ما حقيقة مواقفه من مختلف القضايا والملفات ؟وما علاقته بكل من نداء تونس والترويكا ورئيسي الجمهورية والحكومة؟ وما رأيه في الدعوة الاخيرة لزعيم حركة النهضة لإجراء حوار وطني واسع دون اقصاء؟..... هي من بين أسئلة عديدة وجهتها «الشروق» الى الاستاذ كمال مرجان رئيس حزب المبادرة. سنتان مرّا على 14 جانفي، ما الذي تغير حسب رأيكم؟
في الحقيقة التغير حصل في الاتجاهين الإيجابي والسلبي، النقطة الإيجابية الأهم هي تكريس حرية الرأي والإعلام، أكتسب هذا بفضل ثورة 14 جانفي ولا رجعة فيه رغم بعض المحاولات المتفرقة خاصة لتلجيم الإعلام لكن دعنا نكون متفائلين لنعتبرها من خصوصيات هذه المرحلة الانتقالية، وفي انتظار استكمال المنظومة القانونية خاصة لتنظيم قطاع الإعلام حتى تحدد المسؤوليات سواء من الجهة الرسمية أو من المهنيين. في المقابل نلاحظ تراجعا في التوافق الوطني مقارنة بالسنة الأولى للثورة.
هناك من يتخوف من عودة الدكتاتورية؟
لهم الحق في ذلك وأنا أتفهم هذا الخوف، لكن عدم السماح للدكتاتورية بالعودة لا يتم عبر مواقف مرتجلة أحيانا والاحتكام للمشاعر وليس للمؤسسات، لذا أرى أنه من المهم أن يكون الإطار الأولي الذي يحمي من العودة إلى الديكتاتورية هو الإطار القانوني عبر التعجيل بإقرار دستور يضمن مقومات النظام الجمهوري والدولة المدنية وآليات تكريس مبادئ الديمقراطية من حقوق وحريات وتوازن فعلي بين السلط واستقلالية القضاء...
ما رأيكم في أداء السلطة الحالية؟
أعتقد أنكم تعنون بذلك مكوناتها الثلاث وليس الحكومة فقط، أقول أنه كان بالإمكان أحسن مما كان. إرادة العمل الجاد توفرت في رأيي لدى الأغلبية لكن هنالك عوائق وأخطاء في مستوى التجسيم، فعمل المجلس الوطني التأسيسي اتسم بالتباطؤ وهيمن دوره الرقابي للحكومة وما صاحبه من تجاذبات حزبية ونقاشات ثانوية في الجلسات العامة على دوره التأسيسي خاصة وأنه بعد سنة ونيف من انتخابه لم يبدأ بعد النقاش العام في فصول مشروع الدستور وهي مرحلة لن تكون قصيرة بالتأكيد ،أما أداء الحكومة فما نلاحظه أن قلة من أعضائها لبسوا جبة الحكم وما يعنيه ذلك من استقلالية ضرورية عن انتمائهم الحزبي، لكن البعض الآخر اتسم أداؤه بالتذبذب والارتجالية ونقص الكفاءة والتجربة وذلك انعكس سلبا على أداء الحكومة ككل . الخطأ الأكبر الذي حصل في نظري من طرف الحكومة هو انعدام الثقة بينها وبين الإدارة وإرادة تطويع هذه الأخيرة لتكون تحت أمرة السلطة السياسية وبالتالي وقع إقصاء الكوادر ذات الكفاءة والتجربة والتي كان يمكن الاستفادة منهم والعمل على أن تصبح إدارة للجمهورية وليس للنظام حاضرا ومستقبلا.
هل قامت المعارضة بدورها المطلوب؟
ما ينطبق على الحكومة ينطبق على المعارضة بالضرورة، فالوضع في بلادنا جديد والتذبذب هنا وهناك عادي، وأريد أن أبين أننا في حزب المبادرة كان تقييمنا للفترة الانتقالية مختلفا إذ لم نشأ أن نكون في معارضة راديكالية مبدئية بل تبنينا موقف «المساندة النقدية» فأي عمل يقوم به من في الحكم يدعم استقرار البلاد وحماية مؤسسات الجمهورية فنحن نؤيده، وكل ما نرى فيه جانبا سلبيا أو يتعارض مع مصلحة البلاد فسننتقده بالضرورة لكن بموضوعية.
