ألمانيا.. انهيار سدّ بسبب الفيضانات و شلل تام في المواصلات    العجز المسجل في الاموال الذاتية لشركة الفولاذ بلغ قرابة 339 مليون دينار خلال 2022..    إطلاق منصّة جبائية    الولوج الى منصّة الكنام بالهوية الرقمية    علوش العيد .. أسواق الشمال الغربي «رحمة» للتونسيين    بن عروس.. نتائج عمليّة القرعة الخاصّة بتركيبة المجلس الجهوي و المجالس المحلية    لوقف الحرب في غزّة .. هذه تفاصيل المقترح الأمريكي    رابطة الأبطال: الريال بطل للمرّة ال15 في تاريخه    رادس: محام يعتدي بالعنف الشديد على رئيس مركز    عادل خضر نائب لأمين اتحاد الأدباء العرب    أمطار الليلة بهذه المناطق..    إختيار بلدية صفاقس كأنظف بلدية على مستوى جهوي    الرابطة 2.. نتائج مباريات الدفعة الثانية من الجولة 24    بنزرت: وفاة أب غرقا ونجاة إبنيه في شاطئ سيدي سالم    كرة اليد: الترجي يحرز كأس تونس للمرة 30 ويتوج بالثنائي    شاطئ سيدي سالم ببنزرت: وفاة أب غرقا عند محاولته إنقاذ طفليه    تحذير طبي: الوشم يعزز فرص الإصابة ب''سرطان خطير''    3 دول عربية ضمن أعلى 10 حرارات مسجلة عالميا مع بداية فصل الصيف    محرزية الطويل تكشف أسباب إعتزالها الفنّ    إستقرار نسبة الفائدة عند 7.97% للشهر الثاني على التوالي    الحمادي: هيئة المحامين ترفض التحاق القضاة المعفيين رغم حصولها على مبالغ مالية منهم    عاجل/ الإحتفاظ بشخص يهرّب المهاجرين الأفارقة من الكاف الى العاصمة    بداية من اليوم: اعتماد تسعيرة موحّدة لبيع لحوم الضأن المحلية    بلاغ مروري بمناسبة دربي العاصمة    عاجل/ الهلال الأحمر يكشف حجم المساعدات المالية لغزة وتفاصيل صرفها    وزارة التربية: نشر أعداد ورموز المراقبة المستمرة الخاصة بالمترشحين لامتحان بكالوريا 2024    الهلال الأحمر : '' كل ما تم تدواله هي محاولة لتشويه صورة المنظمة ''    عاجل/ إتلاف تبرعات غزة: الهلال الأحمر يرد ويكشف معطيات خطيرة    110 مليون دينار تمويلات لقطاع التمور...فرصة لدعم الإنتاج    غرق قارب بأفغانستان يودي بحياة 20 شخصا    غدا : التونسيون في إنتظار دربي العاصمة فلمن سيكون التتويج ؟    كرة اليد: اليوم نهائي كأس تونس أكابر وكبريات.    تجربة أول لقاح للسرطان في العالم    بعد إغتيال 37 مترشحا : غدا المكسيك تجري الإنتخابات الاكثر دموية في العالم    أنس جابر معربة عن حزنها: الحرب في غزة غير عادلة.. والعالم صامت    وزيرة الإقتصاد و مدير المنطقة المغاربية للمغرب العربي في إجتماع لتنفيذ بعض المشاريع    حريق ضخم جنوب الجزائر    وزير الصحة : ضرورة دعم العمل المشترك لمكافحة آفة التدخين    عاجل/ بنزرت: هذا ما تقرّر في حق قاتل والده    اتحاد الفلاحة: هذه اسعار الأضاحي.. وما يتم تداوله مبالغ فيه    قتلى في موجة حر شديدة تضرب الهند    غمزة فنية ..الفنان التونسي مغلوب على أمره !    لأول مرة بالمهدية...دورة مغاربية ثقافية سياحية رياضية    من الواقع .. حكاية زوجة عذراء !    الانتقال الطاقي...مشروع للضخ بقدرة 400 ميغاواط    انطلاقا من غرة جوان: 43 د السعر الأقصى للكلغ الواحد من لحم الضأن    رئيس الحكومة يستقبل المدير العام للمجمع السعودي 'أكوا باور'    مفقودة منذ سنتين: الصيادلة يدعون لتوفير أدوية الإقلاع عن التدخين    أول تعليق من نيللي كريم بعد الانفصال عن هشام عاشور    البرلمان : جلسة إستماع حول مقترح قانون الفنان و المهن الفنية    مستشفى الحبيب ثامر: لجنة مكافحة التدخين تنجح في مساعدة 70% من الوافدين عليها على الإقلاع عن التدخين    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 2 جوان    الرابطة المحترفة الأولى: مرحلة تفادي النزول – الجولة 13: مباراة مصيرية لنجم المتلوي ومستقبل سليمان    الإعلان عن تنظيم الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية من 23 إلى 30 نوفمبر 2024    من أبرز سمات المجتمع المسلم .. التكافل الاجتماعي في الأعياد والمناسبات    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    عندك فكرة ...علاش سمي ''عيد الأضحى'' بهذا الاسم ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التقاه خالد الحداد : الجامعي جمال بن طاهر ل «الشروق» - الدولة المدنية لا يؤثر فيها الاستقطاب
نشر في الشروق يوم 26 - 11 - 2012

المنتدى : «المنتدى» فضاء للتواصل مع قراء «الشروق» بصيغة جديدة ترتكز على معرفة وجهات نظر الجامعيين والأكاديميين والمثقفين حيال مختلف القضايا والملفات ووفق معالجات نظريّة فكريّة وفلسفيّة وعلميّة تبتعد عن الالتصاق بجزئيات الحياة اليوميّة وتفاصيل الراهن كثيرة التبدّل والتغيّر ، تبتعد عن ذلك الى ما هو أبعد وأعمق حيث التصورات والبدائل العميقة اثراء للمسار الجديد الّذي دخلته بلادنا منذ 14 جانفي 2011.

