الرائد الرسمي: صدور تنقيح القانون المتعلق بمراكز الاصطياف وترفيه الأطفال    في يومها العالمي.. الشروع في اعداد استراتيجية وطنية جديدة للنهوض بالأسرة    أغلبهم متطفّلون وموجّهون .. «الكرونيكور» قنبلة موقوتة تهدّد إعلامنا    عاجل/ مع انتهاء آجال الاحتفاظ: هذا ما كشفه محامي مراد الزغيدي..    غوغل تكشف عن محرك بحث معزز بالذكاء الاصطناعي    ارتفاع عدد قتلى جنود الإحتلال إلى 621    الترجي يستعدّ للأهلي ..دخلة «عالمية» ومنحة «ملكية»    رالي تانيت للدراجات .. نجاح تنظيمي باهر    اليوم إياب نصف نهائي بطولة النخبة ..الإفريقي والترجي لتأكيد أسبقية الذهاب وبلوغ النهائي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    ضجة في الجزائر: العثور على شاب في مستودع جاره بعد اختفائه عام 1996    صفاقس: ينهي حياة ابن أخيه بطعنات غائرة    كيف سيكون طقس اليوم الأربعاء ؟    أول أميركية تقاضي أسترازينيكا: لقاحها جعلني معاقة    ر م ع ديوان الحبوب: الاستهلاك المحلي بلغ معدل 36 مليون قنطار من القمح الصلب والقمح اللين والشعير    الرئيس الايراني.. دماء أطفال غزة ستغير النظام العالمي الراهن    "حماس" ترد على تصريحات نتنياهو حول "الاستسلام وإلقاء السلاح"    ماذا في لقاء وزير السياحة بوفد من المستثمرين من الكويت؟    القيروان: حجز حوالي 08 طن من السميد المدعم    6 علامات تشير إلى الشخص الغبي    البرمجة الفنية للدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي محور جلسة عمل    ذبح المواشي خارج المسالخ البلدية ممنوع منعًا باتًا بهذه الولاية    وزير الفلاحة يفتتح واجهة ترويجية لزيت الزيتون    للسنة الثانية على التوالي..إدراج جامعة قابس ضمن تصنيف "تايمز" للجامعات الشابة في العالم    هل الوزن الزائد لدى الأطفال مرتبط بالهاتف و التلفزيون ؟    عاجل/ فرنسا: قتلى وجرحى في كمين مسلّح لتحرير سجين    تونس تصنع أكثر من 3 آلاف دواء جنيس و46 دواء من البدائل الحيوية    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    بن عروس: جلسة عمل بالولاية لمعالجة التداعيات الناتجة عن توقف أشغال إحداث المركب الثقافي برادس    العجز التجاري يتقلص بنسبة 23,5 بالمائة    تعرّف على أكبر حاجّة تونسية لهذا الموسم    نبيل عمار يشارك في الاجتماع التحضيري للقمة العربية بالبحرين    عاجل/ السيطرة على حريق بمصنع طماطم في هذه الجهة    الإعداد لتركيز نقاط بيع نموذجية للمواد الاستهلاكية المدعمة بكافة معتمديات ولاية تونس    تفاصيل القبض على تكفيري مفتش عنه في سليانة..    منطقة سدّ نبهانة تلقت 17 ملميترا من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    أعوان أمن ملثمين و سيارة غير أمنية بدار المحامي : الداخلية توضح    كل التفاصيل عن تذاكر الترجي و الاهلي المصري في مباراة السبت القادم    سوسة: تفكيك شبكة مختصّة في ترويج المخدّرات والاحتفاظ ب 03 أشخاص    منحة استثنائية ب ''ثلاثة ملاين'' للنواب مجلس الشعب ...ما القصة ؟    وادا تدعو إلى ''الإفراج الفوري'' عن مدير الوكالة التونسية لمكافحة المنشطات    أول امرأة تقاضي ''أسترازينيكا''...لقاحها جعلني معاقة    مشادة كلامية تنتهي بجريمة قتل في باجة..#خبر_عاجل    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة ..«عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    مدنين: انقطاع في توزيع الماء الصالح للشرب بهذه المناطق    برشلونة يهزم ريال سوسيداد ويصعد للمركز الثاني في البطولة الإسبانية    معهد الاستهلاك: 570 مليون دينار قيمة الطعام الذي يتم اهداره سنويا في تونس    الاحتفاظ بنفرين من أجل مساعدة في «الحرقة»    مبابي يحرز جائزة أفضل لاعب في البطولة الفرنسية    بادرة فريدة من نوعها في الإعدادية النموذجية علي طراد ... 15 تلميذا يكتبون رواية جماعية تصدرها دار خريّف    عشرات القتلى والجرحى جراء سقوط لوحة إعلانية ضخمة    نابل..تردي الوضعية البيئية بالبرج الأثري بقليبية ودعوات إلى تدخل السلط لتنظيفه وحمايته من الاعتداءات المتكرّرة    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سفير «فينزويلا» بتونس في حوار شامل ل «الشروق» : الديمقراطية ليست اشعارات... بل إنجازات على الأرض
نشر في الشروق يوم 23 - 12 - 2012