لماذا لا يوجد اتصال مع نداء تونس بالرغم من انكم قريبون في التوجهات؟
في الواقع لم يحصل اي لقاء رسمي بيننا بالرغم من انه في داخل نداء تونس لي الكثير من الصداقات وليس فقط من المجموعة الدستورية كما تربطني بهم علاقة احترام متبادل لكن هم من جانبهم لم يطلبوا التحاور معنا ونحن كذلك لم نطلب وهذه المسائل تحصل بصفة عفوية. ليس لنا خلافات مع نداء تونس وحتى ان التمشي العام الذي انطلق به حزب المبادرة هو نفسه الذي اعتمده نداء تونس وعدم التشاور او الاتصال بيننا ليس مقصودا وذلك وارد مع اي حزب نتفق معه على مبادئ دنيا وهذا يمكن ان يحصل في اي وقت، وقع استدعائي في ندوة الاعلان عن تأسيس النداء ثم لم تحصل محاولة من احدنا للاتصال بالآخر ربما لأن كل منا منشغل بتكوين حزبه.
لكن نداء تونس بصدد مناقشة التحالف مع عديد الاطراف مثل الجمهوري والمسار فلماذا لستم من ضمنهم؟ هناك نقطة اساسية وهي ان سي الباجي عندما قال ان كل من يريد ان يلتحق به يحل حزبه ويأتي كفرد ونحن كحزب له قاعدته ومرجعيته لا يمكن ان نتخلى عنهما لندخل كأفراد في حزب آخر واذا حصل تقارب لا يمكن ان يكون الا في شكل حوار بين احزاب وبسياسة المراحل.
المهم انه ليس هناك موقف سلبي لكن لا يمكن ان نقرر حل حزبنا لنلتحق بالنداء والمستقبل سيبين اننا سنكون حيث نرى مصلحة البلاد.
راجت في عديد المرات أخبار عن لقاءات سرية بينك وبين رئيس الحكومة الحالي والتي رجحت ان ذلك حصل على خلفية التقارب الجهوي بينكما فما مدى صحة ذلك؟ لا لم يحصل ذلك ولم اتقابل ولا مرة بصفة ثنائية مع سي حمادي الجبالي وذلك لا يعني انه ليس هناك احترام متبادل.
بالنسبة للتقارب الجهوي انا مثلما قال مونتيسكيو بالضرورة تونسي وولدت في الساحل بالصدفة وحتى ان تقابلنا نتقابل كوطنيين ولن يكون العامل الجهوي هو سبب لقائنا فهو رئيس حكومة ومسؤولياته تتجاوز الساحل وانا كرئيس حزب مسؤولياتي تتجاوز كذلك الساحل، وارى ان التعامل بيننا يجب ان يكون مبنيا على الاحترام والتقدير.
كوزير خارجية سابق كيف تقيم الوضع في التونس خاصة مع كثرة اكتشاف مخازن الاسلحة والحرب الجارية في مالي؟
الوضع صعب وخطير لأنه لا يجب ان ننظر الى الموضوع من الجانب التونسي فقط وانما من منطلق ما يحصل في المنطقة، وحقيقة انه من الصعب التحكم في 1800 كلم من الحدود البرية والجهد سيكون كبيرا بالنسبة لقوات الجيش والامن لأن تواجد الاسلحة وخاصة التي لم نتعود عليها اي الاسلحة الثقيلة ويجب ان تتخذ كل الاحتياطات واعتقد ان الحكومة تعلم ذلك وتقوم بما يجب.
ان ما حصل في الجزائر مؤخرا كان على بعد 250 كلم عن برج الخضراء وهذا يجعل الوضع اكثر خطورة.