اليوم يستضيف «المنتدى» جمال بن طاهر الحاصل دكتورا المرحلة الثالثة في التاريخ كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس وعلى التأهيل الجامعي من نفس الكلية وله عدد من المؤلفات التي تهمّ ضروب التاريخ للدولة التونسيّة الحديثة والعديد من القضايا الأخرى ذات الصلة بالتحولات المجتمعية والتراث والأرشيف .

وقد سبق للمنتدى أن استضاف كلا من السادة حمادي بن جاب الله وحمادي صمّود والمنصف بن عبد الجليل ورضوان المصمودي والعجمي الوريمي ولطفي بن عيسى ومحمّد العزيز ابن عاشور ومحمد صالح بن عيسى وتوفيق المديني وعبد الجليل سالم ومحسن التليلي ومحمود الذوادي ونبيل خلدون قريسة وأحمد الطويلي ومحمد ضيف الله والمفكر العربي الافريقي رشاد أحمد فارح واعلية العلاني الّذين قدموا قراءات فكريّة وفلسفيّة وسياسيّة معمّقة للأوضاع في بلادنا والمنطقة وما شهدته العلاقات الدولية والمجتمعات من تغيّرات وتحوّلات.

وبامكان السادة القراء العودة الى هذه الحوارات عبر الموقع الالكتروني لصحيفتنا www. alchourouk. com والتفاعل مع مختلف المضامين والأفكار الواردة بها.

انّ «المنتدى» هو فضاء للجدل وطرح القضايا والأفكار في شموليتها واستنادا الى رؤى متطوّرة وأكثر عمقا ممّا دأبت على تقديمه مختلف الوسائط الاعلاميّة اليوم، انّها «مبادرة» تستهدف الاستفادة من «تدافع الأفكار» و«صراع النخب» و«جدل المفكرين» و«تباين قراءات الجامعيين والأكاديميين من مختلف الاختصاصات ومقارباتهم للتحوّلات والمستجدّات التي تعيشها تونس وشعبها والانسانيّة عموما اليوم واستشرافهم لآفاق المستقبل.

وسيتداول على هذا الفضاء عدد من كبار المثقفين والجامعيين من تونس وخارجها ، كما أنّ المجال سيكون مفتوحا أيضا لتفاعلات القراء حول ما سيتمّ طرحه من مسائل فكريّة في مختلف الأحاديث (على أن تكون المساهمات دقيقة وموجزة – في حدود 400 كلمة) وبامكان السادة القراء موافاتنا بنصوصهم التفاعليّة مع ما يُنشر في المنتدى من حوارات على البريد الالكتروني التالي:news_khaled@yahoo. fr.

كيف تقرؤون ما حدث في تونس منذ 14 جانفي 2011 في سياق التاريخ الاجتماعي لتونس؟ أعني هل نحن فعلا ازاء ثورة وما الذي تستدعيه هذه الثورة على المستوى الاجتماعي؟

ما حدث في تونس منذ 14 جانفي 2011 هولا محالة تتويج ونتيجة حتمية لتحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية عاشتها البلاد منذ عقود وتحديدا منذ أول أزمة خطيرة في دولة الاستقلال أزمة جانفي 1978. فمنذ ذلك التاريخ دخلت البلاد في مرحلة مخاض وصراع بين أطراف اجتماعية وسياسية متعددة وبين سلطة لم تبحث الاّ عن حلول وقتية وترقيعية للمشاكل المتراكمة وفي طليعتها مشاكل التنمية في الجهات الداخلية ومشاكل التشغيل ومشاكل الشباب فضلا عن المشاكل السياسية كعدم الاقتناع بارساء الديمقراطية وعدم فسح المجال أمام المعارضة بكلّ أطيافها.

وهكذا تأجّلت الحلول الجذرية لاصلاح الأوضاع الى أن تسارعت الأحداث واشتدّ الاحتقان الاجتماعي بداية بأحداث الحوض المنجمي سنة 2008 والتي مهدت لأحداث ديسمبر 2010 ثم ل14 جانفي 2011. ولقد اعتبرت العناصر الفاعلة في هذه الأحداث ومعظمها من الشباب العاطل عن العمل ومن بعض النخب ومن نقابيين خاصّة وبعض النشطاء في المجتمع المدني أن ما حدث هو ثورة وتصنيف الفاعلين وحكمهم يهمنا في المقام الاول بدون شك بل أصبح النقاش بعد 14 جانفي 2011 حول طبيعة هذه الثورة مقارنة بغيرها من الثورات حيث أجمع المحلّلون في الداخل والخارج على ريادية الثورة التونسية في اطار ما أصبح يعرف بالربيع العربي.

ولئن كان من الصعب الحسم في هذه القضية باعتبارنا نعيش تحت وطأة الحدث ولقربنا منه فانّه لا شكّ أن سقوط شهداء وتغيير مؤسسات النظام القديم واجراء انتخابات واطلاق الحريات وغيرها من الأحداث التي وقعت منذ 14 جانفي 2011 تلبية لجزء من المطالب التي نادى بها المنتفضون والمعتصمون خاصة في القصبة 1 و2 لا يمكن الاّ أن يكون من مؤشرات الثورة وعناصرها الأساسية ولكنها تبقى ثورة على الطريقة التونسية ويبقى وقود هذه الثورة المطالب الاجتماعية من تحقيق للكرامة والشغل والتنمية بمفهومها الشامل. ومع ذلك فان البعض من الدارسين اعتبروا الحدث انتفاضة أو هبة شعبية على غرار انتفاضة الارياف التونسية في 1864.