كيف حقق شعب «فينزويلا» أهداف ثورته؟ تجربة فريدة عرفتها أمريكا الجنوبية، انطلقت منذ 12 سنة في بلاد شافيز «الشقيق»... فأخذت معها عددا كبيرا من بلدان أمريكا الجنوبية.. سفير «فينزويلا» بتونس يحدثنا.

أصبح عندنا الآن سفراء من أمريكا الجنوبية... سفراء «فينزويلا» و«كوبا» و«البرازيل» وغيرها أضحوا اليوم يترأسون بعثات بلدانهم الديبلوماسية في تونس..

«فينزويلا» شافيز، صاحب المواقف الصادمة للغرب والمؤثرة ايجابيا في الانسان العربي والمحرجة (مواقفه) للنظام الرسمي العربي، سواء في العراق ما قبل وبعد الاحتلال او في فلسطين منذ مجيء الشاب «هوغو شافيز» الى السلطة في «فينزويلا» سنة 1999 عن طريق ثورة هادئة استعمل من خلالها الشعب صندوق الاقتراع.. سعادة سفير «فينزويلا» بتونس عفيف تاج الدين وهو سوري الاصل والمولد تحدث في هذا اللقاء الذي خصّ به «الشروق» عن تجربة أمريكا اللاتينية في الانتقال الديمقراطي... وفي إعادة الكرامة الى المواطن هناك. بعد ان عمدت القوة الامبريالية والصهيونية المتعاضدة، الى اعتبار هذه المنطقة على أساس انها «الحديقة الخلفية» للمصالح الأمريكية رائدة المنظومة الرأسمالية «عدوّة كل الشعوب» كما يقول سعادة السفير..

في هذا الحوار الحصري والخاص يتحدث سعادة سفير «فينزويلا» عن كيفية تخلص بلاده وبقية منظومة بلدان أمريكا الجنوبية من أخطبوط الرأسمالية المتوحّشة وأدواتها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، مبيّنا ان الارتباط بهاتين المؤسستين الماليتين، ليس قدرا مسلطا على الشعوب وأنه بالامكان ومن خلال منوال تنمية وطني أن تتوصل البلدان الثائرة الى تأمين خيرات الشعوب للشعوب..

وأنت تلج مقر السفارة البوليفارية الفينزويلية تطالعك صورة «تشي ڤيفارا» في نظرته المتحدية للاستعمار والامبريالية.. لكن البهو السفلي للسفارة لم يكن المكان الوحيد الذي ترافق فيه «صورا» و«مواقف» شافيز الرئيس و«ڤيفارا» المناضل... صور المناضل في أكثر من مكان بهذه السفارة، التي حلّت ضيفا ديبلوماسيا على تونس منذ ثلاثة أشهر..
فإلى هذا الحوار الشامل الذي بدأ بالسؤال التالي:

سعادة السفير، السؤال الأول سيكون عن صحة الرئيس «هوغو شافيز» فما حقيقة مرضه وحقيقة وضعه الصحي الآن؟

هذه هي العملية الثالثة (الجراحية) التي تجرى على الرئيس.. فهو يعاني من سرطان عاود بنفس المكان لثالث مرة... نحن نتمنى له الشفاء لأننا كفينزويليين بحاجة إليه وأمريكا الجنوبية بحاجة اليه وكل أحرار العالم بحاجة الى الرئيس شافيز... هذا لأنه مساند لشعوب العالم.. أنا أعتقد ان أطفال افريقيا وأطفال فلسطين يدعون لكي يشفى رفيقنا وأخونا وأبونا «شافيز».. انه في حالة حرجة ونتمنى ان يتجاوز المرحلة الخطيرة.. دعواتنا له بالشفاء.