ما تعليقكم على التصريحات الأخيرة لرئيس النهضة الاستاذ راشد الغنوشي التي يؤكد فيها ضرورة إجراء حوار وطني دون إقصاء؟ نرحب بها ونتمنى أن يتوفق الى أن يلعب دورا أساسيا في بناء مستقبل تونس بالتوافق والاعتدال وهو دور سيحفظه له التاريخ. تونس لا تبنى إلا بالوفاق وبمساهمة كل أبنائها دون إقصاء حتى ننكب جميعا وبمسؤولية على معالجة مشاكلنا الأساسية وخاصة منها التنمية والتشغيل.
كيف تم لقاؤكم برئيس الجمهورية الدكتور محمد المنصف المرزوقي؟
ليس اللقاء الأول وكان في إطار المبادرة التي أطلقها للحوار الوطني وقد كان لقاء هاما من حيث استعراض الوضع الحالي الدقيق والصعب للبلاد وسبل تقريب وجهات النظر في إطار حوار وطني مفتوح حتى نتقدم في المسار الديمقراطي وفي إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل المطروحة.
علاقتكم بالأستاذ أحمد نجيب الشابي؟
على الصعيد السياسي أحترم خاصة ثباته على التوجه الذي اختاره ، تأكدت خلال الجلسة الوحيدة لمجلس الوزراء التي حضرتها بعد الثورة ماله من خصال رجل دولة بامتياز لما أظهره من قدرة على التوفيق والاستنتاج للوصول إلى قرارات ترضي كل الأطراف، أما على الصعيد الشخصي فكان له السبق في تحديد نوعية العلاقة بيننا بالموقف الشجاع والمشرف الذي كان له على قناة تلفزية يوم 26 جانفي 2011 والذي لن أنساه له .
ما هي علاقتكم بالأستاذ الباجي قائد السبسي؟
علاقة احترام وتقدير قابلته أول مرة بعد الثورة رغم العلاقة الطيبة التي ربطته في نطاق نشاطهما بالحزب الاشتراكي الدستوري بالمرحوم والدي، دعانا مشكورا إلى الاجتماع الذي أعلن فيه تأسيس حزب نداء تونس فلبينا الدعوة كما كنا قد حضرنا قبل ذلك افتتاح مؤتمر حركة التجديد قبل اندماجها في المسار الديمقراطي وافتتاح مؤتمر حركة الوحدة الشعبية، وهذه علاقة طبيعية يجب أن تكون بين مختلف الأحزاب السياسية.
هل مازلتم تتطلعون إلى الرئاسة وأنتم من طرح اسمه منذ عهد الرئيس السابق لذلك المنصب؟
بالنسبة للماضي سيكشف التاريخ الحقيقة. ولو أن رئاسة الجمهورية تكليف وليست تشريفا ، أعتقد أن هذا الأمر سابق لأوانه. لقد أسست مع عدد من الأصدقاء والرفاق حزب المبادرة أساسا حفاظا على الفكر الإصلاحي الوطني والفكر البورقيبي التقدمي المتشبع بالهوية العربية الإسلامية إيمانا أن دماء شهداء الاستقلال وجهاد المقاومين وبناء الدولة التونسية الحديثة لا يمكن أن تنسى أو تهدر، أردت بتواضع المساهمة في تكوين جيل جديد من السياسيين حول تجربة ومبادئ التوافق والديمقراطية وأكون أسعد إنسان إن وفقت في كل هذا بدرجة معقولة.
العديدون يتحدثون عن أن البلاد تحتاج إلى وفاق تاريخي بين الاسلاميين والدساترة ، ما تعليقكم ؟
دعوني أعيد أن تونس تحتاج اليوم في هذا الظرف الصعب إلى وفاق بين كل أبنائها وأطرافها السياسية ، صحيح أن العائلة الإسلامية والعائلة الدستورية تشكلان مكونين أساسين في هذا المشهد، وذلك ليس بالجديد فالتاريخ يذكر لنا فترات تقارب وفترات صدام، وفي وقت ما كان حزب الدستور يشتمل على الجانب الأهم من ذوي التوجهات الإسلامية المعتدلة في صفوفه، فأي وفاق وطني لا يجب أن يستثني أي طرف ، فلن نعالج إقصاء بإقصاء ولا تهميشا بتهميش، تونس تحتاج للكل في وفاق تاريخي يجمع كل العائلات السياسية، عاصفة الغضب إذا هبت فإنها لا تفرق بين إسلامي ودستوري واشتراكي أو شيوعي.