ما دور الأكاديميين والجامعيين في مثل هذه المسارات الثورية؟

لعب الجامعيون على الدوام دورا مهمّا في المسارات الثورية سواء منها ثورة التحرّر الوطني والنضال ضدّ الاستعمار أوفي بقية المحطات الثورية بما فيها 14 جانفي 2011. غير أنّ أطرافا أخرى منافسة بصفة شريفة للجامعيين برزت على الساحة في الأحداث الأخيرة كالمحامين والاعلاميين والنقابيين والمبدعين وغيرهم من الفئات فحجبت دورهم كنخبة وكمثقفين في مجتمعهم. فلم يعد الاهتمام بالشأن العام ولم يعد العمل السياسي والنقابي حكرا على طرف دون آخر. وهكذا نجد أن الجامعيين وان اختلفوا من حيث انخراطهم في المسار الثوري من جامعي الى آخرفلا يمثلون كتلة متجانسة فانهم بانخراطهم أولا في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والتي ترأسها باقتدار كبير الجامعي عياض بن عاشور وفي ترشح عدد لا بأس به من الجامعيين لانتخابات المجلس التأسيسي مؤشر على دورهم في المسار الثوري. لا يمكن ان ننسى اسهام الجامعيين في تلك المرحلة المظطربة في بلورة الرؤى وتسيير الانتقال الديمقراطي.

وفي هذا الصدد لا بدّ أن نذكر وجود عدد من الجامعيين في الترويكا الحاكمة بل بعضهم من القيادات من أمثال عدنان منصر وأبو يعرب المرزوقي وغيرهما كما لا بدّ أن نذكر الناشط السياسي الوزير مهدي مبروك؛ أمّا من المعارضة فالقائمة طويلة نذكر منها العميد الصادق بلعيد والفاضل موسى وقيس سعيد وسمير الطيب وأحمد ابراهيم وأحمد الخصخوصي وغيرهم من الجامعيين كثير. كما نجد عددا لا بأس به من الجامعيين المستقلين والمنخرطين بحماس في المسار الثوري وفي العمل الجمعياتي ونذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر مصطفى التليلي ولطيفة لخضر وعبد المجيد الشرفي ومحمّد الطّالبي وغازي الغرايري وجوهر بن مبارك. . الخ. فالجامعيون من النساء والرجال ومن مختلف الأجيال والتخصصات بحضورهم الاعلامي وانتاجهم العلمي ولا سيما الدراسات التي صدرت عن الثورة كأعمال فتحي ليسير ومولدي لحمر وسالم الأبيض الخ. . . فضلا عن مشاركتهم في الندوات والملتقيات العلمية قد ساندوا الثورة وانخرطوا فيها الى درجة أن البعض يتحدّث عن سرقة الثورة من قبل النخب وهذا رأي قابل للنقاش لأنّ البعض الآخر يرى أن الجامعيين مازالوا اذا ما استثنينا البعض منهم في برجهم العاجي ينعمون؟فتحية لكل الجامعيين وحتى الى أولئك الذين خيروا العزلة والانقطاع الى المعرفة والتدريس أو من يطلق عليهم تقنيو المعرفة. ويبقى السؤال المركزي في اعتقادي هو هل هناك حاجة فعلية للجامعيين ؟ وهل هناك طلب اجتماعي من السلطة والمجتمع عليهم ؟. هل من تقدير لدور الجامعيين في تأطير المجتمع وفي الاستشراف وفي لعب دور الوساطة على الاقل بين السلطة والمجتمع.

كشفت مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق حالة من الصراع على السلطة وكذلك حالة من الصراع المجتمعي. كيف تستشرفون مآل هذين الصراعين؟

الصراع والحراك الاجتماعي والسياسي اذا ما التزمت الأطراف المتصارعة بحدود وضوابط مؤشر على حيوية المجتمع والطبقة السياسية في آن. ومن الطبيعي ان من كان في السلطة يسعى بكل الطرق للبقاء فيها وليس في الامر بدعة. أمّا اذا نحا الصراع منحى العنف أو الاقصاء للوصول الى سدة الحكم أو التشبث به فان ذلك لا يمكن الاّ أن يتسبب في التراجع وفي فقدان البلاد لما أنجزته الثورة على الأقل في مستوى الحريات والآمال والانتظارات. فحين نتأمل في خلفيات الاحتجاجات على تطبيق الشريعة نجد اصلها عائدا الى وجهتي نظر مختلفتين بين التيارات الاسلامية والتيارات العلمانية في قطيعة تامة مع مطالب الثورة واهدافها.

وحين عرض الامر على المجلس التشريعي ووجد حظه من النقاش حصل التوافق على الفصل الاول من الدستور. وعلى هذا النحولا بد من ارساء آليات الحوار والتوافق بين الفرقاء السياسيين وبين الأطراف الاجتماعية داخل المجلس التأسيسي وخارجه. فليس امامنا اليوم حلول عديدة غير التوافق والحوار ، فلا بدّ من تثمين مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل وتفعيلها وعلى الحكومة أن تعتبر الاتحاد شريكا فاعلا في ارساء السلم الاجتماعية وان المعارضة رغم تشنج الخطاب السياسي أحيانا هي عنصر بناء وشريك أساسي في الفترة الانتقالية لدرء الأخطار وعدم النكوص بالبلاد الى الوراء.

ولا شك ان النظام المنبثق من تنافس ديمقراطي على السلطة هو الأنجع والأقرب لقلوب الناس وسنصل الى ذلك رغم كل الصعوبات والتحديات. فالتاريخ كما يقال لا يسير الى الوراء ولا يعيد نفسه.

لكم اهتمامات بالمغرب العربي. كيف يمكن تطوير هذا الفضاء وهل له آفاق في ظلّ التحولات الجديدة؟

انّ اهتماماتي بمجال المغرب العربي هي اهتمامات علمية بالأساس وتحديدا البحث في تاريخ المغرب العربي في العصور الحديثة. وفي هذا الصدد نلاحظ عديد المظاهر المشتركة وأن المصير واحد وان وحدة المغرب العربي حتمية بحكم التاريخ المشترك السابق والحاضر والمستقبل. وقد بيّنت الدراسات العلمية أن كلفة عدم بناء المغرب العربي باهظة الثمن. فالأمل لازال قائما في الوصول الى نتيجة ولكن الأمر مازال معقودا بايجاد حلول وقنوات حوار واتصال بين الأنظمة والشعوب. فلا سبيل ان تفرض الوحدة على المغاربة بقرار فوقي أو من الضغوطات الخارجية ولكن يمكن لها ان تلعب دور المحفز الدافع لتطوير أشكال التقارب والوحدة. فاذا كان القرن السادس عشر هوقرن الامبراطوريات فان القرن الحادي والعشرون هو قرن التكتلات الاقتصادية الكبرى.

