الأحكام الشرعية لا تمثل في الإسلام إلا «صفر فاصل» في لقاء صحفي جمع رئيس حركة النهضة صباح أمس بعدد من الصحفيين من تونس والخليج و أوروبا أورد السيد راشد الغنوشي أن حزبه يعترض على كل التهديدات التي وجهها البعض الى المواطنين التونسيين اليهود ويعتبرها «مرفوضة مبدئيا وسياسيا واخلاقيا».. كما انتقد «المواقف المتشددة والمتطرفة» الصادرة عن مجموعات دينية سلفية مصرية دعت الى اقصاء الاقباط (المسيحيين) من لجان صياغة دستور مصر.. وأورد الغنوشي أن «تقسيم المجتمع سياسيا حسب الانتماءات الدينية خطأ.. وأن حسم الخلافات في القضايا الجوهرية مثل ملف الشريعة والصبغة الاسلامية للدولة حسب منطق «أغلبية وأقلية» مرفوض.. لأن الوفاق السياسي ضروري حول الملفات الكبرى بصرف النظر عن حجم كل الاطراف السياسية والحزبية والمذهبية والدينية والطائفية.. ولا ينبغي فرض أي شكل من أشكال الاقصاء على الاقليات الدينية والطائفية والمذهبية.. واستدل الغنوشي على عقم هذا الخيار بما جرى في السودان حيث كانت النتيجة تقسيم البلاد أو في الجزائر عام 1991 حيث كانت الحصيلة انقلابا وحوالي ربع مليون قتيل غالبيتهم الساحقة من المدنيين الابرياء.. وما جرى في افغانستان حيث تسببت القراءات المتطرفة للإسلام والشريعة في كوارث بالجملة وممارسات استبدادية مرفوضة جملة وتفصيلا وان تقررت باسم الدين».. وسجل الغنوشي ردا على سؤال «الصباح» في هذا اللقاء الصحفي أن المواطنين اليهود «مواطنون منذ قرون ولا مجال لتبرير اي اعتداء لفظي او مادي عليهم.. مثلما لا يمكن تبرير أي لون من اقصاء المواطنين بناء على معتقداتهم الدينية وانتماءاتهم المذهبية أو موقفهم من العلمانية وان كانوا اقلية.. «واردف الغنوشي قائلا:» لقد سبق أن اتصلت شخصيا بممثل الطائفة اليهودية في تونس واعلمته شجبي للشعارات المعادية لليهود التي رفعتها اقلية من المتجمعين لاستقبال السيد اسماعيل هنية في مطار قرطاج مطلع جانفي الماضي.. كما التقيت في مقر قيادة حركة النهضة السياسي ورجل الاعمال المواطن التونسي اليهودي السيد رورت بوزميت واكدت له نفس المعنى.. وأعرب لي بوزميت بدوره عن مساندته لنتائج الانتخابات التعددية الاولى وفوز النهضة بأغلبية نسبية وأعلن مساندته لتجربة التعايش في المجلس الوطني التأسيسي والحكومة الجديدة بين علمانيين من عدة احزاب وإسلاميين ومستقلين.. لكنه اعرب لي عن تخوفاته من بعض سلوكيات السلفيين المتشددين وخاصة الاقلية التي تلجأ الى العنف والتكفير والتخوين».. المتخوفون من السلفيين على الديمقراطية؟ وإجابة عن سؤال حول الموقف من الاصوات التي تزايد عددها وارتفعت نبرتها في المجتمع في تونس ومصر بسبب تخوفاتها من سلوكيات مجموعات سلفية متشددة ممن يمارسون العنف اللفظي والمادي باسم الدين الاسلامي توجهت له به «الصباح» أورد الغنوشي في نفس اللقاء الصحفي « نحن نتمسك بالصيغة التي حولها اجماع بالنسبة للفصل الاول من الدستور وفاء لبرنامجنا الانتخابي.. ونعتقد أن السلفيين أنواع ومدارس في تونس ومصر وخارجهما.. ومن كان من بينهم مسالما فنحن نتحاور معه