كرة اليد: الترجي يتفوق على المكارم في المهدية    بلاغ هام لرئاسة الحكومة بخصوص ساعات العمل في الوظيفة العمومية..    عاجل/ المحامون يدخلون في اضراب عام بكامل محاكم الجمهورية..    الاشتباه في وفاة 4 أشخاص بسبب احتسائهم "القوارص"..#خبر_عاجل    عاجل/ وفاة ثلاثة اطفال غرقا في خزان ماء بهذه الجهة..    وزير الخارجية يُشيد بتوفر فرص حقيقية لإرساء شراكات جديدة مع العراق    العثور على شابين مقتولين بتوزر    حفوز: العثور على جثث 3 أطفال داخل خزّان مياه    باجة: اطلاق مشروع "طريق الرّمان" بتستور لتثمين هذا المنتوج و ترويجه على مدار السنة [صور + فيديو]    افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك وسط العاصمة لعرض منتوجات فلاحية بأسعار الجملة وسط إقبال كبير من المواطنين    وزارة التجارة: تواصل المنحى التنازلي لأسعار الخضر والغلال    قادة الجيش يتهمون نتنياهو بتعريض حياة الإسرائيليين والجنود للخطر وهاليفي يؤكد إن حرب غزة بلا فائدة    مؤشر جديد على تحسن العلاقات.. رئيس الوزراء اليوناني يتوجه إلى أنقرة في زيارة ودّية    رجة أرضية بقوة 3.1 درجة على سلم ريشتر بمنطقة جنوب شرق سيدي علي بن عون    البطولة العربية لالعاب القوى (اقل من 20 سنة): تونس تنهي مشاركتها ب7 ميداليات منها 3 ذهبيات    رسمي.. فوزي البنزرتي مدربا للنادي الإفريقي    أخصائي نفسي يحذّر من التفكير المفرط    سليانة: عطب في مضخة بالبئر العميقة "القرية 2 " بكسرى يتسبب في تسجيل إضطراب في توزيع الماء الصالح للشرب    التهم الموجّهة لبرهان بسيّس ومراد الزغيدي    وفاة 3 أشخاص وإصابة 2 اخرين في حادث مرور خطير بالقصرين    المحكمة الابتدائية بسوسة 1 تصدر بطاقات إيداع بالسجن في حق اكثر من 60 مهاجر غير شرعي من جنسيات افريقيا جنوب الصحراء    شركة "ستاغ" تشرع في تركيز العدّادات الذكية "سمارت قريد" في غضون شهر جوان القادم    مدنين: نشيد الارض احميني ولا تؤذيني تظاهرة بيئية تحسيسية جمعت بين متعة الفرجة وبلاغة الرسالة    سيدي بوزيد: تظاهرات متنوعة في إطار الدورة 32 من الأيام الوطنية للمطالعة والمعلومات    مصر تهدد الاحتلال بإنهاء اتفاقيات كامب ديفيد    زهير الذوادي يقرر الاعتزال    صفاقس تتحول من 15 الى 19 ماي الى مدار دولي اقتصادي وغذائي بمناسبة الدورة 14 لصالون الفلاحة والصناعات الغذائية    سبيطلة.. الاطاحة بِمُرَوّجَيْ مخدرات    امين عام التيار الشعبي يلتقي وفدا عن حركة فتح الفلسطينية    ر م ع الصوناد: بعض محطات تحلية مياه دخلت حيز الاستغلال    في الصّميم ... جمهور الإفريقي من عالم آخر والعلمي رفض دخول التاريخ    سيدي بوزيد.. اختتام الدورة الثالثة لمهرجان الابداعات التلمذية والتراث بالوسط المدرسي    المالوف التونسي في قلب باريس    الناصر الشكيلي (أو«غيرو» إتحاد قليبية) كوّنتُ أجيالا من اللاّعبين والفريق ضحية سوء التسيير    نتائج استطلاع رأي أمريكي صادمة للاحتلال    إصدار القرار المتعلّق بضبط تطبيق إعداد شهائد خصم الضريبة من المورد عبر المنصة الإلكترونية    حضور جماهيري غفير لعروض الفروسية و الرّماية و المشاركين يطالبون بحلحلة عديد الاشكاليات [فيديو]    اليوم: إرتفاع في درجات الحرارة    حوادث: 07 حالات وفاة و اصابة 391 شخصا خلال يوم فقط..    