في أقل من ثلاثة أسابيع استطاعت القوات الفرنسية مدعومة بما تبقى من الجيش الحكومي المالي أن «تكنس» الجهاديين من شمال مالي وتعيد لهذا البلد وحدته الترابيّة. هذا الانتصار الحربي السهل الشبيه ب «البليتز قريق» Blitzgrieg تلك الاستراتيجية التي انتهجتها ألمانيا في الحرب العالمية الثانية والمتمثلة في شنّ هجوم مباغت وكاسح ومحدد في الزمان لكسر قدرات العدو وتفكيك تنظيماته قلنا هذا الانتصار يبقى معلقا مالم تعالج الإشكاليات الحقيقية التي أدت إلى ضعف دولة مالي وضعضعتها حتى صارت مطمعا ومرتعا للمجموعات الارهابية المتاجرة بالاسلام.
وإشكاليات مالي هي ذات الاشكاليات التي تعاني منها كل دول شبه الساحل الافريقي وهي أساسا الفقر والأميّة والتردي الاقتصادي والاجتماعي والتخلف العلمي والتقني وهي كلها ألغام تقوّض كل إرادة في التقدم لهذه البلدان إن لم يكن زرعها الاستعمار كلها فهو مسؤول عن قدر كبير منها.
ربحت إذن فرنسا المعركة لكنها لم تكسب بعد الحرب التي سوف تستغرق سنوات طويلة يتحتم فيها على فرنسا أن تضيف إلى النجاعة العسكرية حسن النية السياسية فتعمل جديا على إنجاح الانتقال السياسي في مالي وميلاد اقتصاد محلي كما أنها مطالبة الآن بإثبات صدقها في ضرورة رفع مستوى دعمها لتطوير هذا البلد الذي يعدّ من أكثر البلدان فقرا وذلك أولا بإعادة مدّ البنى التحتية الضرورية لعودة حركة التبادل الاقتصادي والتجاري الداخلي ومع دول الجوار والمساعدة ثانيا على قيام سلطة شرعية تكون لها القدرة اللازمة على قيادة مشروع تنموي يعيد الأمل للشعب المالي ويدعم وحدته.
الحرب انتهت بعد ثلاثة أسابيع...لتبدأ من جديد ضد الأسباب التي أدت إلى قيامها والمؤسف في كل هذا أن هذه الحرب تدار ضد من انتحلوا صفة الاسلام والذين لا يعدون أن يكونوا غير عصابات قطاع طرق ومخدرات وتجار أسلحة يقتلون الابرياء يخربون المنشآت والمعالم ويروعون المواطنين العزل وكل ذلك بإسم ديننا الحنيف الذي هو بريء منهم ومن اجرامهم.
إن ما لحق صورة الاسلام والمسلمين من تشويه في هذه الحرب ضد المجموعات الارهابية في مالي قد يحتاح إصلاحه عقودا طويلة من الزمن هذا إن صحّ من المسلمين العزم وهبّوا كالرجل الواحد للوقوف ضد هذا الانحراف المتزايد بديننا السمح والزجّ به في معارك ليست فقط خاسرة مسبقا بل يعطي لأعداء أمتنا أسلحة جديدة أخرى تزيد في قوتهم وتزيد في ضعفنا إنها أسلحة الاعلام الاتصال في هذا العالم المعولم.
لقد أنهت فرنسا معركتها العسكرية في مالي لكن الحرب ضد الارهاب باسم الدين لم تنته ولعلها انتقلت إلى كل بلدان المنطقة ومنها بلادنا.