تراجعت درجة تفاؤل التونسي بالمستقبل وثقته في الغد.. وتحول إلى كائن أكثر تشاؤما وذي نظرة سوداوية حسب ما أكده لنا عدد من المختصين وحسب دراسة لمعهد استطلاع الرأي والدراسات «أمرود». «الشروق» حاولت تسليط الضوء على مكانة التونسي عالميا في ما يتعلق بدرجة تفاؤله في المستقبل.. كما حاولت معرفة تراجع مرتبته وتحوله إلى كائن متشائم. تحدث السيد نبيل بلعم المدير العام لمعهد استطلاع الرأي والدراسات «أمرود» عن عن تراجع مؤشر الأمل في تونس بالمقارنة مع العالم ككل. وقال إنه حسب دراسة تجرى في 54 دولة عبر العالم تراجعت درجة تفاؤل التونسي في المستقبل مقارنة بإحصائيات السنة الماضية والتي سبقتها.
وأضاف أنه بصفة عامة تراجعت مؤشرات الأمل والتفاؤل في الغد في العالم وذلك نتيجة لعوامل متعددة منها ارتفاع نسب البطالة ووجود أزمة مالية ووجود مؤشرات سلبية وهو ما يدفع نحو التشاؤم لا في تونس فقط بل وعبر العالم.
تراجع «السعادة»
يعتبر قياس معدلات ومؤشرات السعادة والأمل من التقاليد السنوية التي تقوم بها إحدى الشبكات الدولية «وين قالوب» منذ سنة 1977 وعبر 58 دولة في العالم. وقد قام معهد استطلاع الرأي والدراسات «أمرود» بهذه الدراسة في تونس. وحسب الدراسة التي قام بها معهد استطلاع الرأي والدراسات في تونس وإجابة عن سؤال هل التونسي سعيد وراض عن واقعه وفي حياته؟ نجد أن التونسي يحتل المرتبة 49 من بين 54 دولة كما أن معدل سعادة التونسي وتفاؤله قد تراجع خلال سنة 2012 مقارنة مع سنة 2011 ليتراجع مؤشر السعادة من 47 إلى 12.
وقصد مزيد تفسير أسباب فقدان التونسي الثقة في المستقبل وإصابته بالتشاؤم اتصلت «الشروق» بالدكتور حبيب تريعة الدكتور في علم النفس وعلم الاجتماع الذي أكد من خلال معاينته للمجتمع ولحرفاء العيادات النفسية أن التونسي أصبح أكثر تشاؤما وأقل سعادة وثقة في الغد..
وفسر محدثنا أسباب هذا التشاؤم بعدم قدرة التونسي على تلبية مطالبه وأنه كان متفائلا بعد الثورة بتغير الأوضاع وتحسنها وسيرها نحو الأفضل لكن ما وقع هو تراجع على المستوى الأمني والاقتصادي وغياب مؤشرات الراحة.
وأشار إلى غلاء المعيشة وعدم توفر مستويات الراحة وعدم قدرة رب العائلة على تلبية طلبات الأبناء إضافة إلى تراجع المعيشة والتشكيك في المستقبل الاقتصادي وتفشي البطالة.. وأضاف أن العوامل الجوية والطقس يؤثران أيضا في نفسية التونسي وغياب الأمطار تؤثر في القطاع الفلاحي.
من جهة أخرى تحدث السيد حبيب تريعة عن تأثر التونسي بالتذبذب السياسي وغياب القرارات التي تحدث الإضافة وغياب الكفاءات السياسية التي تحدث التوازن والاعتدال وتعطي الثقة في المستقبل وعدم قدرة كفاءات أخرى على تقديم الإضافة وشعورها بالظلم وأن الأقل كفاءة يحكمونها.
السياسة متهمة
قال دكتور علم النفس وعلم الاجتماع حبيب تريعة إن الوضعية الاجتماعية للتونسي والناجمة عن الوضعية الاقتصادية قد جعلت التونسي يفقد الثقة في النفس وفي كل الأشياء ويشعر بغياب النور في آخر النفق، ويشعر بأن الآفاق مسدودة وبغياب الحلول وهو ما يجعل التصادم يتزايد مع الأنا ومع الآخر. واعتبر أن مؤشرات التزايد مرشحة للتصاعد مع هذا الوضع.
واعتبر أن ارتفاع الإحصائيات المتعلقة بتزايد الانتحار واضرابات الجوع والاعتصامات والحرق هي علامة وجود أزمة. ووصف الثورة في ذهن التونسي بأنها ثورة تم القيام بها بالمقلوب وأدت إلى نتائج جعلت الاوضاع تتراجع والشعور بغياب الأمن يتزايد وعمت الفوضى وغاب دور القانون والمؤسسات وقد بدأ البعض يشكك في وجود العدالة ودولة المؤسسات.
وأضاف بأن بوادر الاستقرار والتحسن غائبة وأن التونسي بدأ يشكك في المؤشرات والاحصائيات. واعتبر أن غياب الامن وانتشار السلاح هي من المؤشرات الأخرى للخوف والشعوربالتهديد وغياب الأمل وفقدان الثقة في القانون. كما بدأت الثقة في الشخصيات السياسية وعدد من عناصر الحكومة تهتز.
خمر ومخدرات
اعتبر الدكتور حبيب تريعة أن ارتفاع مؤشرات استهلاك الخمر والمخدرات ومعدلات الإجرام عموما وانتشار العصابات هي من المؤشرات الخطيرة التي تنبئ عن تراجع ثقة التونسي في المستقبل ولجوئه سواء الى الهروب من الواقع أو البحث عن البروز بطرق غير شرعية مع غياب الثقة في القوانين والقيم ودولة المؤسسات. وأضاف أن هناك استخفافا بقيم العمل وقيمة الكفاءة والشهادة مع تغير معايير التميز واقتلاع المناصب والسيادة ودخول البعض للمواقع الريادية بسبب الأقدمية في السجن لا الكفاءة وهو ما يجعل البعض يشكك في قيمة الشهادة والعمل والسلم الوظيفي وغيره.
ويعمد البعض إلى تحقيق القيمة الاجتماعية أو استرجاعها من خلال أساليب ملتوية. ومن الآثار النفسية للتشاؤم نجد تقلص المردودية والإحباط وانجراف نحو السلبية وتراجع النمو والدخول في دوامة من اللامبالاة. كما أشار دكتور علم النفس إلى ارتفاع مؤشرات الإصابة بأمراض نفسية عند التونسي وارتفاع نسب الإحباط إضافة إلى هشاشة نفسية التونسي وتأثرها السريع.