تقترن بمشهد المرافق العمومية في تونس صورة «قاتمة»، ذلك ان هذه المرافق تشكل «عبئاً كبيراً على الاقتصاد» إذ أنّ تكلفته أكثر بكثير من الإنتاجية وفق اختصاصيين يعكسون رأي الشارع التونسي الذي يعرف هذه «الحقيقة» تمام المعرفة، مع ما يتداوله التونسيون من أحاديث عن عدم اكتراث كثير من الموظفين بعملهم والإتكال على بعضهم، واعتماد سياسة «عُدْ غَدًا» و «الموظف الفلاني غير موجود». إلاّ أن النظام الحالي للعمل يعدّ مقلقاً جداً للموظف، الذي قد لا يجد وقتاً لقضاء شؤونه الخاصة والعائلية، بحكم تواجده طوال اليوم من الاثنين إلى السبت في مقر عمله. وكانت الحكومة التونسية قامت بنشر استشارة حول تغيير نظام العمل من ستّة أيّام في الأسبوع إلى خمسة أيّام فقط ويومي راحة أسبوعيّاً، وجاءت نتائجها بضرورة تغيير النظام الحالي، بحسب رأي الغالبية. وتشير الإحصاءات إلى أن الموظف الحكومي في تونس يقضي 40 في المئة من وقته بالإدارة و13 في المئة في النقل والانتظار للبعض الآخر، وهو ما لا يترك له مجالاً لقضاء باقي شؤون حياته وحياة أسرته، ما يمكن أن يؤثّر سلباً على علاقته بالمواطن. أمّا في ما يتعلّق بتحديد أيام العمل بخمسة أيام أسبوعيّاً، فإنّ غالبية الذين شملتهم الاستشارة رأوا أنّ نظام العمل الجديد يمكن أن يكون أفضل بشكل كبير، وبالتالي سيؤدي إلى تحسين مردود الموظف. ويرى منصور السويبقي، اختصاصي علم النفس والبيداغوجيا وعلوم التربية، أنّ «تمكين الموظف من أسبوع عمل بخمسة أيام ويومي راحة، سيمنحه فرصة العودة إلى بناء حياته الأسرية والشخصية، وبالتالي التحسن المنطقي للعلاقة بين المواطن والمرفق العمومي بما يخدم مصالح الناس ويحافظ على حقوقهم». ومن شأن هذا النظام أيضاً أن يقدم فوائد كثيرة على أكثر من صعيد، اذ أنّ الاستمتاع بيومي راحة سيمكّن الموظف من «تخصيص الوقت لزوجته وأبنائه والاعتناء بهم وبالتالي يستطيعون الوقوف على الصعوبات التي يمرون بها». وعلى المستوى الاقتصادي يرى السويبقي أنّ «مردودية هذا التوجه ستكون حتماً ايجابية على الاقتصاد الوطني والقطاعات الأخرى، وبخاصة على الإنفاق العام الذي يثقل كاهل الدولة». وكانت نتائج الاستشارة حول مراجعة التوقيت الإداري كشفت أن 89.2 في المئة من الأعوان في المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية يحبذون العمل بنظام خمسة أيّام في الأسبوع، مقابل 10.8 في المئة يحبذون العمل بنظام ستة أيّام. واعتبر 61.5 في المئة من أصحاب المؤسسات التوقيت الحالي غير مناسب لنشاطهم، وذلك لأسباب عدة منها غلق الإدارة مساء الجمعة. وبينت الاستشارة أيضاً أن الراغبين في العمل بنظام خمسة أيّام هم 90.4 ذكور و 87.8 إناث. ويقول منذر (مدير مالي) انّ نظام الخمسة أيّام «يعتبر نقلة نوعية ومهمة جداً في تاريخ الإدارة التونسية، وسيكون له إيجابيات كثيرة على المستويين المتوسط والبعيد»، مؤكداً أنّه «طالما نادى بهذا التغيير ولكن لا أحد استمع إلى رأيه أو تعامل معه بشكل جدي». ويواصل: «بعد طرح الاستشارة وموافقة الغالبية الساحقة من موظفي الدولة على هذا النظام، الأمور ستتغيّر حتماً إلى الأفضل». وليس رأي خالد (موظف في وزارة التجارة) بعيداً من سابقه، اذ يؤكد أنّ هذا النظام ستكون له إيجابيات كثيرة جداً، وسيوفّر مردودية أكبر على مستوى الإنتاجية، كما سيوفر أرضية أفضل في العلاقة بين الموظف والمواطن بما أن الوضع النفسي للموظف سيكون متوازناً». أمّا سهام التي تعمل في وزارة المال، فلا ترى في الأمر نتائج مهمة بخاصة على مستوى الراحة النفسية للموظف فقط، بل وسيعود إيجاباً على المواطن الذي يأتي لقضاء حاجاته ولا يريد أن تتعطل أموره جراء الضغط الذي يعيشه الواحد منّا على امتداد أيام الأسبوع، وتضيف: «العمل بنظام خمسة أيّام سيوفر لنا نحن النساء وقتاً أكبر للاهتمام بالبيت والعائلة وهو ما لا يتوافر في النظام الحالي للعمل». وفي انتظار تطبيق القانون الجديد، تبقى الرغبة جامحة، لدى غالبية التونسيين العاملين في القطاع الحكومي، إلى العمل بنظام خمسة أيّام مع يومي راحة أسوة بغالبية الدول العربية. الحياة صالح سويسي