أجمل الابداعات هي تلك التي تخرج من رحم المأساة والعذاب... رغم أن هذه المقولة لم تعد تجد لها من مستند في معظم ابداعات هذه الايام، فإنها تزداد مصداقية وعمقا كلّما تأملنا بنظرة مقارنة في المشهد الابداعي بين الامس واليوم في مختلف مجالاته. فالقصيدة الجميلة والرواية المميزة أو القصة لا تخرج للوجود دون مخاض عسير يعيشه صاحبها. فالخنساء كتبت أجمل ما قيل في شعر الرثاء وهي مكلومة الفؤاد لفقد الاحبة. كما تفجّرت قريحة احمد فؤاد نجم وهو يعايش أقسى اللحظات خلف جدران السجن. كما صنعت الطفولة المعذبة وسنوات من التشرد والجوع نجما في سماء الكتابة مثل الراحل محمد شكري. والأمر ذاته ينطبق على أسماء اخرى لمعت في مجالات غير الشعر والكتابة مثل الغناء والتمثيل. فعذابات العندليب الاسمر منذ لحظة ولادته والتي رافقته طيلة حياته كانت وراء كل ذلك الكم من الاحساس والصدق الذي جعل من عبد الحليم يتربّع على عرش القلوب الى اليوم. والقائمة قد تطول لو أتينا على ذكر كل هؤلاء الذين كابدوا الالام والصعوبات، وحفروا في الصخر حتى تخرج اعمالهم في اجمل الصور وهو ما جعلها تظل خالدة رغم رحيل اصحابها عن الدنيا. وقد مات كثير منهم قبل ان ينال شهادة النجومية التي منحت لهم بعد وفاتهم. والحديث عن هؤلاء يفتح باب الشجن ويجعلنا نشعر بالغبن نيابة عنهم، ونحن نشهد كل يوم فرقعة جديدة تحمل اسم نجم او نجمة. فنحن نعيش اليوم عصرا اصبحت فيه النجومية من الصناعات الخفيفة. مثلها مثل المعلبات وقوارير البلاستيك وأكياس «الكوب كورن» ومناديل الورق. وهي اشياء تلاقي الرواج لكنها لا تصلح للاستعمال سوى مرّة واحدة.