ونحاول إقناعه بالانضمام الى تيار الوسطية ونبذ التطرف بأنواعه.. أما «السلفيون» الذين يتورطون في توريد الاسلحة وتهريبها والتدرب عليها ويعتقدون أن تونس «بلد جهاد» او «بلد حرب» فلا بد من تطبيق القانون عليهم والتصدي لتورط بعضهم في جرائم مرفوضة شرعا وقانونا.. «لأن الاسلحة التي بين أيديهم خطيرة وليست «بسكوي» (أو «باشكوطو»).. كما لا يمكن قبول تهديدات بعضهم بالعنف والقتل.. لكن الغنوشي اعتبر أن من بين نقاط القوة في تونس أن غالبية ساستها وقادتها العسكريين والأمنيين والقائمين وبينهم اللواء رشيد عمار ووزير الداخلية علي العريض وبقية المشرفين على وزارتي الدفاع والداخلية «مع الوسطية والاعتدال ومع الدولة المدنية.. ومع تكريس سلطة الشعب».. وليس بينهم من يقبل النيل من قوانين البلاد وإن كانوا من بين «السلفيين الجهاديين» الذين قدموا قراءات للإسلام والشريعة تختزلهما في قراءة معينة لأحكام الحدود.. متغافلين عن الفهم الشامل للإسلام والذي لا تمثل فيه «الاحكام الشرعية «إلا صفر فاصل.. تطمينات للعلمانيين من جهة أخرى حرص الغنوشي في نفس اللقاء على تطمين السياسيين والمثقفين والإعلاميين العلمانيين في تونس وخارجها وأورد أن «العلمانيين وممثلي النخب غير المؤمنة بقناعات غالبية الاسلاميين ينبغي احترامهم في سياق نظرة واقعية واستشرافية وتكريسا لمبادئ الوفاق والشورى.. لان الديمقراطية لا تعني التسلط على الاقلية أ وهمينة «الجمهور العريض» على نخب البلاد وكفاءاتها سواء كانت علمانية أم لا».. واعتبر رئيس حزب النهضة أن « لا خير في بلد يقصي نخبه وان كانت اراء رموزها علمانية.. مناقضة لآراء غالبية الجمهور فيما يتعلق بعدد من القضايا العقائدية والثقافية.. لأن الاصل هو الحوار والتدافع في مناخ وفاقي سلمي بعيدا عن كل أشكال الاقصاء والتوتر والتخوين والتكفير».. المراجعات الفكرية في نفس السياق اكد الغنوشي والمنسق العام للحركة السيد عبد الحميد الجلاصي ورئيس دائرتها السياسية والإعلامية السيد عامر العريض بان الموقف التاريخي الذي اتخذته الهيئة التأسيسية لحركة النهضة يوم الاحد 25 مارس « لم يكن تكتيكيا « بل حصيلة سلسلة من المراجعات الفكرية والسياسية.. بدأت قبل أكثر من 30 عاما.. وكانت من أبرز تلك المراجعات الفكرية والسياسية تلك التي حصلت عامي 1980/1981 وأنتجت اعترافا هو الاول من نوعه من قبل قيادة حزب له ميولات اسلامية بالتعايش مع الشيوعيين والأحزاب الاشتراكية والديمقراطية العلمانية.. وإعلانا رسميا عن قبول قيادة حركة الاتجاه الاسلامي آنذاك بالاستعداد لقبول كل قواعد اللعبة الديمقراطية وان اسفرت عن فوز حزب شيوعي.. وتطورت تلك المراجعات الفكرية والسياسية الى حد اعلان الغنوشي في جويلية 1988 ( في حديث تاريخي للصباح ) عن اعتراف كامل بقواعد اللعبة السياسية المدنية وبكل مكاسب مجلة الاحوال الشخصية.. ثم تعاقبت المراجعات الفكرية عامي 1988 و1989 عند صياغة الميثاق الوطني وتغيير اسم الحركة من «الاتجاه الاسلامي» الى «النهضة» مع التأكيد على التمسك بالصبغة المدنية للدولة وللعملية السياسية..