هناك صعود للعديد من الظواهر منها تفشي الانفلاتات الأمنية والاجتماعية وهناك أيضا من يتحدّث عن تهديد لأسس الدولة. بحسب رأيكم هل هذا أمر طبيعي؟

الانفلاتات الأمنية والانفلات في جميع المجالات من الظواهر المصاحبة للثورات والانتفاضات فهي من هذه الزاوية طبيعية في فترة انتقالية. فالانفلات العرضي لا يجب ان يتحول الى ظاهرة هيكلية ومزمنة. لذلك يجب على السلطة التعامل مع هذه الظاهرة في اطار القانون لكن مع شيء من الحزم والصرامة في تطبيق القانون حتى يقع الحفاظ على هيبة الدولة وعلى الأرزاق والأرواح البشرية. فالدولة هي الوحيدة المسموح لها باحتكار العنف وممارسة الرّدع لفائدة الصالح العام. فلا مجال للقبول بميليشيات والركوب على الثورة والادّعاء بحمايتها. فقد غدت لجان حماية الثورة مثلا في بعض الجهات وبعض الجمعيات في خدمة مقصد سياسي مجرد من كل نبل وهو توطيد نفودها وهيمنتها. ولعلنا لا نجانب الصواب عندما نعتبر دلك انحرافا بالثورة يحرمنا من الحلم بتغير الأوضاع واتجاهها نحو الانفراج. ومع الوعي بخطورة بعض الانفلاتات فاننا نعتقد ان الدولة قي تونس وتقاليد الحكم والمؤسسات وصلت الى درجة من التركز والصلابة التي لا يمكن الا ان تدعم اسس الدولة.

هل مصطلح الانتقال الديمقراطي يشمل البنى المجتمعية والثقافية والتربوية؟

هذا المصطلح هو بدرجة أولى مصطلح سياسي وحقوقي ينطبق على الدول التي تنتقل من نظام استبدادي الى نظام ديمقراطي بصفة فجئية وعلى اثر ثورة وفق آليات متنوعة كما وقع في بلدان اوروبا الشرقية مثلا. وفي هذا الصدد لابد ان نلاحظ ان هذا المفهوم المركب يطرح أكثر من سؤال حول دلالته بالرغم من كثرة استعماله. فهو يعبر عن مسار وعن رغبة في ارساء نظام ديمقراطي بطريقة سلسة وسلمية مما يستدعي التدرب على آليات الانتقال الديمقراطي والاستئناس بتجارب عدة دول في مجال كتابة الدستور وتنظيم الانتخابات والعدالة الانتقالية. . . الخ.

ولعلنا في حاجة أكيدة لتبسيط المفهوم من جهة والى تنظيم ورشات وملتقيات لتكوين المكونين في مجالات الانتقال الديمقراطي. أمّا الانتقال الديمقراطي في أبعاده الاجتماعية والثقافية والتربوية فهو يتطلب برامج ورؤى وعمل في العمق وبالتالي فترة زمنية أطول ومواكبة للتحولات السياسية وبناء الديمقراطية. وهو من هذه الزاوية يتجاوز الآليات المتداولة ويهدف الى القطيعة مع الماضي بكل سلبياته وهو ما يتطلب مزيدا من الوقت ومزيدا من الجهد والامكانيات المادية والبشرية. فمن المعلوم ان التحولات في البنى الاجتماعية والثقافية لا تتم بنفس السرعة ولا بنفس النسق الذي تتحول به البنى السياسية. فالغاء الرق والعبودية في تونس سنة 1848 لم يمنع من تواصلهما حتى مجيء الاستعمار في بعض الجهات وعند بعض العائلات.

هل هناك مدى زمني لهذا الانتقال؟ متى يمكن أن نصل الى مرحلة الديمقراطية والاستقرار الأمني والاجتماعي؟

حسب تجارب بعض الدول التي عاشت الانتقال الديمقراطي كجنوب افريقيا وبولونيا والبرتغال وغيرها فان الفترة الزمنية للوصول لبرّ الأمان والاستقرار السياسي والاجتماعي تقدّر بين خمس وعشر سنوات ولكن لا يمكن في الحقيقة تقدير ذلك بصفة مسبقة. فقد مرّت اليوم على الثورة سنتان تقريبا ومازلنا نتحسّس الخطى ومازالت التجاذبات السياسية قائمة حول عدة قضايا ومنها حول العدالة الانتقالية وكتابة الدستور الخ.. وفي هذا الصدد لا بد من توضيح الرؤية ووضع خريطة طريق وتحديد تواريخ الانتخابات القادمة. وهكذا تقدم الحكومة رسائل طمانة نحو الداخل ونحو الخارج. لكن هناك عوامل وطوارئ وضغوطات على السلطة وعلى المجتمع من شانها ان تؤجل عملية الانتقال الديمقراطي. ومهما كانت ظروف التخفيف فان السلط الثلاث من مجلس تأسيسي ورئاسة حكومة ورئاسة الجمهورية سوف تحمل مسؤولية التباطؤ في انجاز عملية الانتقال الديمقراطي. ولقد أصيب مؤخرا المجلس التأسيسي بنيران صديقة وهي انتقادات رئيس الحكومة لنسق عمله ووتيرته. ونحن نعتقد ان التخوف من اطالة المدة لكتابة الدستور تخوف مشروع لما يمكن ان يكون له من عواقب وخيمة على الانتقال الديمقراطي.

