أثارت مساعي حزب حركة «نداء تونس» إلى تشكيل كتلة نيابية داخل المجلس الوطني التأسيسي رفضا واسعا من جانب عدد كبير من النواب وتساؤلات حول مدى مشروعية تشكيل كتلة لحزب لم يشارك في الانتخابات التأسيسية واكتفى باحتضان المنشقين عن كُتلهم. رفض هذه الخطوة جاء خصوصا من أحزاب «الترويكا» وكذلك كتلة حركة وفاء أي أنّ هناك إجماعا من أكثر من نصف مكونات المجلس على رفض التعامل مع الكتلة الجديدة.
وقد أعرب رؤساء كتل حركة النهضة وحزب المؤتمر وحزب التكتل إلى جانب حركة وفاء عن رفضهم التام التعامل مع كتلة حركة نداء تونس بالمجلس التأسيسي. اعتبارات مبدئية أم سياسية؟
وقال رئيس كتلة حزب التكتل المولدي الرياحي إن كتلته لن تتعامل ولن تقبل الحوار مع حركة نداء تونس داخل قبة التأسيسي أو خارجها، مضيفا أنّ «من «قلب الفيستة» من النواب لن نتعامل معهم على حدّ تعبيره. وقال رئيس كتلة حركة النهضة الصحبي عتيق من جانبه إن الحركة لن تتعامل مع من يمارسون ما سماها السياحة الحزبية داخل المجلس التأسيسي.
وعلّق عضو حركة وفاء أزاد بادي بالقول «لن نعترف بكتلة حركة نداء تونس وسنعتبرها غير موجودة أصلا».
وتمثّل هذه التصريحات المتطابقة تقريبا دليلا على أنّ أحزاب الترويكا التي ترفض التعامل مع حزب حركة «نداء تونس» خارج المجلس التأسيسي وتتهمه بأنه نسخة جديدة من التجمع المنحلّ بنت مواقفها على اعتبارات سياسية لأنه لو كان الأمر مبدئيا لعبّرت هذه الأطراف منذ البداية عن رفضها مبدأ الانتقال بين الكتل، وما يؤكّد هذه القراءة موقف تلك الأحزاب من الانشقاقات التي شهدها تيار العريضة الشعبية الذي تحوّل في ما بعد إلى حزب.
ويُعتبر حزب العريضة الشعبية للحرية والعدالة والتنمية أكثر الأطراف «المتضررة» من ظاهرة «هجرة» النواب وانتقالهم إلى كتل جديدة حيث كان للعريضة الشعبية في البداية 26 مقعدا لكنه شهد انشقاقات وانسحاب عدد كبير من المنتسبين إليه حتى فقد كتلته بتدني عدد النواب المنتسبين إليها إلى ما دون العشرة نواب، وهو الحد الأدنى لتشكيل كتلة.
وفي هذا السياق قال رئيس دائرة الشؤون السياسية لحزب العريضة الشعبية نزار نصيبي «إن تصريحات بعض رؤساء الكتل بمن فيهم كتل الأحزاب الحاكمة في المجلس الوطني التأسيسي بخصوص تكوين كتلة نداء تونس، تعطي الدليل الواضح على المظلمة التاريخية التي تعرضت لها العريضة الشعبية حينما حققت فوزا لم يتوقعه جهابذة السياسة الحالية، فأين كانت هذه المواقف في الوقت الذي كان فيه بعض نواب العريضة الشعبية يتنقلون من حزب إلى آخر؟».
وأضاف نصيبي «لقد سمعنا أحد الأطراف يتحدث عن السياحة الحزبية وآخر يرفض التعامل مع كتلة نداء تونس ويعتبرها هجينة بينما يستنكر طرف آخر التنقل من حزب إلى آخر فيا للغرابة من هذه المواقف التي لم تظهر بهذه القوة إلا في الوقت الحاضر.»