لو نعود الى التجربة الفينزويلية.. فهي تجربة صعدت وأثّرت في عديد بلدان العالم... اذ بعد ان ظن العالم ان خط السير العالمي، بعد انهيار القطب الدولي الثاني يتجه نحو التلحّف بالرأسمالية جاءت تجربة بلادك لا لتنجح فقط بل لتؤثر في عدد كبير من بلدان أمريكا الجنوبية، كيف يمكن ان نفسّر هذا الأمر؟

بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية أصبح الأمل في قيام نظام وطني تقدمي في العالم، أمرا غير متأكد.. وأصبحت القناعة وكأن النظام الرأسمالي هو الذي يحوز الحل ويملكه وأن التجربة الاشتراكية تجربة فاشلة... نحن بيّنا ان التجربة لم تكن فاشلة بل التطبيق هو الذي رافقه الفشل... «فينزويلا» توخّت تجربة لها أهميتها لأنها جاءت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بعشر سنوات... فقد بدأ يظهر للعالم قطب آخر... قطب ينظر الى العالم على أنه لا يمكن ان يذهب في الاتجاه الرأسمالي.. فهذا الاتجاه (الرأسمالي) هو الذي جاء بالموت والمرض والفقر لشعوب العالم..

كان لابدّ إذن من تجربة تسير بالاتجاه التقدمي والوطني ومن ثمة اكتسبت التجربة «البوليفارية» أهميتها... لقد تجاوبت معها شعوب العالم وتحديدا بلدان أمريكا الجنوبية.. لأنه لا يمكن ان يرحمنا التاريخ إن لم نكن حريصين على المصالح الأساسية لشعبنا.

وكما تعلمين فإن الثوري هو الذي يعنى ويهمّه الإنسان بكل قيمه وأبعاده..

هل يمكن أن تؤكد أن ثورة بلادك، المتمثلة في انتقال ديمقراطي عبر الصندوق الانتخابي، لها وجه إنساني؟

نعم.. لقد كان من أوكد اهتمامنا بالانسان مسألة التعليم والصحة والشغل وهذا ما أزعج النظام الرأسمالي وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية.

الولايات المتحدة كانت تعتبر أن أمريكا الجنوبية هي الحديقة الخلفية لمجمل مصالحها الامبريالية، فكيف أمكن لشعوب المنطقة الإفلات من قبضتها؟

نعم، كان الأمريكيون يعتبرون منطقتنا هي الحديقة الخلفية لهم.. ونحن في نهاية القرن الماضي (1999) بدأنا نكتب تاريخنا بأيدينا لذلك وبعد 12 سنة من الثورة البوليفارية نستطيع أن نقول إننا نملك وطنا ولنا شعب ولدينا مؤسسات، إذ كنا فعلا الحديقة الخلفية للولايات المتحدة واليوم أصبحنا من دول ومنظومات العالم المحترمة، لأننا نحترم شعبنا.. فأول خدمات الثورة هي الصحة والتعليم للجميع.

ماذا أعطت الثورة في «فنزويلا» للشعب، مما كان لا يتمتع به؟

كما قلت أعطت الصحة والتعليم ومنحا للناس حتى يتعلموا تعليما جامعيا لمن انقطعوا عن الدراسة.. ففي كل مدرسة إعدادية خارج العاصمة وداخلها، أوجدنا نواة جامعية للتعليم العالي.. كما قمنا بحملة محو أمية غير مسبوقة، حيث وصلنا اليوم الى مرتبة البلد الخامس في العالم من حيث محو الأمية وذلك حسب المؤشر الأممي.

عندما وصلنا الي السلطة في 1999 كانت فينزويلا تعاني من 80٪ فقراء من عامة الشعب، وفينزويلا الآن نفسها لها أكبر خيرات العالم.. وكان اقتصادها تابعا للولايات المتحدة الأمريكية أساسا.. والآن لم يعد في «فينزويلا» أي رقم للفقراء تحديد خط الفقر، في الآن نفسه توصلنا اليوم الي حصر الفقر في نسبة 17٪ فقط.. كما أن إجراء إنسانيا ووطنيا أقدمت عليه الحكومة، ويتمثل في أن المرأة التي تربّي أبناءها في البيت تتمتع براتب شهري لأن الثورة تعتبر أن المرأة التي لم تشتغل وربّت أبناءها، لها الحق في التقاعد عندما يصل عمرها 60 سنة والرجل تقاعده يكون عند 65 سنة.. لأن في ذلك خدمة للوطن.