كيف تفسّرون البروز اللافت لظاهرة السلفية المتطرّفة في مجتمع تونسي عرف بالحداثة والاعتدال والتسامح؟ هل هذه الظاهرة تمثل خطرا حقيقيّا أم هي عابرة لا يمكن التأثير في مكتسبات الحداثة؟

بعد كلّ ثورة وفي الفترات الانتقالية وفي الأزمات عادة ما تطفو على السّاحة مظاهر التطرف والتشدّد والغلو في جميع المطالب ولا سيما ما له صلة بالهوية وبالشعور الديني والانتماء. فلا غرابة في ظهور التيار السلفي على واجهة الاحداث وقد كان كامنا في مستوى ألاّ شعور وفي وجدان بعض الفئات المهمّشة والفقيرة والتي لم تستفد من الحداثة والانفتاح على الحضارة الغربية والقيم الانسانية ولم تستوعبها لعدة اسباب. فظهر علينا بعد الثورة شباب يلبس على الطريقة الافغانية فيطلق اللحية وينهج سلوكا غريبا ومعاديا للمرأة . كما ظهرت نساء وفتيات منقبات ومدافعات على تعدد الزوجات وعلى بعض الافكار والسلوكيات الغريبة عن مجتمعنا. ولكن السلفية سلفيات وان كان بينها وشائج ود واخوة فان البعض منها عرف بتبني العنف وبتبني مقاربات وأطروحات ظلامية ترفض الديمقراطية وتكفرها.. الخ. ولكن اصحاب هذا الرأي يفتقدون الى قيادة وطنية وهم مرتهنون في قراراتهم لمراكز قوى خارجية فضلا عن اختراقهم من أجهزة المخابرات حسب ما قيل وذكر في بعض الصحف. كما يصطدم اتباع السلفية الجهادية باغلبية من الشباب المتدين والمعتدل والمنفتح على كل الحضارات والاخذ بطرق الحداثة واغلبهم من الشباب المتعلم في الجامعة حيث لا يمثل للتيار السلفي اليوم بكل الوانه سوى اقلية مشاغبة. وعلى هذا النحو يمكن القول أن الظاهرة السلفية كفكر وكممارسة لا يمكن أن تتغلب على مكتسبات الحداثة ولا يمكن للظاهرة أن تنمحي في تونس تماما. وليس من المستبعد ان الصخب والضجيج المرافق لتحركات واحتجاجات التيار السلفي في المساجد وفي احداث السفارة الامريكية وفي اضرابات الجوع في السجون يهدف الى عزل العناصر المتشددة من جهة وتمهيد الطريق للعناصر المعتدلة. ولا شك عندي في ان السلفيين سيحصلون على مقاعد في الهيئات الانتخابية القادمة. ولكن لا بدّ من الوعي بخطورة السلفيين الذين يتبنون العنف ويطرحون مشروعا مجتمعيا يقوم على التنكّر لكلّ المكاسب وللفكر الاصلاحي والمعتدل المميز للبلاد التونسية منذ قرون. فمشكلتنا الأساسيّة مع من يمارس العنف والاستبداد باسم الدين وقيمه السمحاء وليس مع فهم خاص اوممارسة للاسلام.

كتبتم عن الفساد في الدّولة التونسية. ما هي مستويات وأنماط هذا الفساد خلال حكم الرئيسين بورقڤيبة وبن علي؟

يعود اهتمامي بقضية الفساد الى الثمانينات حيث أنجزت باشراف الأستاذ محمّد الهادي الشريف أطروحة عن الفساد في تونس خلال الفترة الممتدّة بين 1705 و1840. وتواصل اهتمامي بالمسالة فقد نظمت في بدا ية شهر نوفمبر 2012 في اطار مخبر دراسات مغاربية يوما دراسيا حول الفساد والرشوة وسنواصل البحث والاشتغال على الموضوع لراهنيته. فقد كانت قضايا الفساد وراء الثورة في مصر على نظام مبارك وكذلك الشان في ليبيا حيث كان القذافي وابناؤه يمثلون اكبر شبكة فساد في ليبيا وفي العالم . وظاهرة الفساد ظاهرة عرفتها المجتمعات الانسانية على مرّ العصور ولكنها تختلف من بيئة الى أخرى ومن عصر الى آخر. والفساد منظومة معقّدة ومن الصعب تصنيفه وحصر المجالات التي يشملها ولكن تبسيطا للمسألة يمكن الانطلاق من المعنى العام الى الخاص بحيث الفساد هو كلّ عمل لا أخلاقي يتنافى وقوانين ونواميس الدّولة والمجتمع وينجرّ عنه منفعة للفاسد وضرر للفرد والمجموعة. واذا ما تجاوزنا هذا التحديد العام للفساد فان أكثر ما ظهر في تونس منذ العصور الحديثة هو الفساد المالي والاداري والذي اقترن بالرشوة والمحسوبية. ولئن كان الفساد المالي والاداري محدودا في عهد الرئيس الرّاحل بورڤيبة فانهّ قد أصبح منظومة وثقافة في تونس بعد 1987. فقد عرف بورقيبة وعرف اغلب وزرائه بطهريتهم وعدم جريهم على الثروة والمال. بل ان اغلب القوانين التي تنظم صرف الأموال العمومية والفصل الصارم بين ما هو خاص وما هو عام قد أرساها النظام البورقيبي. ثمّ ظهر الفساد وطال جميع المجالات واقترن خاصّة بالاستبداد فطبيعة الحكم المستبد في زمن بن علي وغياب الحريات والديمقراطية هي التي جعلت الفساد يأخذ أبعادا كارثية أتت على مكتسبات الدولة والمجتمع والأفراد. فضرب الفساد المؤسسات الجمهورية من ادارة وديوانة وأمن وسطا الفاسدون من العائلات المتنفدة وشركائهم على الثروات والأرزاق ولم يسلم التراث ولا التعليم ولا الرياضة.. الخ من كلّ ذلك.