انشيلوتي.. مبابي خارج حساباتي ولن أرد على رئيس فرنسا    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مع الشروق .. زيت يضيء وجه تونس    قيادات فلسطينية وشخصيات تونسية في اجتماع عام تضامني مع الشعب الفلسطيني عشية المنتدى الاجتماعي مغرب-مشرق حول مستقبل فلسطين    حل المكتب الجامعي للسباحة واقالة المدير العام للوكالة الوطنية لمقاومة المنشطات والمندوب الجهوي للشباب والرياضة ببن عروس    الدورة 33 لشهر التراث: تنظيم ندوة علمية بعنوان "تجارب إدارة التراث الثقافي وتثمينه في البلدان العربيّة"    النادي الافريقي - اصابة حادة لتوفيق الشريفي    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    مدير مركز اليقظة الدوائية: سحب لقاح استرازينيكا كان لدواعي تجارية وليس لأسباب صحّية    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس..    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    أسعارها في المتناول..غدا افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة    عاجل : إيلون ماسك يعلق عن العاصفة الكبرى التي تهدد الإنترنت    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركات السلفية في مرآة خبراء عرب وأوروبيين
نشر في الفجر نيوز يوم 07 - 08 - 2012

تونس رشيد خشانة:تُشبه الظاهرة السلفية التي انتشرت في البلدان العربية، وخاصة في أعقاب "الربيع العربي"، جبل الثلج الذي لا يمكن سبر أغواره وإدراك امتداداته من خلال الإقتصار على قراءة القسم العائم منه. لإلقاء الضوء على مسارات هذا التيار، عقد باحثون عرب وأوروبيون ندوة علمية، في محاولة منهم استشراف آفاق نموه ليس فقط في العالم العربي وإنما في فرنسا وبلجيكا أيضا.
دخلت الجماعات السلفية بقوة إلى ملعب السياسة العربية والإسلامية اعتبارا من سنة 1996 وعلى رغم انسجامها الفكري مع السعودية، موئل المرجعية السلفية، فإن الحركات الجهادية بدأت تتمرد عليها سياسيا، وفي مقدمتها تنظيم "القاعدة" الذي كانت أكثرية قياداته تحمل الجنسية السعودية. ومع أن المالكية هي مرجعية التيارات الإسلامية الرئيسة في المغرب العربي منذ قرون، بل مرجعية المجتمع الذي اتسم بإسلامه الوسطي النابذ للشطط والتزمت، اجتاحت الحركات التي باتت تُعرف بالسلفية الفضاءين السياسي والديني في شمال أفريقيا خلال السنوات الأخيرة، محاولة نشر رؤية غير مألوفة عن الإسلام. ويُعتبر مُنظر الدولة السعودية محمد بن عبد الوهاب (1703 – 1792) مؤسس المذهب الوهابي المتسم بالصرامة والتشدد، إلا أن العلماء المغاربيين أمثال التونسي محمد الطاهر بن عاشور والجزائري عبد الحميد بن باديس رفضوا هذا المذهب صراحة.
مع ذلك وفدت السلفية الجديدة إلى شمال أفريقيا من آسيا على إثر مشاركة متطوعين مغاربيين في حروب أفغانستان والعراق واحتكاكهم بدعاة سعوديين ومصريين وفلسطينيين وأردنيين.
وربما شكلت الندوة العلمية التي أقامتها أخيرا في الرباط جامعة فارفيك Warwick البريطانية، بالتعاون مع مركز جاك بيرك في المغرب، إحدى المحاولات الأولى لفهم ظاهرة السلفية بامتداداتها المختلفة، بما فيها شبكاتها المنتشرة في أوروبا الغربية.
