رغم تفوّق المرأة التونسية في عديد المجالات إلا أن بعض المهن ظلت حكرا على الرجل لأنها تتطلب في الغالب جهدا بدنيا يفوق طاقة المرأة التي تمكنت رغم ذلك من اقتحامها. أولى هذه التجارب المهنية كانت مع السيدة شريفة بن مبارك، سائقة سيارة أجرة في مدينة الكاف، انطلقت علاقتها مع هذه المهنة منذ سنة 1994 هي أم لبنتين وولد، توفي زوجها منذ مدة مما جعلها تعول على نفسها لتوفير رزق أسرتها وتقول: أجد راحة كبيرة في عملي فالحقيقة تقال لم أجد إلا المساعدة والمؤازرة من زملائي في العمل فهم يحترمونني ويقدرونني إلى أقصى حد. كذلك مستعملو الطريق والحرفاء. أما عن الطرائف التي تعرضت لها في عملها فتؤكد أنها في إحدى المرات استوقفها شيخ كبير وبعد أن رأى أن امرأة تقود السيارة، غير رأيه وقال لها: آسف يا سيدتي ظننتها سيارة أجرة. ولما أكدت له أنها فعلا سيارة أجرة وأنها التي تقودها أبدى استغرابا وتعجبا شديدين.
زملائي شجعوني
أما السيدة عربية بن قدري حيث تعمل في تعليم السياقة منذ سنة 1993 فتقول : شجعني زوجي على تعليم السياقة نظرا لوجوده في هذا الميدان منذ زمن، لم أجد صعوبات كثيرة فالناس تقبلت وجودي ودوري بسهولة، صحيح وجدت بعض الاستغراب والدهشة فى البداية ولكن الناس تجاوزوها بسرعة، كما أن احترام الزملاء أيضا شجعني فلقد وجدت منهم كل الاحترام. تضحك قائلة: إنهم أصبحوا يسموننى «العربي» بدل اسمي الحقيقي «عربية» ويعتبرونني واحدا منهم رغم أني المرأة الوحيدة التي تعلم السياقة في الكاف. وعن إقبال الحرفاء عليها تقول: «عندما دخلت هذا الميدان تصورت أنني سأعمل مع النساء فقط لكن وجدت أن الرجال أيضا متحمسون للتعلم عندي.
تميز في مجال الحدادة
وفي مجال آخر، تمكنت كريمة اليعقوبي من إنجاز مشروع رائد وهو الحدادة، وهي متحصلة على الإجازة التطبيقية في تصميم الأثاث وصاحبة محل للحدادة بعد أن انتفعت بتمويل من البنك التونسي للتضامن. تقول كريمة: «عندما تخرجت، ومثل أي طالب شغل عادي توجهت إلى الشركات الخاصة حيث تعرضت في أكثر من مرة إلى مظلمة فقررت أن افتتح محلا خاصا بي في الأول فكرت في مجالي ألا وهو النجارة بالأساس لكنني سرعان ما تراجعت نظرا للأخطار المحيطة به». أما عن فكرة محل الحداد، فتقول: «كان ذلك بالصدفة حين تابعت في أحد المسلسلات الاستخدام الجمالي المكثف للحديد في كل تفاصيل البيت والديكور حينها قررت افتتاح محل للحدادة وعشقت هذه المهنة من أول يوم وللعلم لم آخذ وقتا كثيرا لتعلمها فقد قمت بدورة تكوينية لم تدم طويلا وسرعان ما تمكنت من أسرار المهنة والتي والحمد لله تميزت فيها لاحقا. أما عن تعامل الناس معها فتتحدث عن الاستغراب الذي واجهته في المرة الأولى وحتى الاستهجان من بعض الناس حتى أن أغلب من دخل المحل يوم افتتاح ظن أن الآلات الموجودة هي إما للعرض أو للبيع.. وتضيف كريمة: الحمد لله الآن لي حرفائي الخاصين، كما أن تعاملي أصبح أكثر مع ربات البيوت نظرا لان الزوج في العادة يترك أمور المنزل للزوجة حيث لا يجدن حرجا في مناقشتي في تفاصيل العمل وإبداء رأيهن، لقد عارض بعض أهلي أن أمارس الحدادة، لكن مع الوقت اقتنعوا بها وأطمح لبعث مؤسسة كبيرة للأثاث والتجهيزات الحديدية.
المطلوب احترام عمل المرأة
قد تكون الصدفة وحدها منذ سبعة سنوات هي التي جعلت نورة تعمل في محطة لبيع البنزين إذ عندما انضممت لفريق العمل، كانت وظيفتها مقتصرة على البيع في «المغازة» فقط لكن مع الوقت أحست أنها تستطيع أن تكون فاعلة أكثر وأن تجرب كل الأعمال لدرجة أنها أصبحت ملمة بكل جوانب العمل بل وأصبحت تقدم استشارات لأصحاب السيارات. فهي ابنة فلاح ولها نوع من الاكتفاء المادي، غير إنها وجدت راحتها في هذه المهنة كما أنها تعلقت بها فالعمل عندها عبادة ومعترك لابد أن تفوز فيه. تقول: «لقد تمكنت من كسب ثقة رئيسي في العمل إضافة إلى ثقة زملائي وحبهم وتعاونهم معي»، سألناها عن معاملة الحرفاء، فقالت: «في العادة يبدو الاستغراب واضحا على ملامحهم لكن سرعان ما تعودوا هذا الوضع، لقد حرصت على أن اكسب تعاطفهم من خلال الابتسامة فالأهم عندي هو أن أترك انطباعا طيبا في كل مكان أكون فيه»، أما عما يشغل بالها هذه الأيام فتقول: «أتمنى فقط أن تزول النظرة الدونية لبعض المهن من عيون بعض الناس وأن يتعلموا أن يحترموا الإنسان لشخصه لا لعمله كما أتمنى أن يحسنوا من أخلاقهم ويهذبوا كلامهم في أماكن العمل التي توجد فيها امرأة».