هناك حديث عن تواصل الفساد بعد الثورة، كيف تفسرون ذلك؟ وفي تقديركم كيف السبيل لحماية الدولة والمجتمع من مختلف مظاهر الفساد وخاصة الخطير منه؟

ظاهرة الفساد ظاهرة لا يمكن القضاء عليها بالسهولة التي نتخيلها ولا سيما في هذه الفترة الانتقالية التي غابت فيها الأجهزة الرقابية للدولة وضعفت وقلّت فيها الامكانيات المادية في حين أن شبكة الفساد والظروف الموضوعية للرشوة مازالت قائمة. فقد تقلص الانضباط في الادارة بوجه عام ولم يقع تتبع رموز الفساد والكشف عن المتعاونين معهم.

ولازال المواطن يعتبر ان قضاء الشؤون الخاصة يمر عبر الرشوة وانه بعد الطرابلسية حل محلهم طرابلسية جدد حسب ما تم رفعه من شعارات في المظاهرات والتحركات الاخيرة. فلا بدّ اذن من العمل على وضع برنامج واضح المعالم وطويل المدى لمقاومة الظاهرة ذلك أنّ وجود وزارة لمقاومة الفساد وللحوكمة ووجود هيئة عليا لمقاومة الرشوة والفساد وغيرها من المؤسسات فضلا عن وجود جمعيات تنشط في مجال مكافحة الفساد غير كاف لاستئصال الظاهرة من جذورها فلابد من تكوين الخبراء والاطارات وتدعيم هياكل الرقابة وارساء الشفافية في الادارة ومراجعة الخيارات التنموية والمجتمعية وتغيير العقليات. . الخ ففي هذا الصدد نشير ان الهيئة العليا لمقاومة الرشوة والفساد والتي يرأسها الاستاذ سمير العنابي ترزح تحت وطأة آلاف الملفات والقضايا. فلم تتمكن اللجنة رغم صدق النوايا الا احالة بعض مئات من الملفات على القضاء. ونحن نعتقد ان القضاء سيجد صعوبات تقنية ومادية عويصة للفصل في كل ملفات الفساد.


هل من الممكن في نظركم أن ينجح الاسلام السياسي في ايجاد حلّ لمعضلة السلطة والحكم في العالم العربي؟

تم طرح هذا السؤال مند عقود ولا زال يطرح على الأنظمة وعلى النخب. لكن بعيدا عن اللغة الخشبية المستهلكة ما هو مطلوب اليوم من الاسلام السياسي في المجال العربي هو إرساء نظام ديمقراطي يكفل التداول على السلطة من جهة ويكفل الحريات الأساسية والفردية في اطار منظومة القيم الكونية والدولية مع تحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي. ونظرا لصعوبة هذه التحديات فان انجازها على الأرض يتطلب تضافر مجهود جميع التيارات السياسية والفكرية والمساهمة في هذا المسار وانجاحه والبقاء للأصلح . ومهما يكن من امر فعلى الاسلام السياسي بما انه وصل للسلطة في تونس وفي مصر وفي الغرب الاقصى ان يقيم الدليل وان يستوعب ويستلهم من التجارب الناجحة في ماليزيا وفي تركيا وهي مجالات اسيوية ومجتمعات لها اعرافها وتقاليدها. ولعل الامر يتطلب نخبا وزعامات جديدة تلائم بين الهوية العربية الاسلامية وقيم الديمقراطية وقوامها الانتقال الديمقراطي والتداول السلمي على السلطة واحترام الاقليات.. الخ.

الاستقطاب الايديولوجي بين الاسلاميين والعلمانيين هل يمكن علاجه؟ أعني هل من الممكن التعايش بين الطرفين في بلادنا؟

هذا الاستقطاب قديم في تونس يعود الى فترة الاستعمار والى بداية الحركة الوطنية فقد ظهرت بوادر الاستقطاب الايديولوجي في العمل السياسي والنقابي والثقافي. فمن المفيد ان نذكر بالصراع والخصومة بين الطاهر الحداد وانصاره حول كتاب «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» وبين التيار المحافظ والسلفي وقد مثله الشيخ صالح بن مراد صاحب كتاب الحداد على امرأة الحداد. وآلت الغلبة في النهاية الى العلمانيين والمناصرين للمرأة وللحداثة بوجه عام منذ الثلاثينات من القرن الماضي. غير ان الذي تغير اليوم مقارنة بالفترات التاريخية السابقة هو ما أصبح للتيار السلفي من فضاءات للتعبير والاحتجاج بداية بالمساجد والقنوات الفضائية والفضاء العام. كما لم يعد الخطاب السلفي مركزا على المرأة فقط وانما أصبح التركيز على الشرعة ودولة الحق والجهاد المقدس. . ان انتصار الحداثة وأدواتها من تعليم عصري وثقافة تعدد واختلاف ورؤى عصرية للأسرة وللعلاقات داخلها قد تم بصفة طبيعية ولم تعتمد الطبقة السياسية في اعتقادي على العنف في فرض الحداثة وانما كانت نتيجة للتحولات المجتمعية مع قبول التعايش مع الطرف المقابل الى حين بناء الدولة البورڤيبية وسيطرتها على مفاصل الدولة فاحتدّ الصراع من جدبد بين الرؤيتين ولم يخفت منذ السبعينات وعاد من جديد للظهور بعد الثورة. ولا شكّ أن الأمر سيتواصل بين الطرفين رغم اننا نملك مناعة نسبية ضد الفكر المتشدد. لكن ارساء النظام الديمقراطي وتغليب المصالح العليا للبلاد كفيلان بردم الهوة بين الطرفين وتقريب وجهات النظر. فالتعايش مع الآخر والتعايش المشترك والقبول بالآخر قيم حضارية وانسانية لابدّ من اشاعتها داخل المجتمع والدّفع باتجاهها لا سيما وانه توجد تجارب عديدة في تركيا وفي الغرب حيث يتعايش العلمانيون مع الاسلاميين في اطار دولة مدنية.