رموز جديدة
ركزت الباحثة الجزائرية المتخصصة بالحركات الدينية سلمى بلعالة ورقتها على التفاعل بين السلفية والحداثة السياسية في صلب حركة الإصلاح الجزائرية خلال النصف الأول من القرن العشرين. وأوضحت أن الاقتداء بالسلف الصالح والاعتماد على ظاهر النص ومقاصد الشريعة شكلت أساسا لبلورة الحداثة في فكر قادة الإصلاح المغاربيين، على رغم اختلاف المشاريع السياسية – الفكرية التي صاغوها، ونشروها بين النخب. أما تبني السلفية مرجعية لاكتساب الشرعية السياسية فلم يظهر إلا لدى "الحركة الإسلامية" (1979 – 1988) على ما قالت بلعالة.
وتشكلت عقيدة هذه الجماعة التي ارتبط كثير من عناصرها بحركة الإخوان المسلمين، من خلال الجمع بين فكر ابن تيمية المعروف بصرامته من جهة، وكل من حسن البنا وسيد قطب من جهة ثانية. واعتبرت بلعالة أن السياق التاريخي والثقافي المحلي لكل بلد لعب دورا حاسما في تمايز المفاهيم السائدة عن السلفية بعضها بعضها. وشرحت كيف استبدلت العناصر السلفية الرموز المحلية مثل الشيخين ابن باديس والبشير الإبراهيمي بمرجعيات سعودية تُختزل في ثلاثة هم عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين وناصر الألباني.
وعزت تلك القطيعة إلى الدور الذي لعبه أبو بكر الجزائري (المنحدر من بسكرة) الذي هاجر إلى السعودية في الستينات، وهو لم يكن منتميا لجمعية الإصلاح الإسلامية المعتدلة، وكذلك إلى دور عبد الملك رمضاني الذي يرفض السيادة الشعبية ويعد الديموقراطية دينا وضعيا. ويعتبر رمضاني المظاهرات ضد السلطات الجزائرية حراما، وقد سطع نجمه بعدما كفر "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" وتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". وأوضحت بلعالة أن رمضاني هو رأس حربة مكافحة الإرهاب في صف الدولة، مشيرة إلى أنه مقرب من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
في المقابل أوضحت دور الشيخ ابن باديس في ترسيخ فكرة الوطن التي كانت غائبة من الفكر السياسي الجزائري، فهو الذي نحت مصطلحي "الشخصية الجزائرية" و"الجنسية الجزائرية"، حتى أنه اضطر للرد على الزعيم الوطني فرحات عباس عندما قال إنه لم يجد أثرا للشخصية الجزائرية. وميزة العمل الذي قام به ابن باديس أنه حارب الزوايا والطرقية المتورطة مع الإستعمار الفرنسي وحرر الناس من نفوذها، ما أضفى على حركته الإصلاحية طابعا ثقافيا أكثر منه سياسيا.
الدرع المالكي
أما الدولة الجزائرية فاتخذت من المذهب المالكي درعا لمقارعة الحركات السلفية الناشئة في الملعبين الديني والسياسي. وفي السياق نفسه أبان الباحث الفرنسي الشاب أوغستان جوميي عن جذور الحركة الإصلاحية الإباضية في منطقة مزاب الجزائرية، التي تستمد جذورها من حركة الخوارج، مثلما هو حال الإباضية في جزيرة جربة التونسية. ومن الأسماء التي توقف عندها جوميي أبو يقظان الذي درس في تونس ثم عاد إلى الجزائر في 1929، قبل أن يرحل إلى القاهرة ويؤسس هناك صحيفة أصولية. وأظهر الباحث أن علماء الإباضية بلغوا من النفوذ والتأثير درجة جعلتهم يفرضون على السلطة السياسية تسمية مقربين منهم في الحكومة بين سنتي 1962 و1964، أي في عهد الرئيس الجزائري الأول أحمد بن بيلا.
ويمكن القول إن المذهب المالكي مازال طاغيا في أعماق المجتمع المغاربي على رغم الإغواء الذي مارسته الأيديولوجيات الجهادية على بعض فئات من الشباب، مثلما هو حال العناصر التي فجرت أماكن عمومية في المغرب في 2003 بالدار البيضاء، أو تلك العناصر التونسية التي تدربت لدى الجماعات المتشددة في الجزائر وأقامت مركز تدريب في جبال تقع جنوب العاصمة تونس تمهيدا لتنفيذ أعمال عنف، قبل تطويقها والقضاء عليها في مطلع 2007.
