بقلم: الدكتور: محمد الطاهر الرزقي تونس الشهادة منحة إلهية ومظهر من مظاهر رحمة الله بالانسان وتكريمه له فالانسان المؤمن بالله عز وجل وبرسوله محمد ص ايمانا قويا اذا مات في سبيل الله فهو شهيد. ويشاركه في هذا الوصف اصناف اخرى من المؤمنين. الشهادة فيها اختيار وتكريم للشهيد وتخصيص له بالقرب من المولى عزّ وجل وبهذا يكون قد اعطي المكانة الرفيعة الممتازة واي مكانة ارفع من القرب من الله!هذه المكانة الناتجة عن الموت في سبيل الله لا يصل اليها المؤمن الا اذا قاتل لتكون كلمة الله هي العليا. وهذا يوضحه ويقرّه الحديث الآتي فقد «سئل النبي ص عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حميّة ويقاتل رياء؟ فقال رسول الله ص: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».والشهيد ميّزه الله بحياة برزخية خاصة فيها اعتزاز له وتمتّع بفضل الله وكرمه ورزقه من جنّته منحت روحه في هذه الحياة الكشف على ما يسرّها من احوال الناس الذين يهمها شأنهم في الدنيا. فهي لا تفارق السرور والاستبشار والشعور بالسعادة. وهذا يشير اليه قول الله تعالى:{ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع اجر المؤمنين}. (آل عمران: 169170171). **الشهداء ثلاثة أصناف 1 شهيد في الدنيا والأخرة وهو من قتل في حرب في سبيل الله ظلما. وهو لا يغسل ولو كان جنبا، ويكفّن في ثيابه الصالحة للكفن ويكمل ما نقص منها، وينقص منها ما زاد على كفن السنّة، ولا يصلّى عليه لأن صلاة الجنازة تكون على الميت والشهيد حى عند ربه يرزق وتكون للشفاعة وقد اغنته عنها الشهادة التي خولتها الشفاعة لغيره. 2 شهيد في الدنيا دون الآخرة وهو من قُتل مدبرا اي هاربا او من غلّ من الغنيمة اي اخذ منها شيئا في خفية ودسّه في متاعه اثناء القتال اي قبل قسمة الغنائم وقبل اطلاع المشرف على القسمة عليه. فهذا الغالّ اذا قتل لا يصلي عليه الإمام ويصلي عليه الناس صلاة الجنازة. 3 شهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا وهو من مات بشدة وآفة. اذكر هنا اصنافا من الشهداء يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء. واما في الدنيا فيغسلون يكفنون ويصلى عليهم. وهم كثيرون اوصل العلماء عددهم الى خمسة وأربعين. وقد ألّف في هذا النوع من الشهداء عبد الرحمان السيوطي 911ه 1505م رسالة سماها: «ابواب السعادة في اسباب الشهادة». ذكر هذا الصنف من الشهداء يعتمد على ستة احاديث نبوية مختارة تعتبر المرجع والأساس في هذا الباب. هذه الاحاديث رواها ثلاثة من الصحابة الاجلاء احدهم من العشرة المبشرين بالجنة وهو سعيد بن زيد (51ه / 671م) والثاني هو ابو هريرة (57ه/676م) والثالث هو جابر بن عتيك الانصاري الخزرجي السلمي. هذه الاحاديث رويت روايات متعددة مع تغيير طفيف في اللفظ يشمل الروايات المنطلقة من الراويين ابي هريرة وجابر بن عتيك. وقد وقع اختيارها لأنها الأصح متنا وسندا ولأنها اجمع لأصناف الشهداء من غيرها. لا يخلو بعض هذه الاحاديث من ذكر الصنف الاول من الشهداء مع تركيز وبيان للأصناف الاخرى من الشهداء الذين سيذكرون في ما يلي. اما رواية ابي هريرة فقد جاءت في ثلاثة احاديث مختلفة في اللفظ ومتقاربة في المعنى. اما الحديث الاول الذي رواه ابو هريرة رضي الله عنه فهو ان النبيصقال: «ما تعدّون الشهيد فيكم؟». «قالوا: «يارسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد». «قال: «ان شهداء امتي اذن لقليل!». «قالوا: «فمن هم يا رسول الله؟». «قال: «من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد» قال