يحرص كثير من الأولياء على زيارة المدرسة طيلة السنة الدراسية ومقابلة المعلمين للسؤال عن أبنائهم والإطمئنان على مردودهم التعليمي وهو أمر مشروع وضروري. ومطلوب في الكثير من الحالات غير أنه يتحوّل الى ظاهرة مرضيّة لافتة أثناء فترة الامتحانات يعاني منها الاطار التربوي وتزعج التلميذ ذاته وتربك شخصيته حيث تعمد بعض النساء الى الإلحاح في السؤال أثناء الوقت المخصص لزيارة الأولياء وفي غير هذا الوقت ومطالبة المعلمة بمدّها بتفاصيل مستفيضة ليس عن ابنها فحسب بن عن محتوى الدروس ومواضيع الامتحانات (برغم أن محاورها مدرجة بملف التقييم والمتابعة) والضغط عليها بشكل يومي وابتزازها من أجل «الشهادة». ولا تجد بعضهن حرجا من إيقافها أثناء الطريق أو ملاحقتها (بالسيارة أحيانا) الى حدود بيتها.. معتقدة أن كل هذه الأساليب ستجعلها تعامل ابنها معالمة خاصة بل إن الأمر يتحوّل الى تحقيق عسير معها بعد الاتصال مباشرة بدفتر التقييم ومساءلتها حتى في صورة نيله 15/20 في الرياضيات على سبيل المثال والتشكيك بنزاهتها وتحميلها المسؤولية كاملة في ضياع النقاط الخمس الباقية ويصبح مكتب المدير في هذه الفترة أشبه بمركز للشرطة يتقبل الشكايات ويكشف البراهين ويحسم النزاعات. إن هذا السلوك الذي تتعمده بعض الأمهات مدفوعات بالغرور والأنانية وحب التسلّط وليس بحسّ الأمومة كما يتصوّرن فيفقد التلميذ ثقته بنفسه ويربك علاقته بمعلّميه ويؤثر على مزاجه داخل القسم. إن العناية بالطفل تبدأ من المحيط العائلي والجوّ الأسري. إن جوّا أسريا مشحونا ومتوتّرا يؤثر حتما على تركيز التلميذ وانتباهه داخل القسم والحرص عليه يبدأ من الحرص على هندامه وأدواته المدرسية فما معنى مثلا أن يأتي تلميذ الى المدرسة طيلة شهور طويلة بمئزر منزوع الأزرار أو بحذاء مفكوك الخيوط وشعر غير مسرّح وعيون «بالدعماش» وأن يظلّ مفتقرا على الدوام الى الطباشير والأقالم.. في الوقت الذي ترابط فيه والدته قرب المدرسة مترصّدة المعلّمة معتقدة أن حرصها يتمثل بالأساس في «مقابلة المعلمة» وكأن هذه المقابلة هي الحل السحري الذي سيضمن حقوقه كاملة ويحوّله في رمشة عين الى صفوف العباقرة. إن سلوك مثل هؤلاء الأمّهات لا يعود الى شخصيّة واعية ومسؤولة ومستقلة بل إلى نماذج بشرية مختلة تعان من عدم الثقة بنفسها وبالآخرين ويساهمن دون أن يدرين في توتر علاقة أبنائهن بالمدرسة وتدهور نتائجهم في مرحلة لاحقة.