لا أحد ينكر أو يجهل خطورة الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في وقتنا الراهن بوصفها سلطة رابعة و لا أبالغ إن قلت أنها سنام كل سلطة. فلا يعلو عليها أي جهاز و لا يناهز أهميتها أي قطاع على الإطلاق. و لا شك أن الملاحظ بشيئ من العمق لواقع الثورات في ما يسمى بالربيع العربي، يدرك أن هذه الثورات اعتمدت بالأساس على آلية الإعلام في فضح الطاغية و كشف المستور بما أسهم بشكل كبير في سقوط إمبراطورية الظلم.و النقد في منظومة الإعلام آلية أساسية في توجيه الرأي العام و تثقيف المواطن و لفت انتباهه إلى واقع معين. و هو أيضا أسلوب ناجع في كبح جماح الظلم و تلجيم الطغاة و التنبيه لأي انحراف يقع فيه السياسيون من شأنه الإضرار بمصالح المجموعة الوطنية. و من هذا المنطلق، فالنقد هو محاولة لوضع الإصبع على موضع الداء بنية الإصلاح و التقويم و التوجيه. أما إن كان النقد يهدف إلى تتبع العورات و تعقب مواطن التقصير علما و أن الفعل البشري عموما مبني على التقصير. فلا كمال لأي عمل إنساني مهما بلغت دقته و أحكمت حلقاته، لأن الكمال ليس من طبع البشر. و هنا يصبح النقد معولا للتخريب و آلية للإفساد بسوء نية و قصد. و لا أريد أن يفهم من كلامي هذا أنه محاولة لتقزيم دور الإعلام أو مناهضة لهذا الجهاز الحيوي، و لكن هو سعي في تقويم المفاهيم و وضع للأمور في نصابها حتى لا تختلط الأوراق في ضل واقع التنافس المحموم بين القوى السياسية بالبلاد على ظل الكراسي. فما نشاهده يوميا على قناة "التونسية" من سكيتشات و مواقف هزلية ليس نقدا و لكن تجريحا و ثلبا. و من الخطأ أن نفهم حرية التعبير -و هي مكسب من مكاسب الثورة التي أهداها إلينا هذا الشعب العظيم-، من الخطأ و الإجحاف أن تفهم على أنها الحرية في الشتم و التعيير و التقليل من القيمة و القدر و إظهار الناس في مواقف مضحكة مثيرة للسخرية و الشفقة و أحينا حتى الاشمئزاز.... فالحرية المطلقة لا وجود لها سوى في أذهان المرضى أو المجانين. أما العقلاء، فيدركون أن لكل حرية ضوابطها و حدودها و أخلاقياتها و إلا أدى بنا الأمر إلى العبث و العبثية . و أريد- في هذا المقام - أن أقول لمن يقفون وراء هذه المهزلة و يخوضون من خلالها حربا استباقية لكسب معركة الانتخابات القادمة، أنتم راهنتم سابقا على غباء هذا الشعب، فلقنكم الشعب درسا لا ينسى و لكنكم نسيتم. لأنكم فضلا عن الغباء السياسي، فإنكم تعانون من ضعف الذاكرة و قصر النظر. و ها أنكم تكررون نفس التجربة بآليات مختلفة، و تراهنون مجددا على غباء هذا الشعب و لا أخاله سيجيبكم بغير ما أجابكم به سابقا. و لربما أصبح الفاصل صعب المنال عليكم.... و قد يخيل أليكم أنكم بتزويقكم للمشهد من خلال نقدكم لبعض الأطراف، قد تتمكنون من تمرير مشروعكم، و يصدق الناس أن لا غرض لكم سوى النقد باعتبار أنكم تنقدون الجميع...و لكن هذا أيضا لا يمكن أن ينطلي عقول الناس. فالشعب أذكى منكم بكثير و ليس صعبا عليه أن يميز الغث من السمين و أن يفرق بين المكاييل التي تكيلون بها لهؤلاء و هؤلاء..... كما أريد أن أسألهم بوضوح، و أترك الجواب لهم. لو تحقق لكم ما تريدون، و نجحتم في الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع بما توفر لديكم من وسائل شرعية و غير.........أتراكم ستسمحون لخصومكم السياسيين بالتندر بكم و إضحاك الناس عليكم، و ما أسهل ذلك.؟؟؟؟ أم أنكم ستخرسون الألسن و تكممون الأفواه و تصادرون الأنفاس و تتعقبون معارضيكم بحملات التشويه و تملئون بهم السجون و المعتقلات؟؟؟ و ماذا تراكم ستقدمون لهذا الشعب و أنتم لا برامج لكم سوى المعارضة و استعمال كل الحيل و الخزعبلات بغرض الوصول إلى السلطة؟؟؟؟ و هل سيكون بإمكانكم التمادي في ممارسة الدكتاتورية مع شعب أثبت للعالم بأسره، أنه من أذكى الشعوب و أنه تجاوز في فهمه و إدراكه كل مثقفيه؟؟؟؟ أنا أبشركم بأن صفحة الدكتاتورية قد طويت نهائيا في كل العالم. و أن المستقبل للشعوب و لمن يحترم إرادة الشعوب و يرتقي بأدائه إلى مستوى تطلعات الشعوب الحقيقية. و ها أنكم ترون في دول شقيقة كيف أن آلة القمع و الإرهاب الرسمي، لم تستطع أن تسكت صوت الشعب. فنظام الأسد الفاشل يحصد كل يوم عشرات بل مآت من القتلى و ينكل بشعبه بأساليب لم يسبقه بها أحد في العالمين. و تقف من ورائه أنظمة و مؤسسات دولية. و مع ذلك لا يزداد الشعب إلا إصرارا على إسقاطه و دحره. و سيفعل عما قريب و سيذهب الأسد و أتباعه إلى مزبلة التاريخ و يبقى الشعب. لذلك، أقول لهؤلاء، أوقفوا هذه المهزلة و كفاكم تجريحا في العباد و تقليلا من شأن رجالات هذا البلد و قادته بأسلوب لا يرتقى إلى مستوى الحرفية و هو أقرب ما يكون للتهريج. هدفه الوحيد إضحاك الناس و التقليل من قدر و قيمة الشخصيات العامة بهذا البلد.و لتخصصوا منابر للحوار الجدي بدلا من الضحك على لذقون. و ليكن نقدكم بالتلميح دون التصريح و التجريح و الفضح العلني و احترموا عقول الناس و ذكائهم في فهم تلك المواقف و تأويلها كل بطريقته و حسب مستوى وعيه و إدراكه. و لا تنصبوا أنفسكم ملقنين للعباد و موجهين للرأي العام لخدمة أغراضكم خاصة. و لتكن "سكيتشاتكم " و مواقفكم الهزلية بواسطة شخوص حقيقيين حتى لا تلتصق بأذهان الناس صورة تلك الدمى المهزلة فتضيع الهيبة و يصعب التواصل بينها و بين قياداتها. و أذكرهم ختاما، أن "تطييح القدر" و ضرب الرمزية لدى قيادات هذا البلد من خلال إخراجهم في صورة دمى مضحكة و أحيانا مثيرة للاشمئزاز، هذا المنحى لن ينتج سوى مزيدا من الفوضى و الفوضويين الذين لا قيم لديهم تحترم. و أنتم أول من سيشرب من هذا الكأس و لن يكون بإمكانكم إيقاف التيار الذي سيجرفكم إلى الهاوية و يشطبكم من خارطة التاريخ.