بداية من الغد.. رئيس الحكومة يؤدي زيارة إلى كوريا    بقلم مرشد السماوي: أيام عشر حاسمة قبل موعد عيد الأضحى ستكون حبلى بالقرارات الحازمة وسد الشغورات    لأول مرة في الكويت: نجوم مصريون يحيون 'ليلة النكد'    نقابة الصحفيين الفلسطينيين تستنكر اعتقال الاحتلال الصهيوني لصحفية من وكالة الانباء الفلسطينية    وزير الرياضة يشرف على نهائي كأس تونس لكرة اليد أواسط    الترجي يفوز على الافريقي 2-1 ويصبح على بعد نقطة من التتويج..    عاجل/ جريمة قتل شاب بعد رميه من طابق علوي..وهذه حصيلة الايقافات..    عاجل/ يهم المترشحين للبكالوريا وزارة التربية تتخذ هذا القرار..    هذه أسعار الأضاحي بهذه الولاية..    الترجي يفوز بالدربي منذ الشوط الاوّل وشوط ثان للنسيان    هرقلة: مخدرات وعملة أجنبية وتونسية في سيارة يقودها تونسي مقيم بالخارج    احترق منزلها.. إصابة الفنانة سمية الألفي باختناق    مكتب منظمة الصحة العالمية بتونس: معدّل عمر متعاطي أول سيجارة في تونس يناهز 7 سنوات    دربي العاصمة.. الترجي يتقدم على الافريقي في الشوط الاول    تنصيب احميدة التومي رئيسا للمجلس الجهوي بنابل    التشكيلة الاساسية لمباراة النادي الإفريقي والترجي    الطبوبي: الاتّحاد كان مع 'لحظة 25 جويلية'.. لكنّه لا يعطي صكا على بياض    المراقبة الاقتصادية بولاية تونس تضبط برنامج عمل خصوصي خلال فصل الصيف    الترجي يُحيل أصيل النملي على لجنة التأديب    الليلة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 26 درجة    القلعة الصغرى: الاحتفاظ ب3 عناصر إجرامية مفتش عنها    أنس جابر في ربع نهائي رولان غاروس للتنس    وفاة المخرج الشاب محمد أمين الزيادي    سيدي بوزيد: تراجع عدد الأضاحي إلى 110 آلاف رأس    وفاة المخرج محمد أمين الزيادي..#خبر_عاجل    وزارة الأسرة: معاينة ممارسات مخالفة للقانون في بعض التظاهرات الاحتفالية ببعض مؤسسات الطفولة    المخرج التونسي الشاب محمد أمين الزيادي في ذمة الله    اعلام برياح قوية مثيرة للرمال والاتربة بالجنوب ليل الأحد ويوم الإثنين    ولاية تونس في المرتبة الأولى من حيث عدد حوادث المرور    شركة اللحوم تشرع في بيع أضاحي العيد بداية من 8 جوان الجاري    كوريا الشمالية تُهدي جارتها الجنوبية 600 بالون نفايات    بنزرت: وفاة اب غرقا في شاطئ سيدي سالم وإنقاذ طفليه الصغيرين    متى تبدأ ليلة وقفة عرفة؟...وموعد صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    القصرين: 5 آلاف و991 مترشحا لمناظرة الباكالوريا دورة 2024    هذه الدولة تعتمد أول لقاح للسرطان في العالم    بعد زيارة الصين: رئيس الدولة يعود الى تونس..    أفضل الخطوط الجوية لسنة 2024    خلال زيارته المكتبة الكبرى لشركة "هواوي": رئيس الجمهورية يهدي المكتبة مؤلفات تونسية (صور)    هزّة أرضية في المغرب    النادي الصفاقسي يطلق منتدى للتشاور مع احبائه ومسؤوليه السابقين    أحمدي نجاد يعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية في إيران    ايقاف 22 محتجا خلال تظاهرة داعمة للفلسطينيين في متحف بنيويورك    مدير عام منظمة الصحة العالمية.. الجائحة التالية ليست سوى مسألة وقت    برنامج الغذاء من أجل التقدم 110 مليون دينار لدعم إنتاج التمور في تونس    انقسامات داخلية حادة تهز الاحتلال حول خطة بايدن لإنهاء الحرب    عادل خضر نائب لأمين اتحاد الأدباء العرب    محرزية الطويل تكشف أسباب إعتزالها الفنّ    بداية من اليوم: اعتماد تسعيرة موحّدة لبيع لحوم الضأن المحلية    تجربة أول لقاح للسرطان في العالم    وزير الصحة : ضرورة دعم العمل المشترك لمكافحة آفة التدخين    اتحاد الفلاحة: هذه اسعار الأضاحي.. وما يتم تداوله مبالغ فيه    قتلى في موجة حر شديدة تضرب الهند    من الواقع .. حكاية زوجة عذراء !    