عبيد الله بن مقْسم: «اشهد على ابيك في هذا الحديث انه قال: والغريق شهيد». هذا الحديث مروي في الجزء الثاني من صحيح مسلم (261ه/ 874م) كتاب الامارة باب بيان الشهداء. ورواه ابن ماجة (275ه/ 888م) في الجزء الثاني من سننه، كتاب الجاد، باب ما يرجى فيه الشهادة، رقم 2804 مع تغيير في اللفظ وتوافق في عدد الشهداء، نص الحديث هو: عن ابي هريرة عن النبيصانه قال: «ما تقولون في الشهيد فيكم؟» قالوا: «القتل في سبيل الله». قال: «ان شهداء امتي اذن لقليل! من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، والمبطون شهيد، والمطعون شهيد». قال سهيل: وأخبرني عبيد الله بن مقسم عن ابي صالح (101ه / 719م) وزاد فيه «والغرِقُ شهيد». **7 أصناف اما الحديث الثاني الذي رواه ابو هريرة في بيان اصناف الشهداء فهو قول الرسولص: «الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغَرِق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله عز وجل». هذا الحديث مروي في الجزء الثاني من صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب بيان الشهداء ص 160 . ورواه الإمام مالك (179ه/ 795م) في الموطأ برواية محمد بن الحسن الشيباني (189ه/ 804م) عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهداء خمسة: المبطون شهيد والمطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب الهدم شهيد، والشهيد في سبيل الله». الحديث مذكور في هذا الموطإ في باب «ما يكون من الموت شهادة» ص 108 . هذان الحديثان المرويان عن ابي هريرة ذكرا في صحيح مسلم وفي سنن ابن ماجة وفي موطإ الإمام مالك برواية محمد بن الحسن الشيباني. ذكر في هذين الحديثين اصناف من الشهداء زيادة على الشهداء من الصنف الاول وهم: 1 من قتل في سبيل الله اي في طاعة الله. 2 من مات في سبيل الله كمن مات مرابطا 3 المطعون اي من مات بالطاعون 4 المبطون وهو الذي يموت بمرض البطن كالسرطان الذي يصيب المعدة والأمعاء والكبد 5 الغريق او الغَرِق هو من مات غرقا في الماء. 6 صاحب الهدم وهو من مات تحت الهدم. الحديث الثالث: يضاف الى هذه الاصناف صنف سابع ذكر في حديث نبوي مروي عن ابي هريرة في المجلد الثاني من سنن ابن ماجة: كتاب الحدود، باب «من قتل دون ماله فهو شهيد» ونص الحديث: «عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أُريد ماله ظُلما فقُتل فهو شهيد». 7 من قتل دون ماله فهو شهيد. وأما رواية جابر بن عتيك فرويت بسند صحيح في موطإ الإمام مالك برواية محمد بن الحسن الشيباني في باب «ما يكون من الموت شهادة». ورويت في «المسوّى شرح الموطإ» لولي الله الدهلوي. هذا الموطأ رواه عن مالك يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي (234ه/ 848م) والحديث مذكور في الجزء الثاني من المسوّى في باب: «الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله» من كتاب الرقائق. ورويت ايضا بسند صحيح في مسند احمد بن حنبل (241ه / 855م) وسنن ابي داود (275ه / 888م) وسنن النسائي (303ه/ 915م). ولم يختلف الحديث المروي عن جابر بن عتيك في جميع هذه الروايات الا اختلافا قليلا جدا. نص الحديث واللفظ وارد في «المسوّى شرح الموطإ» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله، المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجُمْع شهيدة». في هذا الحديث اصناف من الشهداء زيادة على شهداء الصنف الاول وهم: 1 من قتل في سبيل الله 2 المطعون 3 الغريق 4 صاحب ذات الجنب: هو صاحب القروح التي تصيبه داخل جنبه وتنشأ عنها الحمى والسعال. 