من هنا ركز جان فيليب برا Bras أستاذ القانون في جامعة روان الفرنسية على ظهور التناقضات الأولى بين تيار الإخوان المسلمين من جهة والسلفيين من جهة ثانية، خاصة في المغرب وتونس، بالإستناد على المرجعية المالكية التي تشبث بها أهل المغرب العربي، ورفضوا على أساسها الدعوة السلفية. وعزا استقرار المذهب المالكي في شمال أفريقيا إلى عدة أسباب من بينها أن أهلها ليسوا كثيري الترحال، مثلما أشار إلى ذلك ابن خلدون. لكنه أكد إمكان التعايش بين المالكية ومذهب آخر كما هو حال الحنفية في تركيا.
التجربة المغربية
اختار بلال التليدي الباحث في الحركات الإسلامية أن يغوص في البحث عن جذور العلاقة بين الحركة الإسلامية والسلفية، وبشكل خاص حركة الشبيبة الإسلامية في تفاعلها مع ما أسماه بالدعوة الهلالية الأولى والثانية (نسبة إلى تقي الدين الهلالي أحد أعلام السلفية في المغرب) في بداية السبعينات، إذ لخص هذه العلاقة في أربعة مستويات: مستوى فكري وسياسي، وفيه تأثرت الشبيبة الإسلامية بالمرجعية السلفية، وحاولت أن توجد تركيبا مفهوميا يجمع بين التوحيد بدلالته العقدية السلفية والحاكمية بدلالتها الحركية والسياسية (القطبية)، مما سمح لها ببناء رؤية سياسية تعتبر الحكم القائم طاغوتا ينبغي التصدي له من أجل بناء "منهج الله في الأرض".
والمستوى الثاني تنظيمي دعوي، حاولت من خلاله استثمار غياب البعد التنظيمي في دوائر الاستقطاب السلفي (المساجد التي كان يلقي فيها رموز السلفية دروسهم)، وتحويل ذلك إلى رصيد تنظيمي لها، أي اعتبار دوائر الاستقطاب السلفي "تنظيما محيطيا" يتم توظيفه من أجل الاستقطاب للتنظيم المركزي للشبيبة الإسلامية، واستثمار الدروس السلفية لإنتاج القيادات التربوية والدعوية لتنظيم الشبيبة الإسلامية. وبعد تناوله لسياق تشكل السلفية العلمية في المغرب في بداية السبعينات، ومركزية دور القرآن في المشروع السلفي في المغرب، نزّل الباحث التليدي علاقة التنظيمات الإسلامية التي شكل حزب العدالة والتنمية امتدادا لها، في سياق الحركة السلفية ضمن إطارين اثنين: الأول نظري، ركز فيه الباحث على الوثائق والأدبيات التي تحدد علاقة هذا المكون الإسلامي بالحركة السلفية، وبشكل خاص الميثاق الذي يدمج الحركة السلفية ضمن الغير الذي "يلزم التعاون معه من أجل الخير"، ثم حصيلة الدورة التكوينية التي أقامتها حركة الإصلاح والتجديد سنة 1992 التي ناقشت الموقف من السلفية، وانتهت فيه إلى نفس الموقف السابق مع ضرورة ممارسة النصح والترشيد لهذا المكون، ثم وثيقة الرؤية السياسية لحركة التوحيد والإصلاح، التي اعتبرت المكون السلفي ضمن مشمولات الجبهة الدينية التي ينبغي تقويتها والحرص على انسجامها.
أما الإطار الثاني، فقد لخصه الباحث بذكر المواقف السياسية من الحركة السلفية، والتي اختصرها في استنكار حملة الاستهداف التي توجهت للمكون السلفي بعد أحداث 16 مايو 2003، وموقف حركة التوحيد والإصلاح المستنكر لإغلاق دور القرآن، ثم دعوتها إلى انتهاج مقاربة تصالحية لإنهاء هذا الملف.