الحكومة في «فينزويلا» بقيادة الرئيس شافيز توخّت طريقة أخرى لتوزيع الخيرات بالبلد، وقد قضينا وفقها على الفقر: نحن شجّعنا واتجهنا نحو التكامل بين بلدان أمريكا الجنوبية.. نحن من يستثمر خيرات البلاد ونوجهها نحو صالح المجتمع.

لكن كيف توفقتم الى هذا الحل، ونحن نعرف أن اليمين المرتبط بالرأسمالية العالمية مازال نافذا في فينزويلا وهو من يملك وسائل الاعلام مثلا؟

«فينزويلا» أصبحت اليوم هي أمريكا اللاتينية.. نعم، اليمين يملك وسائل الاعلام، ولكن لا يجب أن ننسى أن المواطن الناخب يعي حجم التطور والخدمات التي جاءت مع الثورة.. فمثلا عندنا السكن للجميع وفي دستورنا الجديد هناك إقرار بالنص أن الدولة تؤمّن التعليم والصحة والعمل والسكن.. حملتنا الوطنية ارتكزت على شعار «السكن للجميع» وقد توفقنا في إنجاز الكثير.. وعماد خطتنا بيت لكل عائلة تطلّب الرقم 350 ألف مسكن وسوف ينتهي الملف بسلام وإنجاز سنة 2015.

نلاحظ أن الأحزاب اليمينية، أو التي كانت في السلطة قبل الثورة (1999) ما تزال موجودة على الساحة لماذا لم يقع إقصاؤها بقانون حتى لا تعود من النافذة بعد أن أخرجها الشعب من الباب؟

نحن لا نتوخّى ديمقراطية فيها اقصاء ليست لنا سياسة إقصاء إذ من شروط ثورتنا الاعتراف بالآخر، الاقصاء لا علاقة له بالديمقراطية. الصندوق وحده هو الذي يقصي أو يجازي.. نحن أنجزنا دستورنا في ظرف ستة أشهر عن طريق مجلس وطني تأسيسي نسميه «اللجنة التأسيسية» كالذي عندكم، وناقشه الشعب عبر الأندية والنقابات وحتى المقاهي لمدة ستة أشهر.. يجب أن تمسك الثورة، أي ثورة، البوصلة بالطريق الصحيح.. هذا على المستوى الداخلي أما الخارج، فشعبنا يعي أن اسرائيل هي رأس حربة الرأسمالية لذلك طردنا سفير اسرائيل سنة 2008..

وقت الاعتداء الوحشي على غزة، لكننا سحبنا سفيرنا قبلها بسنتين عندما شنّت اسرائيل الحرب في صائفة 2006 علىلبنان.

التقيتم كمجموعة سفراء لأمريكا الجنوبية مع مجموعة أمناء عامين للجبهة الشعبية؟

من خلال دورنا كسفراء لمجموعة دول أمريكا الجنوبية نلتقي كل التيارات والأحزاب في تونس... والمنطقة... تقابلنا مع قيادات الجبهة الشعبية وسوف نقابل السيد رئيس الحكومة بداية جانفي... ونحن نطلب اللقاءات مع الأحزاب التونسية لتكون لنا فكرة عن برامجها السياسية...

بعد 12 سنة من التجربة الديمقراطية والوطنية، والانقلاب التام بخصوص توزيع الثروات، أعرف أنكم تتجهون كبلدان مجموعة أمريكا الجنوبية الى توحيد العملة وسوق الصرف عندكم؟

نعم، هذا سؤال دقيق لأننا لم نعطه بعد صبغة اعلامية... فهذه أوّل مرة أسأل فيها خارج «فينزويلا» عن هذا الموضوع... الحقيقة نعرف أن صندوق النقد الدولي والبنك العالمي يضعان شروطا على شعوب العالم... وقدرنا نحن هو التخلّص من ديون هاتين المؤسستين... ونوع التبادل بين بلداننا شرطه التكامل والتبادل هو الكفيل بنهضتنا لأننا لا نتوقّع أن تساعدنا في بناء اقتصاد وطني مؤسستان مثل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي... لذا فإن مقتضيات التبادل أن نكون بعيدين عن الدولار لأن الولايات المتحدة الأمريكية فرضت الدولار عقب الحرب العالمية الثانية... والقيمة الفعلية للدولار هي فقط 10٪ من قيمته الحالية... فالدولار عمليا لا يساوي قيمته المعمول بها إذا ما قسناه فقط على حدود الولايات المتحدة الأمريكية... وهم يعطونه هذه الهالة من النهب الذي تقوم به زعيمة الرأسمالية على مقدرات العالم... نحن أوجدنا عملة اسمها «سوكري» Sucré نتعامل بها في كل أمريكا اللاتينية.

