائم على أشدّه حتّى في إطار التنسيقيات المحليّة والجهويّة التي شرع الحزب في بعثها ، وأكدت نفس المصادر ان القرار الحاسم في ملف المؤتمر الوطني سيكون بين أيدي رئيس الحزب السيد الباجي قائد السبسي الذي يمسك كل الخيوط بين يديه ويعرف متى وكيف سيتمّ تنفيذ إجراءات المؤتمر الّتي باتت على علاقة وطيدة بتطورات الحياة السياسيّة في البلاد.
ضوابط قانونية ضرورية
واعتبر أمين عام حزب الإصلاح والتنمية محمد القوماني أنّ ظاهرة تأجيل عقد مؤتمرات الأحزاب ظاهرة موجودة قبل الثورة واستمرت بعدها وأن «هذا التأجيل يمس من القوانين الداخلية المنظمة للأحزاب التي تنص على مدة محدّدة يجري خلالها عقد المؤتمر، وهذا يتطلب في المستقبل وفي ظل حرية التنظم صرامة قانونية توجب على الأحزاب أن تعقد مؤتمراتها في مواعيدها أو أن تتعرض لعقوبات».
وأضاف القوماني أن «الحزب في النهاية مرفق عمومي ويقدم خدمات للمجتمع وله أعضاء لهم حقوق عليه وعادة ما يكون قرار التأجيل متخذا من القيادات التي لا تراعي المنخرطين وآراءهم». واعتبر القوماني أن «تأجيل عقد مؤتمرات بعض الأحزاب بعد الثورة راجع لحالة التشكل الحزبي الهش وغير المستقر وفي ساحة سياسية كانت راكدة وفجأة فُتحت حرية التنظم فسارع الناس إلى الحصول على التأشيرات دون التعرف إلى الساحة ومتطلباتها هذا فضلا عن الحالة الهشة التي تأسست عليها بعض الأحزاب والتي تجعلها تعلن عن مواعيد مؤتمراتها للخروج من حالة المؤقت إلى الشرعية الانتخابية لكنها تجد صعوبات متعلقة بالحوار مع أطراف أخرى للتشكل أو أنها لا تتوفر على الفاعلية والقوة الكافية أو يتبين أن الأحزاب تتنازعها صراعات ذات بعد شخصي لا يمت بصلة للأفكار والمبادئ».
وتابع القوماني قوله «قليلة هي الاحزاب التي عقدت مؤتمراتها ولكن لم نر الوقع المطلوب سياسيا لهذه المؤتمرات من عدم وضوح حجمها ومنخرطيها وغياب الشفافية ومن حيث استمرار القيادة، كما أن ثمة أيضا مشاكل ذات صبغة تنظيمية وأخرى سياسية ولكن الوضع المفروض أنه بعد ان تستقر الحالة التنظيمية للأحزاب يجب وضع قانون لتمويل الأحزاب وتطوير القوانين التي تنظم وتراقب الأحزاب».
وأشار القوماني إلى أنّ هناك «تصرفا رعوانيا» للحياة الحزبية لا بد أن نضع حدا له عبر فرض قانون يراقب تمويل الاحزاب ويفرض التقيد بعقد مؤتمراتها».