تونس (الشروق): لكل منّا حكاية أو حكايات مع الأدب مع الكتب والكتّاب. فلكل مرحلة عمرية اختياراتها وأحلامها وأوهامها أيضا. ما هي الكتب التي بقيت في ذاكرتهم! مَن أحبّوا من الكتّاب؟ «الشروق» طرحت هذا السؤال على عدد من الوجوه من خارج الوسط الادبي لكن لها صلة وثيقة بالأدب من خلال القراءة وفي هذه الشهادات نكتشف عمق اهتمام هذه الوجوه التي حاورناها بالأدب إذ تنوعت الاهتمامات من الأدب الكلاسيكي العربي الى الأدب الكلاسيكي الفرنسي وصولا الى الشابي والمسعدي ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وعز الدين المدني وماركيز. حسناء البجاوي: «موسم الهجرة الى الشمال»... والشابي يصعب على الانسان أن يلخص الكتب التي رسخت في ذاكرته في كتاب واحد أو كتابين كما يستحيل أن يقتصر اهتمام من يحب الادب في كاتب واحد ولكن دائما هناك أفضليات. شخصيا لا أنسى رواية «موسم الهجرة الى الشمال» فهذه الرواية أثرت فيّ كثيرا لروعة اللغة التي كتبها بها الطيب صالح ومناخات القرية السودانية في مواجهة ضباب أوروبا، أما عن الكتّاب فأنا من عشاق الشابي لانه يذكّرني بطفولتي ربما علاقتي بالشابي علاقة روحية لا أستطيع تفسيرها فحين أقرأ قصائده تنتابني مشاعر يصعب تفسيرها. مشاعر من فرح الطفولة وكآبة الروح الخرساء التي طالما تحدث عنها الشابي في قصائده ونثره. حاتم بن عمارة: الشعر التونسي... و»أولاد حارتنا» لا أقرأ لكاتب محدد ولم أتأثر بكتاب معين هناك مجموعة من الكتب بقيت في الذاكرة وخاصة الشعرية. أنا من المتيّمين بالشعر التونسي لانني عشت بدايات الشباب مع الشعراء التونسيين في مقاهي باب البحر مثل أولاد أحمد وآدم فتحي ومنصف المزغني وعزوز الجملي وعبد الله مالك الاسمي وغيرهم... أقرأ لكل هؤلاء وأغلب ما يصدر في الشعر التونسي كذلك أقرأ شعر نزار قباني. لكن الكتاب الذي لن أنساه والذي قرأته ثلاث مرات على الاقل فهو رواية «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ. اكتشفت هذه الرواية عندما كنت تلميذا في السنة الثالثة أو الرابعة ثانوي في ناد أدبي في حمام الانف كان يشرف عليه الروائي حسن نصر. قرأت هذه الرواية آنذاك وعدت اليها في مرحلة أخرى وأعدت قراءتها في السنوات الاخيرة فأكتشف في كل مرة شيئا جديدا فيها فهي من روائع الادب ومن الكتب التي لا يمكن أن أنساها مهما تقدم بي العمر. لان الادب الخالد يبقى خالدا الى الابد. إكرام عزوز: المسعدي... ومائة عام من العزلة من يستطيع أن ينسى محمود المسعدي وخاصة كتابيه «حدّث أبو هريرة قال» و»السد»؟! لقد أحببت اللغة العربية من خلاله، فحين أقرأ لمحمود المسعدي أكتشف سحر اللغة العربية وجمال البيان. وفي الحقيقة ليست اللغة فقط هي ما حبّب إليّ المسعدي بل وجوديته التي أفتتن بها في المراهقة في البكالوريا خاصة... شخصية «غيلان» الطموح و»أبو هريرة» القلق الباحث عن «برد اليقين» الذي حاول «أن يجعل من كل حياتنا فجرا»... هذا ما بقي في ذاكرتي من سنوات المراهقة وأحلام الشباب. وحين