ومنذ 2009 اتّسم تعاوننا بصبغته القويّة، ووصل الى درجة قوية جدا... هناك تعاون جدّي ومتسارع على الأرض، نسقه أقوى من النسق داخل الاتحاد الأوروبي... يتنقّل الاشخاص بين بلدان أمريكا اللاتينية بلا تأشيرة اليوم، بل أكثر من ذلك يحق لك العمل بأي بلد من بلدان المجموعة... وتمكّنك اقامتك بأي بلد من الصحة والتعليم والسكن...

أكثر من توحيد العملة، هل هناك توحيد للنظم الاجتماعية؟

واقع جديد أصبح موجودا في منطقتنا... فمثلا ليس شرطا أن يكون عندي دولار حتى أقتني شيئا من البرازيل، بل إننا نعتمد المقايضة عبر المبادلات وعلى هذا الاساس يُبنى البنك المركزي الجنوب امريكي. الآن أصبحنا خمسة أعضاء بالبنك، فينزويلا والاكوادور وبوليفيا والارجنتين والبيرو، أما البرازيل فإنه يدخل الآن.

بمنطق المقارنة، نقترب من مقارنة المنطقة العربية بمنطقة جنوب امريكا، ولكن يحدث أن نرصد واقعا غير متشابه معكم من حيث أن بليتنا كيان غريب جثم على قلب الأمّة ولم نجد له حلا لا على مستوى الشرعية الدولية ولا على مستوى نضالي مقاوم... هل تعتقد ذلك، وأنت السوري الذي غادر دمشق سنة 1970 نحو «فينزويلا».

أعتقد أن مصالح الشعوب في العالم تسطو عليها نفس القوى هنا وهناك... العدو في العالم العربي هو نفسه العدو لشعوب أمريكا الجنوبية... اقصد هنا النظام الرأسمالي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية ويديره اللوبي الصهيوني... اذن نحن كشعوب لنا نفس الأعداء... ونضال شعوبنا هو من أجل التحرّر والتقدّم... ففيما تتكفّل الولايات المتحدة بنا نحن شعوب أمريكا اللاتينية، تتولّى «اسرائيل» أمر العرب... مثلا من يحاول أن يخصخص جامعة في أمريكا هو نفسه العدو الذي يقتل أطفال غزّة ويقتل في سوريا بأي اسم ليتخفّى... فالعدو مشترك لا محالة. لذا أقول إن ما تقوم به شعوب أمريكا اللاتينية قادرة الشعوب العربية... على أن تقوم به لأنها (العرب) شعوب لها تاريخ نضالي قويّ... لكن تحديد العدوّ كثيرا، ما يضيّع بوصلة النضال.

يمرّ عدد من البلدان العربية بتجربة الثورة... ويحصل أن يكون شعبا تونس ومصر اليوم في أوج التجربة من حيث كتابة دستورين جديدين، أنتم مررتم بهكذا تجربة، فكيف تروننا من هناك؟

أحيّي الثورات في كل بلاد العالم وخاصة بالبلاد العربية، وهذه الثورات يجب أن توصلنا الى الاستقلال السياسي والاجتماعي على من يعتبرون أنفسهم شرطيّ العالم وأن هذه الشعوب العربية تتحصّل على الحريّات الديمقراطية من أجل ان تعاد إليها كرامتها التي سُلبت...