وتناول الباحث في مداخلته أيضا موقف الحركة السلفية من مكونات الطيف الإسلامي في المغرب، والذي اتسم في غالبه بالحدة والاحتكاك لاسيما مع جماعة العدل والإحسان، كما لم يسلم موقفها من حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية من هذه الحدة، لاسيما أنها ظلت تعتبر التحزب والتنظيم، فضلا عن المشاركة السياسية، بدعا محرمة لا علاقة بالدين بها. لكن مع الربيع العربي، لاحظ الباحث تحولا كبيرا في العقل السلفي، لجهة المشاركة في الحراك الشعبي والسياسي، وإسناد الإسلاميين وتبني الآليات المدنية، وبشكل خاص الحقوقية، في الدفاع عن المظلومية السلفية، بل وتبني آليات جديدة في التواصل تعتمد الحضور في المنتديات الأكاديمية والبرامج الإعلامية.
إغلاق دور القرآن
وفي تفسيره لأسباب التحول، رأى التليدي أن تجربة السلفيين مع إغلاق دور القرآن، وقراءتهم السياسية لتحول موقف الدولة منهم منذ سنة 2001 و تحديدا بعد 2003، ساهمت في تشكيل قناعة لدى الحركة السلفية بارتباط عمقها الاستراتيجي (دور القرآن) بأنماط التفاعلات القائمة بين مكونات الحقل السياسي وبشكل خاص بين المكون العلماني والمكون الإسلامي، ومن ثمة تبرير الحاجة إلى إسناد كامل للتجربة الإسلامية للمحافظة على هذا العمق الاستراتيجي للمشروع السلفي، وهو ما دفع السلفية المغراوية إلى تأصيل المشاركة السياسية والإسناد الانتخابي لحزب العدالة والتنمية، إذ تشكل لها تقدير سياسي يعتبر أن جوهر المشكلة يكمن في التيارات العلمانية التي دفعت الدولة إلى القطيعة مع الحركة السلفية. وهذا ما دفعها بحسب الباحث إلى إعادة النظر في مواقفها العقائدية من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني ومن العملية الديموقراطية بجميع تفاصيلها، وتحديد خيارها السياسي الاستراتيجي في تأمين المشروع الرسالي للحركة السلفية.
وتجسد ذلك من خلال التصويت على الدستور، ثم التصويت لفائدة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية (فاز حزب العدالة والتنمية بنصف المقاعد في مراكش قلعة السلفية المغراوية بعدما كان لا يستطيع الظفر بأي مقعد هناك) ثم تبني الآليات المدنية في الدفاع عن قضاياها أو قضيتها الأساس (ندوات صحفية، نشاط حقوقي، مشاركات إعلامية، حضور على المستوى الأنشطة الجامعية، كتلة ضغط انتخابية.
وانتهى التليدي في خلاصات بحثه إلى أن عنصرين رئيسيين يحددان العلاقة بين العدالة والتنمية والسلفية المغراوية هما: تأمين العمق الاستراتيجي للحركة السلفية (دور القرآن) بالنسبة إلى السلفيين، وتأمين تماسك الجبهة الدينية بجعل الاعتبار الحقوقي محددا في العلاقة بين العدالة والتنمية والحركة السلفية المغراوية بالنسبة إلى إسلاميي العدالة والتنمية ليخلص في الأخير إلى أن تصريف هذه العلاقة أو تقاطع المصالح بين المكونين تم بآليتين: الآلية الحقوقية والتي اعتمدها إسلاميو حزب العدالة والتنمية لرفع المظلومية عن السلفيين، والآلية السياسية التي اعتمدها السلفيون لإسناد الإسلاميين انتخابيا ، فيما لاحظ الباحث في آخر خلاصاته أن المحدد الأيديولوجي والعقائدي ظل خارج محددات العلاقة.
