الخشية الإسرائيلية من عضوية فلسطين، غير الكاملة، في الأممالمتحدة لم تأت من فراغ، بل من مجموعة مكتسبات ستتيحها العضوية للسلطة الفلسطينية، من شأنها أن تربك دولة الاحتلال. على مدى أسابيع أدارت الحكومة الإسرائيلية حملة سياسية دولية لإحباط القرار الفلسطيني بالتوجه إلى الأممالمتحدة للحصول على مكانة دولة بصفة مراقب. لكن بين ليلة وضحاها، خفتت التهويلات الإسرائيلية وكأنها لم تكن. وما كان تهديداً جُندت لأجله شبكة العلاقات السياسية والدبلوماسية الإسرائيلية بكامل طاقتها التشغيلية، أصبح «حدثاً ذا مدلولات رمزية» فقط، و«لن يغير على أرض الواقع شيئاً، ولن يدعم قيام دولة فلسطينة»، كما رأى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
فجأة تحولت المقاربة الإسرائيلية إلى التقليل من أهمية الخطوة الفلسطينية، ضمن محاولة واضحة للتقليل من حجم الإخفاق الإسرائيلي في إجهاضها. إلا أنه على هامش المواقف الإسرائيلية المتقلبة بين التحذير من خطورة ما يقدم عليه الفلسطينيون والتخفيف من وقعه ومفاعيله السياسية، أمكن الوقوف على المحاذير التي تعتبر تل أبيب أنها ستترتب على الاعتراف الأممي بدولة فلسطينية، وإن لم تتمتع بصفة العضوية الكاملة. ففلسطين ستكون الدولة المراقبة الثانية في الأممالمتحدة، إلى جانب الفاتيكان، وفقاً لهذه المكانة سوف تتمتع بكافة الحقوق التي تنطوي عليها العضوية باستثناء حق التصويت في الجمعية العامة والعضوية الدولية في مجلس الأمن. ومن ضمن هذه الحقوق، الحق في الانضمام إلى المواثيق والمنظمات الدولية المختلفة، كميثاق حقوق الإنسان ونحو ثلاثين منظمة دولية متفرعة عن الأممالمتحدة. وهناك تخشى إسرائيل أن تمارس الدولة الفلسطينية الناشئة ندية سياسية ضد الحضور الإسرائيلي، فضلاً عن إمكان تفعيل المكانة المستجدة لتعزيز المقاطعة الأهلية القائمة في دولٍ غربية ضد إسرائيل.
بيد أن الأهم، هو أن إقرار الدولة الفلسطينية سيغير تماماً الإطار القانوني للعلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ويلغي جزءاً من مرجعيات العملية السياسية. فعلى سبيل المثال، ستتحول المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل في الضفة الغربية، بما فيها القدس، من أراضٍ متنازع عليها إلى أراض محتلة وفقاً للقانون الدولي. ومن شأن ذلك أن يدفع الفلسطينيين إلى تجاوز مسار المفاوضات أو التصلب فيها على قاعدة أن ما منحتهم إياه الشرعية الدولية من حقوق سيادية على صعيد المسائل الجوهرية تحديداً (الحدود، العاصمة، عدم شرعية المستوطنات) لم يعد مادة للمساومة على طاولة التفاوض. لكن ثمة من يرى أن التغيير على هذا الصعيد لن يكون دراماتيكياً، ذلك أن مشروع القرار الفلسطيني ينص على أن الدولة الفلسطينية تقوم «على أساس حدود عام 67»، ومعنى ذلك أن الإقرار الأممي بالدولة يعترف بملكية الفلسطينيين للأرض، لكن حدود هذه الدولة تبقى خاضعة لنتائج التفاوض مع إسرائيل.
وأياً يكن، تخشى إسرائيل من إمكان أن يسعى الفلسطينيون إلى ممارسة أنشطةٍ عملية تُكرس مبدأ السيادة على أراضيهم ومجالهم الجوي والبحري. فحق الدولة الفلسطينية المزمعة في التوقيع على الاتفاقيات سيفتح لها باب الانضمام إلى أطرٍ ومنظمات دولية متخصصة، مثل اتفاقية قانون البحار ومنظمة الطيران المدني الدولي (IATA)، فضلاً عن المحكمة الجنائية الدولية.
يستتبع ذلك إسقاطات قانونية وإجرائية على أكثر من صعيد، كأن يُصبح الفلسطينيون أصحاب السلطة على المياه الإقليمية قبالة سواحل غزة، مع ما يعنيه ذلك من حق المطالبة بالغاز الطبيعي الواقع ضمن المنطقة الاقتصادية الفلسطينية الخالصة. ومن هذه الإسقاطات أيضاً رفض منظمة IATA السماح للطائرات المدنية الإسرائيلية بالتحليق فوق الضفة الغربيةوغزة بوصفها أجواء سيادية فلسطينية، ما من شأنه إرباك الحركة الجوية الآتية إلى إسرائيل والمنطلقة منها.