البعض يذهب الى أن مثل هذا الاستقطاب يمكن أن يكون مدمرا للدولة والمجتمع وحتى العائلة والأسر؟

اعتقد أنّ من يرى هذا الرأي يبالغ ويتجاهل بقية الأخطار التي تهدّد الدولة والمجتمع والأسرة. فللاستقطاب الايديولوجي عيوبه ولكن له بعض المحاسن وهي التنافس والسعي لتحقيق الأفضل واعطاء مسحة من الحيوية والحياة على مظاهر الحكم والسلطة الخ. . . أمّا الأخطار الحقيقية فهي غياب الحوار داخل المجتمع وداخل العائلة فضلا عن الاقصاء والتهميش والبطالة وانعكاسات ذلك على الأسرة والمجتمع. ولا ننسى كذلك أن من الأخطار التي تهدد الدولة والمجتمع قمع الحريات ولا سيما حرية التعبير وحرية الاعلام والحد منهما الخ. . . مع الملاحظة بأن البعض من وسائل الاعلام حاولت التضخيم من ظاهرة الاستقطاب دون تثبت وتحليل علمي لها ولا سيما ربطها بطبيعة الدولة. فالدولة المدنية لا يؤثر فيها الاستقطاب مهما كان نوعه. ففي الغرب وفي الولايات المتحدة الامريكية لم يمثل الاستقطاب السياسي خطرا على الدولة.
لكم اهتمامات بالأرشيف.

كيف يمكن حفظ أرشيف البلاد وحماية الذاكرة الوطنية من الاتلاف؟

لقد ساهمت بقسط متواضع في تسيير عمل مصالح الأرشيف الوطني كما ألقيت دروسا ونشرت أعمالا حول الوثائق الأرشيفية وعلاقتها بالتاريخ وبالذاكرة الوطنية. ويمكن القول أن المجهودات التي بذلت من قبل بعض الباحثين والمهتمين والعاملين في حقل الأرشيف والتوثيق عامة من أمثال الأساتذة عبد الجليل التميمي ومنصف الفخفاخ قد ساعدت على تغيير نظرة المجتمع والدولة لقطاع الأرشيف، وفي تغيير العقليات خطوة أساسية للحفاظ على الأرشيف من الاتلاف. لكن الى جانب الوعي والى جانب القوانين المنظمة للأرشيف لا بدّ من ارادة سياسية قوية تفسح المجال للمختصّين والخبراء من أبناء البلاد في الجامعة وفي كلّ مؤسسات الدّولة لتقوم بعملها بعيدا عن التجاذبات السياسية لأن الأرشيف والذاكرة هما ملك مشترك للجميع لكلّ التونسيين وخاصة للأجيال القادمة. فالدعوة ملحة لتحويل ما تكدّس من وثائق طوال الفترة الممتدّة من 1956 الى 2011 الى مبنى الأرشيف الوطني لمعالجتها المعالجة التقنية ولاحالتها في مرحلة موالية للقراء وللعموم في اطار القوانين المعمول بها ودونما رقابة ومزايدة لأنّ البعض يعتبر أن الأرشيف ولا سيما أرشيف وزارة الداخلية أصل تجاري وملك خاص يمكن استثماره في العمل السياسي. فأصبح هذا الأرشيف فزاعة يراد بها اقصاء الخصوم وتشويههم.

هذا ربما يحيلنا الى ملف العدالة الانتقالية كيف يمكن النظر الى هذا المسار من زاوية التاريخ والارشيف وتحقيق العدالة وكشف الحقائق؟

لا شك ان في التاريخ حكما وعبرا على حد عبارة ابن خلدون والذي ذكر ان العدل أساس العمران وان للدول أعمارا فلا تدوم السلطة ولا يستقر الحكم بيد فئة وانما حكمه ومدلوله التداول والانتقال من دولة الى أخرى. وغني عن البيان ما نجده في تاريخ تونس الحديث من تنديد لزعماء الاصلاح من امثال خير الدين واحمد ابن ابي الضياف وبيرم الخامس وغيرهم من دعوة لارساء نظام دستوري وتقييد للحكم المطلق بقانون ومقاومة للاستبداد والفساد. . . الخ. ففي وزارة خير الدين لنا من الوثائق الأرشيفية التي تبين انتهاجه لما يشبه العدالة الانتقالية في محاسبة القياد الذين تورطوا في ملفات فساد مالي. ان استدعاء التاريخ السياسي لا يعني التشابه المطلق في المشاكل والحلول ولكن نود من خلال بعض الامثلة التأكيد على انه يمكن توظيفها في ايجاد بعض الحلول دون السقوط في الديماغوجيا أو في الشعبوية. ان هذه القراءة للتاريخ وهذا التوصيف لما بات يسمى بالعدالة الانتقالية يبرز دور الخبرة من جهة ودور المؤسسة القضائية. فلا عدالة انتقالية الا بتأهيل الطبقة السياسة. وبالتوازي مع ذلك لا بد من تأهيل المؤسسة القضائية بما يمكنها من تحقيق العدالة بعيدا عن ضغوطات الشارع وعن تدخل السلطة. فاستقلالية القضاء شرط من شروط العدالة الانتقالية بداهة. فلا بد للمؤسسة القضائية ولكل المؤسسات الجمهورية وللسياسة ان تستعيد بريقها ومقامها الأصلي. ان كشف الحقيقة وتتبع الفساد يستند دون شك لوثائق ومستندات أو مؤيدات بلغة القضاء يمكن ان توجد في الأرصدة الأرشيفية بما يقيم الدليل على أهمية الوثائق الأرشيفية في الوصول الى العدالة الانتقالية. ومهما يكن من امر فان العدالة الانتقالية لا تفرض بالقوة وان عنف الوسائل يقضي على نبل الأهداف. وفي الختام لا بد لنا من نزعة تفاؤلية تجعلنا نثق ان يوما ما سنحقق الانتقال الديمقراطي رغما عن قوى الردة والجذب الى الوراء.