وخاطب المسؤول في حزب العريضة هؤلاء النواب بالقول «إن صمتكم المريب في ذلك الوقت الذي كانت فيه العريضة الشعبية تتعرض للإقصاء ومحاولة تفكيكها هو في الواقع دليل آخر على تواطؤكم من أجل إبعاد العريضة الشعبية من الحياة السياسية وبالتالي حرمان الشعب التونسي من فرصة تاريخية للحصول على الصحة المجانية ومنحة البطالة والتنقل المجاني للمسنين».
استغراب... وتبرير
في المقابل استغرب النائب محمد على النصري المنشق عن تيار العريضة والمنتمي حديثا لحزب الباجي قائد السبسي من موقف الأحزاب ورؤساء الكتل تجاه كتلة «نداء تونس» التي يجري ترتيب تشكيلها رسميا، واصفا خطاب النواب بالخطاب الديكتاتوري والإقصائي.
ورأى خميس قسيلة، المنشق عن التكتل والذي من المنتظر أن يقود كتلة «نداء تونس» أنّه «لكل نائب الحق في اختيار الكتلة التي يريد مضيفا «نحن اليوم في مرحلة تأسيسية وفي مرحلة تكوين الأحزاب خاصة بعد تغيير المواقف منها والانضمام الى كتلة أخرى كان مسبوقا بالانسحابات فكل الأحزاب جديدة وهي مشاريع أحزاب باستثناء النهضة.»
وعن تغيير الكتل اعتبر قسيلة أنّ «هذه ظاهرة طبيعية في مرحلة أولية للحياة الحزبية ولن يكون لهذه الحركة أي تأثير على النائب بقدر ما سيكون لها تأثير على الخارطة داخل المجلس فالأقليات ستتغيرّ هذا المشهد جديد ولن يكون له تأثير على النائب لأن كل نائب هو نائب للشعب وليس لحزب وبالتالي فهو يختار وينضم إلى الكتلة التي يرى أنها تمثل الشعب».
عبد العزيز القطي المستقيل من حزب المؤتمر والذي انضمّ إلى «نداء تونس» اعتبر أنه «لا خيانة في الانتقال من كتلة إلى أخرى». وقال القطي «لم نخن ناخبينا وهناك من غلب عليه الهاجس والخوف من «نداء تونس» خاصة بعد ان أشاعت حركة النهضة أن الحزب الجديد الذي هو منافس لها هو عودة ل «التجمع» وبالتالي فإنّ انضمام النواب الى كتل أخرى ليس من باب الخيانة والمسألة مردود عليها».
لا قيود قانونية
ورغم أنّ الأمر يبدو للوهلة الأولى مستهجنا وغير منطقي باعتبار أنّ النائب ترشح وفاز في الانتخابات بناء على برنامج منسوب إلى حزب معيّن أو إلى قائمة مستقلة بعينها ومن ثمة لا يمكن التنصّل من الوعود الانتخابية التي قدّمها وفاز على أساسها فإن القانون يؤكّد ان لا شيء يقيّد النائب ويمنعه من الانتقال من كتلة إلى أخرى.
وفي هذا الباب قال أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد إنّ «تنقل النائب من كتلة الى أخرى وانسلاخه عن حزبه وكتلته أمر يتعلق بمبدإ وفيه حرية اختيار تخص النائب وهذه الحرية لا يمكن تقييدها بأي شكل من الأشكال فلو تم تقييدها وفرض الانتماء قسرا الى كتلة لم يعد النائب يرغب في الانتماء إليها كيف سيكون موقفه ممّا يطرح عليه من مشاريع قوانين ومقترحات وكيف سيكون موقفه من أي مسألة سيناقشها المجلس.»
وأوضح سعيّد أنّ «هذا التقييد يجب أن يتم داخل الأحزاب كأن يتم رفت النائب من الحزب عملا بالنظام الداخلي وقد عُرِف مثل هذا التقييد في عدد من الأحزاب الفرنسية في القرن الماضي وفي إطار التأسيس للجمهورية الرابعة فكان النائب يقدّم استقالة على بياض.»