غمزة فنية ..الفنان التونسي مغلوب على أمره !    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 2 جوان    من أبرز سمات المجتمع المسلم .. التكافل الاجتماعي في الأعياد والمناسبات    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس بين حقيقة الدّين وانحراف التديّن - د.فتحي بوعجيلة
نشر في الفجر نيوز يوم 16 - 09 - 2012

لاريب أن "ربيع الثورات العربية" كما سمّي ،بقدر ما أعاد لأبناء الأمة العربية والإسلامية الثقة في النفس ،أثار في نفوس فريق منهم أسئلة محرقة ربّما فرضها عليهم اضطرابُ ما اصطُلِح عليه ب"المرحلة الانتقالية"أو "الانتقال الثوري"أو"الانتقال الديمقراطي" أو ماشابه ذلك،ومن الأسئلة:هل نحن مُؤهلون اليوم للحرية والديمقراطية؟ ،ألسنا مرتَهنين إلى الآن ب"القابليّة" للدكتاتورية كما كان أسلافنا مصابون ب"القابلية للاستعمار"على حد تعبير المفكر الجزائري مالك بن نبي ؟ كيف نرى الثورة:
نعمة ، أم نقمة -لا قدّر الله- إذا تواصل الأمر على ماهو عليه الآن؟
في هذا السياق ،أوَدّ -من خلال هذه الورقة- أن أقدم قراءة في الشأن الديني في تونس الثورة،أمهد لها بعرض موجز لرصيد البلاد القيّم في فهم الدين الحنيف فهما رشيدا يجسّد رفعةَ قيَمه واعتدال منهجه وسعةَ آفاقه. ولا يفوتني أن أشير في البداية إلى أن الوضع التونسي الجديد ربما لا يختلف كثيرا عما يحدث في بلدان أخرى،أو لنقل هناك تشابه كما هو مشاهَد .
الفكر الديني في تاريخ تونس :الإسلام الحيّ
جاء الفتح الإسلامي الزكي إلى إفريقية(تونس اليوم )،منذ22ه/642م عبر مصر وبرقة وطرابلس ،واصلا إلى سبيطلة والجريد والجم ليستقرمنذ50ه/670 بالقيروان ،التي يُجْمِع المؤرخون على أنها شهدت انتعاشة ثقافية وعلمية، في العهد الأغلبي،واعتُبِرتْ هذه المدينةُ ،أرضُِ ابن أبي زيد القيرواني(ت386ه) الملقب ب"مالك الصغير" صاحبِ الرسالة ، أولَ قُطب علميّ وثقافيّ في المغرب بأكمله في القرن الثالث للهجرة/القرن التاسع للميلاد،وكانت تشع على كامل إفريقية والمغرب وكذلك الأندلس وجزر المتوسّط التابعة للدولة الأغلبية.ولا يُعذَر أيُّ تونسي -اليوم- حين يَغْفل عن أَشْهر المراكز الثقافية الرائدة في بلاده عبر تاريخها الإسلامي الزاهر ،من جامع عقبة بالقيروان الذي أسسه عقبة بن نافع (ت63ه)،ولمع فيه الإمام سحنون (ت240ه) صاحب المدوّنة ،إلى جامع الزيتونة بتونس الحاضرة الذي درّس فيه الفقيه علي بن زياد (ت183ه) وغيره من مشاهير الفقهاء،وجامع سوسة التونسية،والرباطات معاقل العلم الديني الصافي،ويجب أن لا يذْهل التونسيّ ،المعتز بوطنه، عن بيت الحكمة برقادة(264ه-878م)،وهي معهد تدرّس فيه علوم الطبّ والفلسفة والفلك من طرف عدة علماء وأطبّاء وفلكيين استقدموا من مصر والشام والعراق لهذا الغرض ،وهي كذلك معهد ترجمة أُلْحِق به نخبةٌ من القسيسين المسيحيين جاؤوا من صقلية لترجمة المؤلفات اليونانية واللاتينية إلى العربية وذلك بمعونة رجال إفريقيين يحسنون اللغة العربية.
