سلم السيد مهدي مبروك وزير الثقافة ليلة أول أمس، الشاعر آدم فتحي جائزة أبو القاسم الشابي للبنك التونسي، إثر تتويج كتابه الجديد «نافخ الزجاج الأعمى» الصادر عن دار الجمل سنة 2011 في دورة الشعر العربي لهذه المسابقة الشعرية. وتجدر الإشارة إلى أن ثلاث جوائز سلمت يوم أمس أولها كانت للشاعر آدم فتحي والثانية هي جائزة لجنة التحكيم التي منحت الشاعر محمد الغزي، وأما الثالثة فكانت من نصيب الشاعر محمد عمار شعابنية عن قصيده «هكذا يحملنا ضوء».
وقد ألقى وزير الثقافة بالمناسبة كلمة أكد فيها ضرورة دعم الوزارة لهذه الجائزة الأدبية ماديا ومعنويا وأن تصبح مساهمتها كبيرة لا مجرد مساهمة شكلية كما هو الحال وأبرز أنه سيحرص شخصيا على هذا الأمر حتى في حالة عدم بقائه بالوزارة من خلال التوصية. حفل تسليم جائزة أبو القاسم الشابي لم يقتصر فقط على تسليم الجوائز بل كان مشفوعا بعرض مميز أخرجه الفنان فاضل الجزيري خصيصا لهذا الحدث الشعري والثقافي. عرض جاء متناسقا مع الحدث ومتماشيا مع سياق ثوري تعيشه البلاد منذ سنتين تقريبا.
توظيف «الطبلة»
عرض الجزيري أعجب الجمهور الحاضر في حفل جائزة أبو القاسم الشابي حتى أن عديد الحاضرين تمنوا لو كان عرض «الجزيري» في افتتاح «أيام قرطاج السينمائية» أو في إختتامها.
وقد قسم المخرج فاضل الجزيري عرضه الى لوحات فنية مدروسة تفصل بينها القراءات الشعرية للشعراء المتوجين بجائزة أبي القاسم الشابي واعتمد الجزيري خاصة على توظيف آلية الطبلة في أغلب هذه اللوحات الفنية وبأقل درجة أو بالأحرى في اللوحتين الأخيرتين على «الطبلة» و«البندير» البداية كانت بلوحة استعراضية جمعت عددا كبيرا من العازفين على آلة الطبلة، يقودهم عازف شاب، كان بمثابة المايسترو الذي يوجه زملاءه في كل اللوحات المقدمة والتي لم تغب فيها «الطلبة» بل كانت أساس التوزيع الموسيقي حتى في الأغاني المقدمة وأولها قصيدة أبي القاسم الشابي «ألا أيها الظالم المستبد» بصوت الفنان الشاب هيثم الحذيري، صاحب الصوت الأوبرالي الرائع، تليها أغنية «بقرة حاحا» «للشيخ إمام» بصوت الممثل أحمد أمين بن سعد الذي أدى هذه الاغنية بطريقة خاصة مع توزيع موسيقي لا يعرف سرّه ونكهته غير المخرج فاضل الجزيري. لتجتمع روح الأغنية بأداء الممثل الشاب الثائر فتخرج «بقرة حاحا» بحلة تونسية مميزة ليتها كانت في «الأيام»...
ولما كانت الثورة حاضرة في عرض الجزيري بامتياز كما حضور «الطلبة»، فإنه لم يكن من اليسير المرور دون أداء أغاني اشتهرت بصوت الفنان الشعبي الراحل اسماعيل الحطاب، وهو ما حصل حين قدمت أغاني «الدغباجي» و«بين الوديان» لتختتم وصلة الفن الشعبي بالفزّاني مع أغنية «دزيتيلي هاني جيتك». وكما حضرت الأغنية الشعبية بنكهتها التي ذكّرتنا ب«النوبة» فإن الجزيري لم ينس «الحضرة» فوظّف الطبلة لا البندير في توزيعه الخاص لهذه الفقرات الفنية مساء أمس الاول. عموما الجزيري قدّم عرضا مميزا أخرج الجمهور ولو لوقت قصير من «غصّة» السياسة والاوضاع التي تمر بها البلاد.
ثائر على الدوام
ويذكر ان الشاعر آدم فتحي قرأ من قصائده أربعة كل واحدة تنتمي الى عشرية، فمن فترة الثمانينات ألقى قصيدة «هيلا هيلا يا مطر» ومن التسعينات قرأ: «صحراء هاذي أم رحى الاجساد» ومن سنة 2000 ألقى «هاذي غناية ليهم»، ومن ديوانه الجديد نافخ الزجاج الأعمى، اختار ما يلي: «تسأل الطفلة أباها: كيف تكتب؟ كان أعمى أضع انظر في نفسي طويلا يا ابنتي أنظر في نفسي طويلا الى أن أرى ثقبا... في الورقة أضع على الثقب فمي... وأنفخ هكذا أحصل أحيانا... على قصيدة ثم ماذا يا أبي ؟ لا شيء يا ابنتي يستحق الذكر... سوى إني قد أقع في الثقب... فلا أعود بهذه الكلمات أمتع آدم فتحي، وبهذا التتويج الجديد سيبقى الشاعر ثوريا مهما تتالت العشريات والعقود فالزمن والملوك أو الطغاة هم قادرون على كل شيء الا على قتل الشاعر في الشاعر.