ظهرت يوم أمس في عدة صفحات قريبة من اليسار دعوة طريفة إلى مقاطعة أيمة المساجد الذين يهاجمون المعارضة تحت عنوان: «نحن لا نصلي ولكن نساند بقوة هذه الحملة». وفي الحين تلقفت صفحات قريبة من النهضة والتيارات السلفية في الموقع الاجتماعي هذه الحملة بسخرية كبيرة. والواقع أن «حرب المساجد» كما يسميها بعض الناشطين في الموقع الاجتماعي، أو توظيف المساجد في السياسة قد بدأت منذ مدة، وبلغت مداها في الأسبوع الأخير بعد أن ظهرت خطب جمعة في عدة مساجد تهاجم دعوة اتحاد الشغل إلى الإضراب، كما تهاجم كل أطياف اليسار والمعارضة التي تسانده. ولا تكاد تخلو جمعة في الصفحات التونسية من معركة بين اليسار وأنصار النهضة حول خطبة من الخطب أو ما يسميه بعض الحقوقيين «انفلات الأيمة»، ودخولهم عالم السياسة ضد المعارضة طبعا.
واعتبر ناشطون من اليسار والمعارضة أن تسييس المساجد يهدد السلم في البلاد، خصوصا بعد أن ظهرت معلومات مثيرة عن إمام مسجد في رادس هاجم في خطبة جمعة الأمس اليهود وهددهم. أما أنصار النهضة، فيرون أن من حق الأيمة أن يختاروا مواضيع خطبهم وأن يتخذوا موقفا مما يحدث في البلاد سواء في السياسة أو المجتمع أو الاقتصاد.
وتعود حملة مقاطعة الأيمة إلى جمعة الأسبوع الماضي في أوج الأزمة بين اتحاد الشغل والنهضة، وانظم لها عدة ناشطين من خارج اليسار والنقابات، وكتب ناشط حقوقي من صفاقس تعليقا على ذلك: «لا يجوز مهاجمة أي طرف سياسي على منابر مساجد بنتها الدولة بأموال المجموعة الوطنية لتصبح وسيلة سياسية لخدمة طرف ضد آخر».
وهكذا ظهرت حملة في صفحات اليسار والمعارضة تدعو إلى مقاطعة الأيمة الذين «عرفوا بتوظيف الدين في السياسة» وفق ما جاء في صفحة قريبة من حزب يساري، كما رفع آخرون شعار: «قاطع جمعة 14 ديسمبر»، احتجاجا على ما فعله بعض الأيمة من تكفير اليسار والتحريض عليه. غير أن الحملة بدت سريالية، إذ لا أحد فهم كيف سيقاطع أنصار اليسار جمعة يوم أمس وهم لا يرتادون المساجد عادة وكثير منهم لا يخفي عدم إيمانه أصلا، حتى أن ناشطين كثيرين من النهضة كتبوا ساخرين: «آخر نكتة: جماعة اليسار الكفرة يضربون عن الصلاة، يعني أن المساجد سوف تكون فارغة هذه الجمعة».
وإذا ابتعدنا عن التعاليق الساخرة والسريالية مما يبرع فيه التونسيون، نجد عدة مواقف من سياسيين وحقوقيين يحذرون فعلا من توظيف الدين في السياسة، ويدعون إلى أن تكون المساجد أماكن للوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي وليس لتحريض الناس ضد طرف سياسي بحجة أنه لا يؤدي الصلوات أو بالتشكيك في إيمانه أو تكفيره. ونشر ناشطون من المعارضة تصريحا منسوبا للسيد حمة الهمامي عن الأيمة الذين يكفرون خصومهم جاء فيه: «هؤلاء الأيمة لو كانوا مسلمين لما كفروا التونسيين».
ثمة حالة غضب واستياء في صفحات المعارضة عموما واليسار خصوصا من انطلاق حملات منظمة من منابر المساجد ضد رموز سياسية وأحزاب وشخصيات حقوقية، وكتب ناشط حقوقي من بنزرت محذرا: «لا استغرب أن تنطلق فتاوى من بعض المساجد تدعو إلى قتل بعض رموز المجتمع المدني بحجة الكفر، في ظل حالة الانفلات وغياب المساءلة قد يقرأ أحدهم سورة التوبة فيمد يده إلى سلاح ويقتل من يخالفه الرأي».
كما قرأنا أيضا في عدة صفحات حقوقية دعوات ملحة لتكوين لجنة من العلماء الذين يتولون تأطير الأيمة، ناشط جامعي اقترح أن يكون هؤلاء المكونون «من علماء السنة العارفين بخصوصيات المجتمع التونسي المتسامح، متعدد الثقافات والذي اتسع للجميع عبر القرون»، كما جاء في نص نشره على صفحته وتم تداوله بكثافة.