لقد أَحْكَمَت هذه التعادليةُ الفكريةُ مشهديةَ الفكر الديني وتطبيقاته في تونس العربية الإسلامية المتوسطيّة المتفتّحة،فأنجبتْ علماءَ مرموقين فَهِموا الدين وفهَّموه كما ينبغي ،وفق ما أوتوه ،وما أتيح لهم ،وضمن خصائص بيئتهم الثقافية، فكانت الثقافةُ الدينية –منذ قرون – في تونس الجميلة قرينة الاعتدال والواقعية، وبُعْد النظر الفسيح،بعيدا عن التلقي الأهوج، والإدراك الأعرج،والتقمص السَّمِج ،ولا يسمح المقام بالتطويل في تعداد الأسماء اللامعة والأعمال الباهرة في هذا المجال ،و لكن لا بأس من التلويح باسم العلامة البحر ابن عرفة الورغمّي (ت803/1401) المنسوبة إليه قولة جامعة مانعة:"إن الجمود على النص من غير التفات إلى أحوال الناس وعوائدها وتنويعات الأزمان ضلال وإضلال"،ويجدر بنا أن نلمح إلى أن فكرنا الدينيّ "التونسي" الرحب الرصين،لم يبارح المددَ الإصلاحي الذي قاوم في العالم العربيّ والإسلاميّ الجهلَ بالدين،وتشويهَ صورته الناصعة، والبؤسَ الحضاري المقيت،يقول الشيخ الزيتوني القيرواني المصلح محمد النخلي (ت1924) :"كنت ولوعا جدا بمبادئ الأستاذيْن الحكيميْن الشيخ جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده،وقد طالعت ما كتباه من التآليف العجيبة،وعرفت كنه ما يرميان إليه من إعادة مجد الإسلام بواسطة فهم القرآن ومجاراة الأمم الأوروبية في العلوم والترقيات البشرية...".إن تونس الحديثة هي بلاد خير الدين التونسي (ت1890 ) صاحب "أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك" ،والطاهر الحداد (ت1935) صاحب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع"، ومحمد الطاهر ابن عاشور(ت1973) صاحب "التحرير والتنوير" ،وغيرهم من الأفذاذ المتفتحين ،لكنهل استفدنا اليوم من هذا الميراث الثقافي العريق ؟ وهل المسار ينبئ بالحفاظ على هذا الرصيد وإغنائه بروافد الحاضر و"أَقْضِيَتِه"على حد تعبيرعمربن عبد العزيزرضي الله عنه
التديّن الثوري:إلى أين؟
لا يحق لنا أن نقلل من خطورة الفوضى "الدينية" التي تشهدها تونس بعد الثورة ،لا في المساجد فحسب،بل في الشارع،والأماكن العامة المفتوحة، والفضاءات الثقافية،أيضا،ولعل ذلك مؤشّر خطر ينذر بحلول شكل جديد في "الصعلكة" و"البلطجة" تحت عنوان"التديّن"،وسيكون هذا الشكل الغريب والمستهجن-وهو ما لا نرجوه- عاملا فاعلا في تنامي مرض "الوسوسة "من كل ماهو ديني، وسيجر إلى مزيد التنابز بالألقاب بين "الزعماء الدينيين"الجدد، وأتباعهم القُصّر، وبين الضائقين صدرا بتصرفات هؤلاء"الزعماء" وأحبائهم. ومن الواضح -الوضوح التام- الخبْط والتخبط الإداريان اللذان تعاني منهما وزارة الإشراف على تسيير الشأن الديني في البلاد ،فالذي يظهر لنا، أن أصحاب الرأي والقرار في وزارة الشؤون الدينية - اليوم - تُعوزهم الخبرة، والفطانة، وقوّة الشخصية الإداريّة، والشجاعة المقترنة بالرأي السديد، وتنساق بهم العاطفة "الدينية" والتساهل والمجاملة، بعيدا عن العقلانية والرصانة والحكمة ،التي تقتضيها المسؤولية والأمانة . وفي رأيي المتواضع- لا يمكن لهذه الوزارة أن تأخذ موقعها الجدير بها إذا لم تتلقَّفْها -بشكل عاجل- كفاءات قادرة على التعاطي الرشيد والرصين مع الراهن، وتتميز برجاحة التفكير، وتتوفر لديها المعرفة الدينية الواسعة الحية ،والحنكة الإدارية الراسخة، والكاريزما الفكرية النافذة،حتى تتخلّص من انزلاقات الجلَبة والضوضاء ،وحتى تخط منهجا عمليا واضحا فاعلا،اقتداء بما هو باد من حكمة في بعض وزارات أخرى بنسَب متفاوتة.