هل تجاوز كمال مرجان وحزبه صعوبات ما بعد 14 جانفي؟
لا أرى حزبا تجاوز صعوبات ما بعد الثورة، لكن نوعية الصعوبات تختلف من حزب لآخر، وقد بدأ في اعتقادي الفهم تدريجيا بأن كمال مرجان وحزب المبادرة يعملان لصالح الوطن وخدمة للأهداف الحقيقية المشروعة للثورة.
الدستوريون والتجمعيون ما يزالون محط انتقادات واسعة وهم محل تجاذب كبير إذ كيف من شارك منظومة الحكم السابقة أن يندرج في سياق التحول الديمقراطي والممارسة التعددية؟
يجب تحليل منظومة الحكم السابقة وما عاشته من انقسامات وتمزق خاصة في العشرية الأخيرة، لم يكن حزب التجمع سيد نفسه ولا سيد أفكاره، وما تمزق الدساترة اليوم إلا نتيجة لما عاشه التجمع في السنوات الأخيرة. التحليل الصحيح يرد الاعتبار لكل من عمل صالحا والإقرار بالانجازات والإخفاقات يمنع تكرر المأساة، فالدساترة بمعية الشعب حققوا الاستقلال وبناء الدولة والتعليم المعمم والمجاني وحقوق المرأة والصحة والبنية التحتية والمصعد الاجتماعي إلى حد زمن الإعلامية ، صحيح أن بعض النقائص السياسية والاقتصادية أدت إلى حتمية الثورة ، كله مسار تاريخي بين الانجازات والإخفاقات وهذه سمة إنسانية فالإنسان قادر على التعلم وإصلاح ذاته ومحيطه وإلا لما كان العلم ولما كان الإسلام، العلم يرفع الجهل ويغير العقول والأنفس.
البعض يقول إنكم لم تقوموا بعملية نقد ذاتي واسعة؟
كنت أول من بادر بتقديم الاعتذار للشعب التونسي عما يمكن أن أكون أخطأت فيه على أمواج الأثير، أما عملية النقد الذاتي الواسعة فنحن بصدد التحضير لها علميا وأدبيا وأخلاقيا ثم هل قام من يتكلمون عن ذلك بأي اقتراح حقيقي واقعي لوضع إطار قانوني لذلك كما اقترحت ذلك شخصيا أكثر من مرة وقلت أنني جاهز لأكون أول من يتقدم أمامه.
اليوم وبعد مرور سنتين على 14 جانفي، كيف تقرؤون مشاركتكم في منظومة الحكم السابق التي لم تكن في كل الأحوال ديمقراطية؟
اعتقدت أني أخدم البلاد في وزارتي الدفاع ثم الخارجية والعصيان المدني ليس من ثقافتي ، بل من ثقافتي المساهمة في العمل الوطني رغم النقائص ، يمكن أن يعاب علي هذا أو أن أفهم فيه ويمكن أن أخطأ أو أن أصيب وهذا قدر البشر.
كيف تنظرون إلى «مشروع قانون تحصين الثورة»؟
موقفنا من هذا المشروع مبدئي، فتحصين الثورة يكون بإيجاد حلول للأسباب التي كانت وراء قيامها وهي بالأساس التشغيل والتنمية الجهوية، وبوضع منظومة قانونية في نطاق النظام الجمهوري تضمن الحقوق والحريات وتكرس الديمقراطية عبر الانتخاب، وأي عمل إقصائي بدون رجوع للقضاء تكون نتيجته