إلا أن الأمر الأكثر إثارة للقلق الإسرائيلي هو الحق الذي ستتيحه عضوية فلسطين بمقاضاة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بتهمٍ متعددة، تبدأ بجريمة المشروع الاستيطاني، الذي يُعد بحسب نظام المحكمة جريمة حرب (نقل سكان من وإلى أراض محتلة)، ولا تنتهي بارتكابات الجيش الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية. وتتخوف إسرائيل من أن يتقدم الفلسطينيون بدعاوى ضد وزراء وجنرالات شاركوا في جرائم الاستيطان والحرب على حد سواء، ما سيعرضهم للملاحقة الدولية. على أن ثمة آراء إسرائيلية تحاول أن تختلق وجهاً إيجابياً لهذه النقطة، من زاوية أن تحول السلطة الفلسطينية إلى دولة ذات سيادة سيعني من الناحية القانونية مسؤوليتها القضائية عما ينطلق من حدودها من عمليات «إرهابية» ورمايات صاروخية باتجاه مناطق إسرائيلية مدنية، ما يتيح لإسرائيل أيضاً مقاضاة الدولة الفلسطينية ومسؤوليها على هذه «الجرائم» أمام الهيئات الدولية.
المصوّتون، الممتنعون والمعترضون... من هم ؟ حصلت دولة فلسطين غير العضو على تأييد غالبية أصوات الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة أي 138 من أصل 188 دولة مشاركة فيما رفضت التصنيف الجديد تسع دول وامتنعت 41.
أما دول الاتحاد الأوروبي فتوجهت منقسمة الى الجمعية العامة بالرغم من إعلان وزيرة خارجية الاتحاد كاترين أشتون دعمها للخطوة. ومن بين الدول الأوروبية التي صوّتت لمصلحة الدولة الفلسطينيةالسويد وفرنسا وسويسرا وإيطاليا واسبانيا والنمسا والنرويج فيما امتنعت كل من بريطانيا وألمانيا وهولندا وهنغاريا وبلغاريا.. ومن بين الدول الممتنعة خارج الدول الأوروبية كوريا الجنوبية والباراغواي وأستراليا.
أما الدول التسع التي عارضت المسعى الفلسطيني فهي اسرائيل والولايات المتحدة وتشيكيا وكندا وبنما وجزر المارشال وناورو وبالاو وميكرونيزيا.
ينص القرار الفلسطيني برفع التمثيل الفلسطيني في الأممالمتحدة الذي حاز على أغلبية ساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ على منح دولة فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو بالمنظمة الدولية.
ويعرب القرار عن الأمل بأن يقوم مجلس الأمن بالنظر «بشكل إيجابي» إلى قبول طلب دولة كاملة العضوية في الأممالمتحدة الذي قدمه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في سبتمبر 2011.
ورفع القرار تمثيل فلسطين إلى دولة مراقب بعدما كانت «كيانا مراقبا»، وجرى التصويت عليه يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 في الذكرى السنوية 65 لتبني الجمعية العامة القرار 181 بشأن تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية.
وأكد القرار «على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واستقلاله على أساس حدود 1967»، وأشار إلى «منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو دون المساس بالحقوق المكتسبة للشعب الفلسطيني ودور منظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني، بموجب القرارات ذات الصلة».
ويشير القرار إلى «التصميم على المساهمة في تحقيق الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني وإنجاز تسوية سلمية في الشرق الأوسط تنهي الاحتلال الإسرائيلي وتحقق رؤية الدولتين على أساس حدود عام 1967، على أن يتم تقرير إعادة ترسيم الحدود في مفاوضات الوضع النهائي».
و«يعبر عن الحاجة العاجلة لاستئناف وتسريع المفاوضات في إطار عملية السلام في الشرق الأوسط، بناء على قرارات الأممالمتحدة ذات الصلة، ومرجعيات مدريد، بما في ذلك مبدأ الأرض مقابل السلام، مبادرة السلام العربية، وخارطة الطريق الصادرة عن اللجنة الرباعية، من أجل تحقيق تسوية سلمية عادلة ودائمة وشاملة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، تحل كافة القضايا الأساسية المتعلقة، وعلى رأسها قضايا اللاجئين الفلسطينيينوالقدس والمستوطنات والحدود والأمن والماء والأسرى».
وتحث مسودة القرار «جميع الدول والوكالات المتخصصة والمنظمات في نظام الأممالمتحدة على مواصلة دعم ومساعدة الشعب الفلسطيني في تحقيق حقه في تقرير مصيره، واستقلاله وحريته، كما تطلب من الأمين العام القيام ب«الخطوات الضرورية من أجل تطبيق القرار الحالي وتقديم تقرير إلى الجمعية العامة خلال ثلاثة أشهر حول التقدم الذي تم تحقيقه بهذا الشأن».