5 المبطون 6 الحريق وهو من يحترق في النار فيموت 7 الذي يموت تحت الهدم 8 المرأة تموت بجُمع وهي التي تموت في النفاس وولدها في بطنها لم تلده وقيل هي التي تموت عذراء لم تفتضّ. والجمع: الشي المجموع والمعنى انها ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل عنها فيحتمل الحمل والبكارة. في هذا الحديث اصناف اخرى من الشهداء زيادة عما تقدم في الحديثين المذكورين سابقا. فمن الشهداء الذين يضافون الى من سبق: 9 صاحب ذات الجنب كالمصاب في رئتيه 10 الحريق 11 المرأة تموت بجُمع. **4أصناف اما الحديث الذي رواه سعيد بن زيد مرفوعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو: «من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون اهله فهو شهيد». هذا حديث صحيح اخرجه احمد بن حنبل في المجلد الاول من مسنده ص190 . وأخرجه الترمذي (279ه/ 892م) في الجزء الاول من صحيحه ص 266 . وقال: «حديث حسن صحيح» واخرجه ابو داود في سننه برقم (4772). وأخرجه ابن ماجة في الجزء الثاني من سننه، كتاب الحدود، باب من قتل دون ماله فهو شهيد. رقم 2580 . ونص الحديث لم يتغير في هذه الكتب الا في ترتيب الشهداء فوقع فيهم تقديم وتأخير وفي ابن ماجة حديث ذكر فيه صنف واحد وهو من قتل دون ماله. احتوى هذا الحديث على اربعة اصناف من الشهداء. ذُكر صنفان منهم في الاحاديث السابقة وهما من قتل دون دينه اي في سبيل الله وطاعته، ومن قتل دون ماله. والصنفان الآخران لم يذكرا من قبل ولهذا يضافان الى قائمة الشهداء المذكورين سابقا كما يلي: 11 من قتل دون دمه فهو شهيد لما في ذلك من الدفاع عن النفس. 12 من قتل دون اهله فهو شهيد لما في ذلك من الدفاع عن العرض والشرف. والملاحظ ان ذكر العدد في الاحاديث المتقدمة مثل (الشهداء خمسة) او (الشهداء سبعة) ليس للحصر بدليل اختلاف العدد فيها وانما هو للعرض وللفت نظر السامع وجلب انتباهه. 13 يضاف الى الشهداء من قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: «من سأل الله الشهادة بصدق من قلبه، بلّغه الله منازل الشهداء، وان مات على فراشه». ذكرت اصناف أخرى من الشهداء في احاديث ضعيفة السند فيها المتروك ومنكر الحديث ومن اشتهر بالكذب ذكر اغلبها في كتب الموضوعات. مثال ذلك من مات مريضا او غريبا. وصاحب الحمّى واللديغ والمحبوس ظلما وطالب العلم ومن يصلي الضحى المتمسك بالسنة عند فساد الأمة. يمكن ان يجازى هؤلاء جزاء حسنا وان ينالوا ثوابا عما قاموا به، ولكنه لا يكون كأجر الشهداء ولا يكون موتهم شهادة. أما الشهداء المذكورون في احاديث صحيحة فيغفر الله لهم كل ذنب الا الدّيْن ومظالم العباد مثل القتل وأكل اموال الناس بالباطل ونحو ذلك. فقد تفضّل الله على امة محمد صلى الله عليه وسلم فجعل هذه الميتات اسبابا لغفران الذنوب وللزيادة في الاجور. يشير الى ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ويغفر لشهيد البرّ الذنوب كلها الا الدّيْن، ولشهيد البحر الذنوب والدّيْن». والمقصود بالدّيْن هنا ترك الوفاء به اما نفس الدين فليس من الذنوب. اردت بهذا العرض بيان اصناف الشهداء بالاعتماد على الاحاديث الصحيحة لإظهار رحمة الله الواسعة بالعباد فيعلم من مات في سبيل الله ومن ابتلى بمرض عضال كالطاعون والسرطان ومرض نقص المناعة في الجسم انه يتفضل عليه الله بتبليغه منازل الشهداء. ومثله من مات في حادث أليم كالموت تحت الهدم والموت احتراقا او غرقا او في النفاس. ومثله من مات مدافعا عن نفسه او اهله او ماله.