السلفية الدولية
ويمكن القول إن سنة 1996 شكلت انعطافا مهما في المد السلفي، إذ باتت السلفية الوهابية مثلما صاغها فقهاء الدولة في السعودية المرجعية السائدة بين الحركات المنتسبة للسلفية عبر العالم. واتسم هذا النوع الجديد من السلفية، الذي ساهم ناصر الألباني في تسييسه كما تقول سلمى بلعالة، بنزعته إلى تنقية المذهب ( أو ما دعاه "التصفية") على نحو كرس القطيعة مع الفكر الإخواني، ووضع المذهب على أرضية سياسية جديدة، تجعل العقيدة سابقة على القوانين. إلا أن بعض الباحثين يُحبذون أن يُعطي علم السياسة الأفضلية للبعد الدولي على البعد المحلي لدى تحليل الظاهرة السلفية الجديدة، إذ على رغم الخصوصيات المحلي، صارت السلفية المتمردة على الرجعية السعودية ظاهرة عابرة للدول والقارات.
وفي أعقاب ثورات الربيع العربي برزت على الملعب السياسي أحزاب وقيادات تنهل من المرجعية السلفية، أسوة بحزب النور السلفي في مصر والشيخ الفيزازي في المغرب الأقصى وعبد الملك رمضاني في الجزائر، وكان تأثير هؤلاء واضحا في التجارب الإنتقالية التي تعيشها بلدان شمال أفريقيا بدرجات متفاوتة. من هنا حرص منظمو ندوة الرباط على استكشاف الخيط الرابط بين هذا البعد المُميز للسلفية الجديدة ومجمل التطورات السياسية في المغرب العربي وأوروبا.
السلفية بعيون أوروبية
على الطرف الآخر من المشهد عرض الخبير ريني لوراي Leray رؤية الإتحاد الأوروبي لتنامي التحديات التي تمثلها التيارات السلفية على الضفة الجنوبية للمتوسط. وأوضح أن أوروبا تراقب إعادة تشكيل المشهد السياسي في الجنوب بعد انتصار الثورات وإرهاصات ولادة دولة القانون، لكنها مازالت مشغولة بظاهرة الهجرة من الجنوب نحو الشمال. ومنذ أن أنشأ الإتحاد الأوروبي جهازا ديبلوماسيا خاصا به تطبيقا لمعاهدة برشلونة أصبح يعتمد على وسائله الذاتية في التحليل واستقاء المعلومات، من مراكز البحوث إلى قسم الرقابة البحرية الذي يراقب حركة الهجرة في المتوسط.
واعترف لوراي الذي عمل طيلة ثلاثة عقود مستشارا للإتحاد الأوروبي، بأن الإتحاد دعم أنظمة كان يعتقد أنها أفضل حلفائه، لأنها قوية بما تمتلكه من وسائل عسكرية وأمنية متطورة. كما اعترف بأن المفاجأة الثانية، إلى جانب انهيار الأنظمة الحليفة، تمثلت في الصعود السريع للحركات الإسلامية. غير أن الإتحاد يسعى لوضع خطوط عامة لسياسته المتوسطية في المرحلة المقبلة، والتي تصوغها مديرية العمل الخارجي، بمعية الخلية الخاصة المؤلفة من اثني عشر عنصرا تُسميهم كاثرين أشتون مسؤولة العلاقات الخارجية في الإتحاد، وهو جهاز حل محل الجهاز السابق الذي كان يجمع بين وزارات الداخلية والعدل. وكشف لوراي أن من أهم صعوبات صوغ سياسة أوروبية مشتركة التباين في الأولويات بين الأجندات الوطنية والأجندة الإقليمية، بالإضافة للأزمات الإقتصادية التي تعصف ببلدان جنوب أوروبا، وخاصة اليونان واسبانيا، والتي باتت تشكل ضغطا على الإتحاد نفسه لاعتماد سياسات متشددة إزاء بلدان الضفة الجنوبية.
وأفاد أيضا أن خبراء الإتحاد يعكفون حاليا على وضع الخطط المالية للإتحاد للسنوات الخمس المقبلة وستُقفل تلك الخطط بعد الموافقة عليها على نحو لا يسمح بمعاودة فتحها حتى استكمال تنفيذها. لكنه لم يكشف عن مضامينها وما تعكسه من خيارات جديدة أو قديمة تجاه الضفة الجنوبية للمتوسط.
رشيد خشانة - تونس- swissinfo.ch


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.