نريد سعادة السفير أن نعرف ونكتشف طريقة مفاوضاتكم مع البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، كيف توصّلتم الى ما يعتبر خطّا أحمر لا يسمح به هذان الهيكلان الدوليان؟

عمليا الديون الخارجية لبلدان العالم، هي ديون صنعت ومن الصعب ان تدفع الشعوب هذه الديون لسبب أنها لم تستقرضها. وكثيرا من الأحيان لا تدخل هذه الديون البلدان التي اقترضتها... لذلك نعتقد جازمين أن من أتى بهذه الديون هي أنظمة تابعة للرأسمال العالمي وعن طريق شركات لها علاقة بالفساد... والمؤسسات الاحتكارية العالمية... وكثيرا ما تحولت الأموال من حساب بنكي الى حساب آخر ولم تخدم تلك الأموال الشعوب المعنية... وهذه هي «ميكانيزمات» النظام العالمي... حتى تبقى... نحن عندما وصلنا الى السلطة (كقوة ثورية شعبية وطنية) وقبل كتابة الدستور، طلبنا من البنك المركزي التصريح بأمر يخص استثمارا معيّنا، فرفض البنك المركزي الفينزويلي ذاك الطلب لأن نص الدستور القديم يمنع ذلك الاجراء... فدساتيرنا كانت مهيأة لخدمة النظام العالمي الرأسمالي المهيمن، وليس خدمة المصالح الوطنية للشعوب... لذلك أول حملة قمنا بها بعد وصولنا الى السلطة، هي تغيير الدستور... كان الأمر يخص بناء جامعة Université... فكان أن طلب منا البنك المركزي ان نمرّ عبر الخارج لاقتراض الأموال اللازمة والبنك المركزي يكلفنا (كحكومة) لدى المؤسسات العالمية... طبعا وكما قلت دساتيرنا كانت تخدم المصالح الامبريالية وقدّت على مقاس مصالحها... وليس على مقاس أهداف الشعوب.

هل فهم الشعب مغزى ذاك التغيير؟

نعم... لأن شعور الانسان بالاستقلالية والكرامة، لا تضاهي سعادته سعادة... اذ لا خير في بلد أو نظام لا يوزّع خيرات البلاد بعدل وعدالة... فبلية الشعوب في العالم هي حكوماتها التي أوصلتها الى الوضع الراهن الذي ازداد فيه الفقر... وسوء العيش.
بالنسبة لنا كبلدان أمريكا الجنوبية بدأنا نبتعد عن البنك العالمي وصندوق النقد الدولي باتجاه التعاون البيني والجماعي حتى نستقل فعليا... والمواطن عندنا له حقه في العلم والصحة والسكن والأمان وواجبه أن يعطي لشعبه وبلده ما يجب أن يعطيه لكي يحافظ على استقلال قراره الوطني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي... منذ الثورة الى اليوم لم نقم باستثمار خارج بلدنا الا مع بعض بلدان فقيرة... ولكن نظام ما قبل الثورة كان يتركّز على الاستثمار «الفينزويلي» في الولايات المتحدة الأمريكية.

كيف؟ هل تستثمرون في الولايات المتحدة ولا تربحون؟

ليس استثمارا من منظار وطني يعود بالنفع على «فينزويلا» الشعب... فمثلا نحن كفينزويلا نملك من أكبر شركات النفط داخل الولايات المتحدة «SITCO» «سيتكو» لنا تسع (9) مصافي بترول في الولايات المتحدة و16 ألفا و40 محطة بنزين... ولكن لا يحق لأي «فينزويلي» ان يعمل بها! هل رأيت تبعية وهيمنة أكثر من هذه الصورة؟

لكن كيف قبلتم المعادلة، وقد نراها مستحيلة وصعبة؟

فرضنا عبر اتفاقيات مع الولايات المتحدة الأمريكية بأن يصبح كل المديرين هناك «فينزويليون».. هذه كمرحلة أولى... فمثلا كان الوضع المالي قبل الثورة (1999) تستعمل عائدات وايرادات تلك الشركات لترشيح رؤساء أمريكا... فكانت الشركات تربح سنة و«تخسر» سنة أخرى... لأن في الامر هيمنة وفسادا وتبعية... طيب الآن انقلبت المعادلة أصبحت هذه الشركات تربحنا الكثير... ونحن الآن في مرحلة نعرضها للبيع (محطات البنزين) لنقوم بالاستثمار في بلدنا فينزويلا وذلك حتى لا تستخدم دول أخرى اقتصادنا وخيراتنا.. وهذا كله من خلال نص الدستور الجديد.. فإذا لم يكن الدستور في خدمة الشعب (مصالح وفوائد) فلا فائدة من الحديث عن ثورة.. نحن نبيع الآن هذه الاستثمارات رغم أنها أضحت مربحة بعد ان استلمناها ولكنها ستكون مربحة أكثر عندما ستكون استثمارات وطنية مائة بالمائة وعلى تراب الوطن تنجز وتركّز... ثم هناك جانب مبدئي أخلاقي، اذ نحن لا نسمح بأن نكون مساهمين في تقوية الاقتصاد الأمريكي الذي يسيطر ويعادي ويقتل اقتصادات العالم.

