دخل مواطنو مدينة تالة أمس الجمعة 11جانفي 2013 في إضراب عام شل كل مظاهر الحياة العامة في المدينة: المحلات العامة والادارات العمومية والمؤسسات التربوية مغلقة ومداخل المدينة مقطوعة. خيوط الدخان الكثيف المتصاعد من العجلات المشتعلة في نقاط كثيرة من المدينة يحجب الرؤية. اصوات المحتجين وصراخهم يتعالى بشدة ليزيد الجو قتامة.
وبكلمة واحدة بدت المدينة وكأنها مسكن للأشباح. المحتجون من الشباب العاطل عن العمل والفئات المهمشة والتلاميذ كانوا يرفعون شعارات مختلفة تنم عن ضجرهم من الوعود الكثيرة بالتنمية والتشغيل.
«الشروق» كانت حاضرة لرصد اهم الاسباب التي افضت الى هذا المنزلق الخطير الذي يهدد بحدوث انفجار اجتماعي قد لا يمكن التحكم فيه. الذين استجوبتهم الشروق اجمعوا على ان الثورة التي دفعت تالة ثمنها باهظا لم تغير من حياتهم شيئا في ظل تواصل التهميش واقصاء الجهة من كل البرامج التنموية. هذا ما اكده الشاب حمزة السائحي عندما عبر عن استغرابه من سياسة الصمت التي تمارسها السلطة ازاء مطالب الجهة المشروعة. ويضيف بأن هذا التجاهل وصل الى درجة «الاحتقار» عندما لم يكلف احد من المسؤولين نفسه زيارة تالةالمدينة التي لولا صمود شبابها لما نجحت الثورة وذلك بمناسبة احياء ذكرى الثورة في تالة يوم 8 جانفي.
رسائل الطمأنة غائبة
ويشدد محدثنا على فكرة اساسية وهي ان شباب تالة كان يمكن ان يصبر لو تأكد من حسن النوايا تجاه الجهة، فالمرء لا يمكن ان يطلب من شباب عاطل عن العمل تفتقر حياته الى ابسط مقومات الكرامة ان يصبر اكثر من سنتين بعد ان تأكد لديه ان مشاغله وتطلعاته قد انمحت من اجندات السياسيين. ويتساءل حمزة : هل يمكن ان يخدع ابناء تالة بوعود الاستثمار في وقت يخشى فيه المستثمرون الدخول الى تالة تحت فزاعة غياب الامن؟؟؟ ويضيف بأن الدولة لو كانت جادة فعلا في الوفاء بوعودها لبادرت منذ الايام الاولى الى تهيئة المنطقة الصناعية الموعودة وهي المنطقة التي وقع حرثها بعد ان يئس الجميع من اقدام الدولة على تهيئتها كدليل على حسن النية. ويواصل السيد حمزة السائحي حديثه بالتأكيد على غياب مشاريع وبرامج تشغيلية وتنموية واضحة وكل الارقام المقدمة لم تكن سوى ذرا للرماد عن العيون.
الشاب كمال عيدودي جريح الثورة عبر عن غضبه من تضاعف البطالة بعد اغلاق معمل الرخام الذي تشردت بسبب اغلاقه 150 عائلة وبعد هروب المستثمرين من الجهة رغم ان اكثر المناطق امنا هي تالة بشهادة الجميع.؟؟ تالة التي اشعلت الثورة وألهبت القلوب يضيف لم تكن في اذهان السياسيين سوى رقما انتخابيا دليله على ذلك حصول منصف المرزوقي على المرتبة الاولى في تالة اثناء الانتخابات الاخيرة لكنه لم يكن ابدا وفيا لوعوده ولم يعد يذكرها بعد ان وصل الى الرئاسة؟؟
الاضراب العام قابل للاستمرار
ويبدو من خلال ما رصدته الشروق من مظاهر الغضب والاحتقان لدى الشباب ان الاضراب العام قد يستمر وقد يتحول الى عصيان مدني: اذ يؤكد كل الذين استجوبناهم على ان تحركهم سيتواصل الى ان تستجيب الحكومة لمطالبهم. وشدد الذين استجوبناهم على ان الاولوية في مطالبهم الان هي المطالبة بوفد حكومي يزور تالة والحوار مع شبابها، وحذروا في الوقت نفسه بانه لن تنطلي عليهم سياسة الصمت. و سياسة الوعود الجوفاء.
و يؤكد الشاب صابر حيوني وهو شاب عاطل عن العمل حولت البطالة حياته الى جحيم ان التهميش والاقصاء و«الحقرة» لم تعد تحتمل. ويضيف بنبرة غاضبة بأنه رغم البطالة ورغم الفقر وانسداد الافق لم ينحرف ولم يعتد على احد وقضى حياته كلها يبحث عن لقمة العيش كغيره من شباب تالة بعرق جبينه. ويؤكد بأن «للصبر حدود» وان شباب تالة لم يعد يسمح لسياسة الكذب والمماطلة والتسويف بالاستمرار، ويعبر عن سخطه في الوقت نفسه على السياسيين والاحزاب التي اغرقت الجهة بوعود الشغل والتنمية وخدعت شبابها مثلما فعل كما يقول رئيس الجمهورية منصف المرزوقي الذي زار تالة يوم 18جانفي 2011 وعاد اليها خلال حملته الانتخابية واستقبله الاهالي احسن استقبال. لكنه بمجرد حصوله على اصوات اهل تالة وبلوغه الرئاسة تنكر لها ونسي وعوده التي شنف بها اذان الناس وهو بين احضانهم. ويختم حديثه للشروق بالتأكيد على ان الحركة الاحتجاجية ستتواصل وستتصاعد ولن تتوقف الا اذا صدقت ارادة الدولة في النهوض بالجهة والوفاء بتعهداتها ازاءها.
غير انه وفي اتون هذا التوتر الاجتماعي الذي يوشك ان يأخذ منعرجا خطيرا اذا لم تتوفر الارادة في تطويقه هناك شريحة اجتماعية اخرى من المواطنين عبروا عن استنكارهم ازاء حالة الفوضى التي تسود المدينة ورأوا في الجنوح الى قطع الطرقات واشعال النار في الشوارع والانهج اعتداء على مصالح الناس وتعطيلا للحركة التجارية وعمليات تزويد المدينة بالمواد الاساسية واهمها الغذاء والوقود. وتعتبر هذه الفئة بان هناك وسائل اخرى للمطالبة بالحقوق غير قطع الطرقات. اذ ما ذنب المواطن في ان تغلق المؤسسات التربوية وتغلق المحلات وتتعطل مصالحه في الادارة.