انفتحت أمامي أبواب أخرى في الادب اكتشفت غبريال غارسيا ماركيز الذي قرأت كل أعماله لكن يبقى أقربها الى نفسي «مائة عام من العزلة». فهذا الكتاب لا أملّ قراءته وأعتبره أجمل ما قرأت في حياتي. يوسف الرقيق: «السد»... والشابي في الحقيقة الكتب التي بقيت في الذاكرة كثيرة ولكن إذا كان لابد من الاختيار فإن ما بقي في ذاكرتي هو بلا شك كتاب محمود المسعدي «السد» الذي يبقى من أكثر الكتب تأثيرا في الاجيال التونسية إذ أنه يصوّر صراع الانسان مع الوجود وإيمانه بأنه لا شيء مستحيل إذا تعلقت همّة الانسان بذلك. «غيلان» هو نموذج الطموح والاصرار والارادة لذلك بقي «السد» حيّا دائما في ذاكرتي، أما بالنسبة للكتّاب فإنني من المتيمين بالشابي ليس في كتابه «أغاني الحياة» فقط بل في ذكراته ورسائله وكتابه الرائع: الخيال الشعري عند العرب كما أحب كتابات صديقي عمر بن سالم سواء في الرواية أو المسرح. خديجة السويسي: الأدب الكلاسيكي الفرنسي... وعز الدين المدني منذ بداياتي وتحديدا في سنوات المراهقة اهتممت بالادب الكلاسيكي الفرنسي خاصة. وأعجبت ببودلير في «أزهار الشر» وأرتير رمبو في «فصل في جهنّم» وفرلان وألبير كامي وبلزاك وديدرو وغيرهم من كبار الكتّاب الفرنسيين وأعتقد شخصيا أن هؤلاء لن يموتوا لان إبداعهم خلّدهم. كذلك لا أستطيع أن أتحدث عن كتاب واحد... ليس في الادب الغربي فقط بل حتى في الأدب العربي إذ أحببت توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف ادريس ونزار قباني ومحمود درويش. وفي تونس تعجبني أعمال عز الدين المدني في المسرح والقصة مثل: حمودة باشا مولاي الحسن الحفصي الحمّال والبنات رسالة الغفران تعازي فاطمية ثورة الزنج الحلاّج ثورة صاحب الحمار ... أما سمير العيادي فهو من الكتّاب المقرّبين إليّ وخاصة في «صخب الصمت» و»عليسة» وغيرهما من المسرحيات التي قدمت في المسرح التونسي. المنجي بن ابراهيم: «كليلة ودمنة»... وسعد الله ونّوس في الحقيقة الكتب التي بقيت في الذكرة كثيرة وحين طرحت عليّ هذا السؤال وجدت ذاكرتي تسافر بعيدا وتتصفح قائمة الكتب التي لا يمكن أن تهملها الذاكرة. أول هذه الكتب «كليلة ودمنة» فهذا الكتاب أحلم أن يأتي يوم وأقدمه في المسرح لأنه كتاب كل العصور. في مرحلة ثانية أحببت التاريخ من خلال مقدمة وتاريخ ابن خلدون. هذا الافتتان المبكّر بالكتب ربما يعود في جزء كبير منه الى البيئة التي عشت فيها والتي دفعتني الى الاهتمام بالكتب والعيش معها لانني أعتقد أن الكتاب مثل الصديق الذي تتحاور معه في شتى شؤون الحياة أما عن الكتاب فلا أستطيع أن أنسى صديقي سعد الله ونّوس الذي اعتبر انه من أنبل الظواهر التي خلقتها الثقافة العربية أنه صديق حميم وكاتب رائع وإنسان نبيل. أعتقد جازما أن المرض الذي أصابه كان بسبب احتراقه بآلامنا العربية التي كان المرحوم يحملها معه ويكتبها وفي كل ما كتب لن تجد إلا همومنا وخيباتنا ومراراتنا العربية... هناك كتّاب آخرون طبعا لكن سعد الله ونّوس الأقرب إليّ.