بعيدا عن السياسة ما هي اهتماماتكم وما هو تقييمكم للمشهد الاعلامي والثقافي في البلاد ؟

الاهتمام بالشأن العام وبالسياسة والتفاعل مع ابرز القضايا المحلية والدولية لا سيما القضية الفلسطينية قاسم مشترك بين كل التونسيين ولاكته قدر النخبة المثقفة. ولعل الجيل الذي انتمي اليه وان ولد في عهد الاستقلال ونشأ وترعرع في ظل الدولة البورقيبية فانه اكتوى بالنضال النقابي والسياسي وابتلي بالعمل الثقافي والجمعياتي. وعلى هذا النحو فإنه الى جانب التدريس والتأطير والبحث بحكم المهنة فإن ما يتبقى من وقت أنفقه في المطالعة والاطلاع على أغلب ما يكتب وينشر في الجرائد والمجلات فضلا عن الكتب والدراسات. وفي هذا الصدد ألاحظ تنوع المشهد الاعلامي وازدحامه بالعناوين وبالتجارب. وقد أصبحت كغيري متابعا للاعلام الالكتروني. وفي هدا الصدد نلاحظ بيسر بروز اقلام واعدة ورصدا معمقا للأحداث .

ولكن لا يجب التعميم طبعا فالاعلام أصبح يسير بسرعتين فضلا عن الفرق الواضح بين الاعلام العمومي والاعلام الخاص. ولا يسمح المجال للوقوف عند الصعوبات التي يشهدها القطاع والى وضعية العاملين فيه ولكني اقدر نضالهم اليومي للوصول الى المعلومة وتقديم الخبر اليقين مع الحرص على الاستقلالية واخلاق المهنة بوجه عام. ولا شك ان الصحفيين والاعلام المكتوب قد استطاع الصمود في وجه العارضين والمتحاملين عليه وتحقيق بعض المكاسب.

اما المشهد الثقافي في البلاد ومن خلال متابعتي للمسرح وللسينما والحركة التشكيلية والفنية فإن القطاع بعد اصابته بدوار شديد اثر الثورة بدا يتعافى بصفة تدريجية ولكن بدرجات متفاوتة. فانتظم معرض الكتاب بعد انقطاعه وانتظمت المهرجانات الصيفية وعاد للشعر بريقه وكذلك السينما من خلال أيام قرطاج السينمائية الاخيرة. ويبقى العمل والابداع في المجال الثقافي هو الأساس اما السياسة الثقافية والرؤى فهي متغيرة لا تستقر على حال. وأملنا ان تكون الثقافة رافدا للثورة وسندا للتنمية وان تتحول المادة الثقافية بداية بالكتاب وصولا الى المسرح والسينما ومرورا بالأدب والشعر في تناول كل التونسيين لا يختلف استهلاكها عن استهلاك القهوة أو الحلويات.

ان وجود مبدعين من طينة جليلة بكار وفتحي الهداوي والنوري بوزيد وادم فتحي والصغير أولاد حمد ومنصف الوهايبي وعادل معيزي وعادل مقديش ونجا المهداوي وغيرهم من الأعلام لكفيل باحياء الثقافة التونسية والناي بها عن الرداءة والابتذال التي وصلت اليه أحيانا كثيرة في العهد البائد. فلا شيء يضر بالثقافة كالابتذال والتهريج والسطحية. فالثقافة ابتكار وخلق متجدد ومتطور في تفاعل وتناغم مع الواقع ومع الحلم في آن واحد.

من هو الدكتور جمال بن طاهر؟

جمال بن طاهر من مواليد بنزرت في 14 سبتمبر 1956
متزوّج وأب لثلاثة أبناء
الشهادات العلمية:
1982 الأستاذية في التاريخ والجغرافيا من دار المعلمين العليا بتونس
1985 دكتورا المرحلة الثالثة في التاريخ كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس
2000 التأهيل الجامعي كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس
التجربة المهنية:
1986-1989 مساعد في التاريخ بدار المعلمين العليا بسوسة
1990 2000 أستاذ مساعد في التاريخ بكليّة الآداب بمنوبة
2000-2005 أستاذ محاضر بكلية الآداب بمنوبة
2005-2012 أستاذ تعليم عال بكلية الآداب بمنوبة
الوظائف:
1996-1998 مدير قسم التاريخ بكلية الآداب بمنوبة
1998-2000 كاهية مدير الاتصال واستغلال المعلومات بالأرشيف الوطني (الوزارة الأولى)
2000-2006 مدير المعهد العالي للدراسات التطبيقية في الانسانيات بتونس
2006-2011 مدير المعهد العالي لمهن التراث بتونس
الأنشطة العلمية والبحثية:
عضو مؤسس لمخبر دراسات مغاربية بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس
عضو في فرق بحث متعدّدة في اطار برامج التعاون التونسي الفرنسي وبرامج التعاون التونسي المغربي
رئيس لجنة الماجستير الأروبي المتوسّطي حول التنمية والتصرّف في التراث السياحي (2006-2008)
رئيس وعضو عدّة لجان وطنية للانتداب والترقية في التاريخ
مقرّر اللجنة الوطنية القطاعية لاصلاح منظومة «أمد» في التاريخ
عضو المجلس الأعلى للأرشيف (2004-2008)
خبير في التوثيق والتاريخ والتراث (الألكسو– الديوان الوطني للصناعات التقليدية – وزارة التربية - وزارة التعليم العالي – الأرشيف الوطني)
المنشورات العلمية:
الفساد وردعه بالبلاد التونسية: اشكال المقاومة والصراع بالبلاد التونسية (1705-1840) – منشورات كلية الآداب بمنوبة – تونس 1995
Histoire et Micro-Histoire – تونس 2011
عدد كبير من المقالات العلمية المنشورة في المجلات المحكّمة بالداخل والخارج حول تاريخ تونس في العصور الحديثة والمعاصرة
جائزة المغرب العربي للكتاب عن كتاب «وثائق ومقدّمات في تاريخ المغرب العربي الحديث» – منشورات مركز النشر الجامعي بمنوبة (2008)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.