الخلدونية أحد معالم التاريخ التونسي وحركة الاصلاح تحديدا كانت طيلة عقود فضاء لفكر التنوير والاصلاح واحتضنت بين جدرانها أهم المصلحين التونسيين والعرب تجد نفسها اليوم موضوعا بين أروقة القضاء. بعد اقتحام شيخ جامع الزيتونة حسين العبيدي رفقة مجموعة من المواطنين مقر الخلدونية في سوق العطارين والاعتداء على من فيه وتغيير الأقفال أصدرت جمعية دراسات دولية التي تتخذ من الخلدونية مقرا لها منذ سنوات بيانا شرحت فيه ملابسات ما حدث يوم الاربعاء الماضي وأعلنت مقاضاتها للمعتدين.
وقال الدكتور فتحي القاسمي رئيس جمعية التراث الفكري التونسي وكاتب عام وعضو جمعية دراسات دولية ورئيس جمعية قدماء معهد ابن شرف ان هذا الفضاء يجمع أربع جمعيات وهي دراسات دولية ودراسات اندلسية والتراث الفكري التونسي ووجمعية قدماء ابن شرف وهو على ملك الدولة وموضوع تحت تصرف بلدية تونس التي احالت استغلاله الى هذه الجمعيات.
ويضيف القاسمي دون سابق اعلام اقتحم شيخ جامع الزيتونة حسين العبيدي مرفوقا بحوالي خمسين شخصا وسبقه أحد الشيوخ في الجامع والذي امر الطلبة بالدخول الى قاعة المحاضرات وأطردوا كل من كان في الفضاء وغيروا الأقفال وأمر مرافقيه باخراجي عنوة واتهمني بنهب كتب جامع الزيتونة وقال «انني سارق» على مرمى من الحاضرين والقوا بي في الشارع وكانوا في حالة غضب وتشنج واعتدوا لفظيا على متربصتين تعملان في الفضاء».
المحكمة
الدكتور فتحي القاسمي قال انه رفع قضية ضد الشيخ العبيدي والمعتدين باسمه الخاص وباسم الجمعيات التي يمثلها كما ستقاضي بلدية تونس الشيخ العبيدي وكذلك وزارة الثقافة ووزارة الشؤون الدينية التي سبق ان قاضت أمام جامع الزيتونة التي تعتبر إمامته تفتقر لشرط التعيين من الوزارة.
وبغض النظر عن الملابسات القانونية لهذه القضية فان الاعتداء على هذا الصرح الثقافي الذي يشهد على عمق الحركة الاصلاحية التونسية يمثل مؤشرا خطيرا على تراجع الفكر الاصلاحي وسيادة منطق العضلات فمادام الشيخ حسين العبيدي باعتباره إماما للجامع الأعظم يملك حججا قانونية عن ملكية الفضاء كان من الأجدر أن يتوجه للقضاء لاستعادة الخلدونية وكذلك بالنسبة للتهم الخطيرة التي وجهها لفتحي القاسمي عن سرقة آلاف المخطوطات من الجامع الأعظم وهي التهمة التي نفاها القاسمي كلية وقال ان القضاء سيقول كلمته فيما وجه اليه من ثلب وادعاء بالباطل.
لقد احتضنت الخلدونية منذ تأسيسها معظم المصلحين من أئمة وأساتذة وطلبة الجامع الأعظم مثل سالم بوحاجب والطاهر والفاضل بن عاشور والشابي الذي قدم فيها محاضرته الشهيرة «الخيال الشعري عند العرب» والطاهر الحداد وعثمان الكعاك وحسن حسني عبد الوهاب وغيرهم من اعلام تونس المستنيرين كما استضافت الخلدونية محمد عبده عندما زار تونس في العشرينات وطه حسين وغيرهم من رمرز التنوير .
ان الاعتداء على الخلدونية هو اعتداء على تاريخ تونس المستنير، انها حلقة أخرى من حلقات العنف المادي والرمزي ضد تونس العظيمة التي كثيرا ما لا نعرفها!.