ولا يمكن أن نوصّف الشأن الديني في بلادنا الحبيبة هذه الأيام دون الكلام عن حماسة المتديّنين الطيّبين والحماسة نافعة إن وقع تأطيرها وترشيدها،وأعْقبَها عمل صالح نافع ،ولكن مَن المِؤطرُ؟ ومن المُرشِّد؟ الله أعلم، لأن المؤَهَّل لهذه المهمة هي الوزارة المعنية بالدين في تونس وهي نفسها الآن -حسب اعتقادنا- رغم ما تبذله من جهد لا يرقى إلى المأمول- في حاجة ماسة إلى الترشيد الذي تظن أنها بصدد إسدائه إلى المواطنين من بلاغات وبيانات غزيرة وهو غير كاف وحده،فالمتحمّسون من الجمعيات الخيّرة، ومن الشبان المندفعين، ومن الأيمة الخطباء المبتدئين، ومن رواد الجوامع، ومن الجماعات الدينية المختلفة، يتحمسون كثيرا فيخطئون كثيرا،ويتحركون فوق اللزوم فيسقطون،ويتعثّرون -مرات ومرات-،يتعثّرون حينما يرفعون الأعلام و الشعارات ،وحينما يكتبون اللافتات، وحينما ينظمون التظاهرات، وحينما يستجلبون الدعاة ويقدمون الدروس والمحاضرات، وحينما يسيّسون-عن قصد وعن غير قصد- بيوت الله، وحينما يبدون مواقفهم من الأحداث وممن يخالفهم الرأي ،وحينما يقدمون مطالبهم الدينية ، وحينما يفسرون الإسلام ويتكلمون باسمه، وحينما يباشرون مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحينما يقيمون حملات التوعية الأخلاقية في الطرقات،وحينما يلبسون لباسا غريبا تزدريه العين،....
إنها الحماسة الضارة التي يرْفِدها صغرُ السن، وحرارة الشباب والمراهقة، والتعبئةُ غير المسؤولة،والجهل الفظيع بالفقه الإسلامي الفسيح ، و"التصابي" الغريب لبعض الكهول والكبار ،ولعل هذه الحماسة غير الصحية ساعد على إفرازها التضييقُ المبالغ فيه على المتديّنين ،سابقا،و عاون على إنتاجها التعطّش إلى الخطاب الديني غير الرسمي،وإن كان ضالاًّ مُضلاًّ .،
وكم نعاني اليوم من التهور في سلوك المتديّنين أو المنتسبين إلى الدين، ومن مظاهر ذلك مثلا:التشويشُ في بيوت العبادة، -بإهانة مسؤوليها ،وبالجدال الممقوت والمخزي،وبالمواجهات الحادة،وببث البلبلة والفتنة،وبغير ذلك من الممارسات غير الأخلاقية..-.
ومن المظاهر:العنفُ اللفظي والجسدي والرمزي بالتفسيق والتبديع والتكفير والتحريم والتهديد والتحريض..،ويصل العنف ذروته حين يُرفَع السلاح وهو الأخطر،ووراء كل ذلك الفتاوى المتشددة والفكر المتصلب المتكلّس
ومع كل ذلك ،ينعدم عند هؤلاء الإيمانُ بالحريات الشخصية والإبداعية المنضبطة، وويمارَسُ مِن قِبَلِهم الاعتداءُ، والتضييقُ على حقوق الآخرين من مختلف الزُّمَرالفكرية والأوساط الثقافية .ولاشك في أن هذا السلوك يعتبرخرقا للقانون ومسّا بالكرامة المدنيّة،وتهديدا للسلم المُجتمَعيّة،وكلُّ ذلك مُصَنَّف ضمن الجنح والجرائم ،وهو مخالف لسماحة ديننا الحنيف، ومُنَفّرٌ منه، ومُشوهٌ لصورته الناصعة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.