لو تعطينا فكرة عن مراحل الانتقال الديمقراطي في «فينزويلا» سعادة السفير؟

الى اليوم خضنا 17 دورة انتخابية مختلفة وموزعة بين النيابية والرئاسية وعلى مستوى المحافظات. ذلك أننا اليوم ننتخب الوالي عندكم المحافظة عندنا.. فمن 23 محافظة في هذه الانتخابات القريبة (للولاة) نأمل ان نحصل على 22 منها...
الديمقراطية إما أن تكون لمصلحة الشعوب وإلا لا... الرأسمالية هي عدو الديمقراطية... فالديمقراطية أساسها الانتخابات العامة ولكل مواطن صوت واع... وليس الصوت الذي تجبّه عمليات غسل الدماغ والوعود الكاذبة... الديمقراطية تقتضي مشاركة المواطن الفاعلة لا السلبية في كل القرارات والقوانين... الديمقراطية ليست اعطاء الحق في الكلام والتعبير عن الرأي فقط... اذ ماذا سأفعل بالديمقراطية اذا لم أكن متعلّما وأبنائي يفتقدون قوت يومهم؟ الديمقراطية يجب أن تؤدي بنا الى الاستقلال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي معا... المجتمع الديمقراطي هو الذي يضمن حياة كريمة لشعبه ويضمن له مستوى جيدا من العلم ويخلق له فرص عمل ويؤمّن له السكن... الانسان هو أسمى ما وجد على هذه الأرض...

هل تعتقد أنكم في ظرف 12 سنة حققتم في «فينزويلا» أهداف ثورتكم؟

الممارسة الديمقراطية لا تأخذ المجتمعات نحو التحرر فقط فهي ممارسة يومية لا تقف عند سقف أو حدّ... لا نستطيع ان نقول اليوم إننا وصلنا.. فهذا طريق في الحياة... ليس جامدا..

في ثقافة أمريكا اللاتينية، يُعتقد انها تحتوي على بذور المقاومة ورفض الانصياع الى الآخر... هل تعتبر أنه عامل مشجع؟

أمريكا الجنوبية لم تكتشف من «كريستوف كولومب» بل يعود تاريخها الى آلاف السنين.. (5 آلاف سنة) وقد اكتشفت اهرامات في «البيرو» إذن ثقافة المنطقة ثقافة ألفية.. استعمرها الاسبان وحرّرها القائد المشترك لنا جميعا سيمون بوليفار سنة 1810 تاريخ النضال الشعبي الجنوب أمريكي يمتد اليوم الى مائتي عام فهو تاريخ عظيم.. ولكن كل ما عرفتموه عن هذه المنطقة كان ما يوصله إليكم الأوروبي الغربي.. وكذلك نفس الشيء، كل ما عرفته شعوب المنطقة عن العرب، مصدره نفسه.. الآن، أتى وقت لكي نتعرّف عليكم وتتعرّفوا علينا.. تجربتكم العربية النضالية غنية، فأنتم قاومتم الاستعمار الفرنسي والبريطاني واليوم تجابهون الصهيونية ونحن كذلك في الضفة الأخرى.. تجربتكم غنية ونحن ندرّسها الآن.. نحن معكم في هذا النضال أعداؤكم أعداؤنا.. الامبريالية والصهيونية العالمية، هما عدوان مشتركان لنا ولكم..
تجربة الوحدة العربية قادها عبد الناصر، لذا فإن الوحدة العربية وحدها الكفيلة بالتقدم ونحن نأخذ بالقول التالي: ما يأخذنا الى التقدّم والقوة هو اتحادنا..

من هو السّفير عفيف تاج الدّين ؟

عفيف تاج الدين، ولد بسوريا سنة 1948.
من أصل سوري (مولدا وجنسية).
متزوج وله أربعة أطفال.
متخرّج من جامعة دمشق سنة 1970، ومتحصّل على الاجازة في الكيمياء.
1971 خرج من سوريا نحو فينزويلا مغتربا.
تأثّر بهزيمة 1967، فقرّر الخروج من البلاد العربية.
سفير دولة فينزويلا بتونس 2012 وكان قبلها سفيرا لبلاده في ليبيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.